الكاتب الإماراتي سعيد حمدان يجمعها على مر عقود ويقرأها بعين متفحصة
العاملون في صاحبة الجلالة يعلمون جيدا أن الصحيفة، أية صحيفة، من المستحيل أن تستمر في الخروج يوما بعد الآخر، دون أن تقع في أخطاء. سواء طباعية أو لغوية أو غير ذلك. لكن تبقى المطبوعة المتميزة هي التي تستطيع الخروج بأقل الخسائر، إذا صح التعبير، أما إذا كان الخطأ من النوع الذي لا يغتفر، فبالتأكيد لن يغفر التاريخ لهذه المطبوعة أن تسجل نفسها في تاريخ الأخطاء الصحافية. وهو ما رصده كتاب متميز صدر مؤخرا بعنوان «أخطاء صاحبة الجلالة» للكاتب الإماراتي سعيد حمدان.
وربما لم يكن هذا الكتاب هو الأول من نوعه، إلا أن الكتاب يعتبر إضافة مهمة للمكتبة العربية، وأيضا للصحافة بأكملها، وللعاملين أيضا في صاحبة الجلالة، فهؤلاء عندما يقرأون هذا الكتاب، سيعلمون جيدا أن هناك من يستطيع أن يرصد هذه الأخطاء بدقة، وينقلها بسلاسة، ويقرأها بواقعية متناهية.
وبعين متفحصة وقراءة واعية مترصدة، ينشغل الإعلامي الإماراتي سعيد حمدان، عبر كتابه هذا، بإضاءة نماذج من تلك الأخطاء -وربما «الخطايا»- التي وقعت فيها بعض الصحف، وسواء أكان الخطأ سهوا بشريا من العاملين والمحررين، أم اقترفته أجهزة الطباعة والإخراج، وسواء جاء عن جهل وقلة خبرة، أو عن اجتهاد خاطئ، فإن الكاتب لا يتتبع عورات أخطاء صاحبة الجلالة ليفضحها، بل لينبه إليها ويشير إلى أنه يجب ألا يُنظر إلى قارئ الصحيفة على أنه يمر على هذه الأخطاء مرور الكرام، بل إنها تؤثر فيه ويتخذ منها موقفا، سواء أكان الأمر يتعلق بصحة اللغة، أم بخطأ الإخراج ووضع الصور، أم حتى بالمضمون غير الصحيح المضلل.
ويضرب المؤلف أمثلة كثيرة على هذه الأخطاء، ويختار نماذج من الصحف التي صدرت في دولة الإمارات خلال فترة زمنية معينة، بل يتابع أيضا ما سببه هذا الخطأ لاحقا من ردود فعل، وكيف تمت معالجته والتعامل مع مسببه، يمكن اعتبار هذا الكتاب ضروريا لطلبة أقسام الصحافة والإعلام في الجامعات والمعاهد العربية، ليتعرفوا على أمثلة حية من الإشكاليات التي تقع فيها الصحف، خصوصا أن مؤلفه يرفق، في نهايته، ملحقا خاصا بنماذج من هذه الأخطاء، بعضها يبدو طريفا للغاية. كما أنه ضروري أيضا للصحافيين المبتدئين ليحاولوا تجنب الوقوع في مثل هذه الأخطاء، ويتعرفوا إلى أثرها السلبي على الصحافي وصحيفته والمجتمع، كما أنه من المهم للصحافيين المحترفين أن يطلعوا عليه ليتذكروا أخطاءهم التي ارتكبوها ذات يوم، فالذي لا يخطئ لا يعمل.
وبأسلوبه المميز، وطريقته السلسة، يستعرض الكاتب سعيد حمدان أخطاء جمة حملتها الصحافة العربية عبر تاريخها الطويل، ما بين الطريف والمحرج والمهين، بل وحتى المستفز، هذه الأخطاء كلها رصدها الكاتب الذي يقول: «لم تكن قصاصات الأخطاء الطباعية في الصحافة من بين الأوراق التي جمعتها في بدايات عملي بالصحافة، قبل ما يزيد على خمسة عشر عاما، ولم يراودني مجرد التفكير في إصدار مثل هذا الكتاب».. ويواصل حمدان كيف طرأت الفكرة على باله وحولها واقعا بالقول: «فمهمة البحث عن أخطاء الصحافة أصبحت هواية ومتعة، ولهذه الهواية، فتحت أدراجا واسعة بمكتبي بمبنى الصحيفة، وفي منزلي، وحتى بين الأوراق التي تسكن سيارتي».. ويمضي قائلا: «إن الأدراج التي فتحتها لأخطاء صاحبة الجلالة فيها ما يكفي من قصاصات من حيث الكم، ومن حيث التنوع والشمولية، ومن حيث غرائبية هذه الأخطاء، فبعضها مضحك طريف، وبعضها محزن ومسيء».
وبعد أن شرح الكاتب دورة العمل الصحافي، وكيف يقع الخطأ، وممن، ومتى، انبرى إلى الجزء الأهم في الكتاب، ألا وهو: ما هذه الأخطاء التي شوهت عالم الصحافة؟ فكانت البداية مع صحافة بلاده، فكانت أبرز هذه الأخطاء، عندما نشرت إحدى الصحف هذه المقولة «رأس الحكمة (مخالفة) الله»، بالطبع بدلا من (مخافة) الله. في حين نشرت صحيفة أخرى خبرا عن وفاة شاعر شهير بالإمارات، لكنه لم يمت في الواقع، وهو الأمر الذي حدا بصحيفة منافسة للخروج في اليوم التالي بتحقيق نشرت فيه صورة الشاعر، الذي يفترض أنه مات، وهو يسجد لله شكرا.
وتنوعت الأخطاء التي يشير إليها الكاتب، من «ناد (يشوي) حكما» بدلا من «ناد يشكو حكما»، وخبر عن توزيع إحدى الشركات للأرباح، والخسائر أيضا. ومانشيت رئيسي يشير إلى أن المنتخب الإماراتي يبدأ تجمعه بعد 30 عاما، والصحيح بالطبع بعد 30 يوما، وقصيدة للشاعر العربي بشار بن برد ونشر أسفلها بريده الإلكتروني، و«غلوب باشا» صار «غلوم باشا»، و«استقبلت الكلبة زوجة الوزير» بدلا من «استقبلت الكلية زوجة الوزير»، وجزيرة «أم مومس» بدلا من «أم موسى»، و«زرقاء البهامة» بدلا من «زرقاء اليمامة»، وشركة «تلعن» عملاءها، بدلا من «تعلن» لهم، أما أطرف الأخطاء فعندما نشرت صحيفة الرياض السعودية اسم «خالد حامد» بأنه «خالد حامل».
وتطرق الكاتب إلى ما قال عنه إنه أشهر خطأ طباعي في الصحافة العربية، وهو ذلك الذي نشر كخبر عزاء يقول في نهايته «رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته إذا كان له مكان»، كما أشار الكاتب إلى ما نشرته جريدة المساء المصرية في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981 عندما خرجت بمانشيت عريض تصف خلاله العرض العسكري وحضور الرئيس أنور السادات وتوجهه بعد العرض كعادته لقرية ميت أبو الكوم، وفي الوقت الذي طرحت الصحيفة إلى السوق وهي تصف انتهاء العرض العسكري، تحول العرض إلى ساحة من الدماء انتهت بمقتل الرئيس السادات، وبالطبع لم يتوجه إلى قريته كما نشرت الصحيفة.
بقي أن نشير إلى أن الكاتب لفت إلى زاوية المراقب الصحافي التي دشنتها «الشرق الأوسط» قبل سنوات، قبل أن تتوقف وعادت هذا الأسبوع. يقول الكاتب «كانت هذه الزاوية الإعلامية المهمة التي تنشرها جريدة (الشرق الأوسط)، وانتظمت في نشرها لمدة سنوات، بعنوان (المراقب الصحافي). وفي واحدة من هذه الزوايا كتب المراقب: «الأسبوع المنصرم كان أسبوع الأخطاء التي لا تغتفر للصحيفة، صحيح أن «الشرق الأوسط» تمتلك فضيلة الاعتراف وتضع زاوية يومية للتصويبات، لكن هذا لا يقلل من خطورة الأخطاء الكبرى، ونكرر أن الأخطاء اللغوية والطباعية ستظل موجودة وإن كانت أفضل بكثير مما كانت عليه، إلا أن هناك أخطاء كبيرة تضر بمصداقية الصحيفة. هناك حاجة إلى جمع هذه الأخطاء وتوزيع مسؤولياتها، فبعضها جاء من مكاتب «الشرق الأوسط» وبعضها من المحرر، وبعضها أخطاء أحرجت فيها الصحيفة كتابها، وبعضها أخطاء أحرج فيها الكاتب صحيفته».
لندن: «الشرق الأوسط»
التعليقات مغلقة.