جنيف1، جنيف2. هولير1، هولير2. دهوك1، دهوك2 – طلال محمد قافور

36

 

“هناك قوى تسعى دائماً إلى احتكار انتصارات القوات الكردية المتمثلة بوحدات الحماية الشعبية، وربطها بالاتفاقيات السياسية، وكأن هذه القوى تريد القول: لا مناص أمامكم سوى الاتفاق”.

طلال محــمد
طلال محمد قافور – رئيس حزب السلام الديمقراطي الكردي في سوريا

إنها عناوين لاتفاقياتٍ سياسية حصلت برعاية المهتمين بالشأن السوري والأزمة السورية، لكن، حين ننظرُ إلى التوقيت الذي تمّت فيه هذه الاتفاقيات، وسريان مفعولها، نلاحظ حجم التدخّل الهائل في الشأن السوري، وكذلك حجم مصالح القوى الرامية إلى اختلاق حالةٍ من التوازن بين القوى المتصارعة على الأرض، بهدف إيجاد أوسع ساحةٍ للصراع والدمار، بما يخدم مشاريع تلك القوى ومصالحها في المنطقة.

بالتأكيد، قد لا يعني ذلك، أن القوى الدولية تقوم بحماية مصالح النظام السوري، أو مصالح التنظيمات الإرهابية، لكن، أحياناً، قد تتداخل المصالح إلى حدٍ يرى فيه المتابع أن القوى الدولية تقومُ بحماية مصالح هذه الجهة أو تلك، كما أن تلك القوى قد ترى في حماية مصالح أطرافٍ معينة من النزاع، أرضيةً مناسبة لتنفيذ مشاريعها، لذلك، فإنه مع إبرام تلك الاتفاقيات، نجدُ أن القوى الدولية قد وقفت إلى جانب الظالم وليس المظلوم، وعليه، يمكنُ القول إن ظروف عقد تلك الاتفاقيات وتوقيتها وسياقها، كانت، أساساً، في خدمة المصالح العليا لتلك الدول، أو بتعبيرٍ آخر: كانت بمثابة ترتيباتٍ جديدة للقوى الدولية في المنطقة. ما يهمُّ هنا، هو الشأن الكُردي الذي يشكلّ بدوره جزءاً أساسياً من الشأن السوري العام، فبالنظر إلى الاتفاقيات الكُردية- الكُردية، نجدُ فيها إحداثيات تشبه الاتفاقيات الأخرى من حيث الظرف والتوقيت؛ فاتفاقيات “جنيف” جاءت بعد اشتداد الصراع بين قوات النظام وكتائب الجيش الحرّ، وأحياناً كان الجيش الحرّ يتقدّم ويلحق خسائر كبيرة بقوات النظام، وأحياناً يكون العكس، فجاءت مباحاثات “جنيف” سواءً الأول أو الثاني، كمحاولة لإعادة التوازن، وعدم استنزاف أي طرفٍ من الطرفين. أما في حالة الاتفاقيات الكُردية، فقد كان السياق والظرف واحداً من حيث التدخّل، لكن القوى كانت مختلفة، فالهجومُ الأول الذي شنّته جبهة النصرة وأحرار الشام وكتائب أخرى على مدينة “رأس العين- سري كانيه” كان هجوماً قوياً، حيث تمكّنت تلك الكتائب من السيّطرة على ثلاثة أرباع مساحة المدينة، وكان ذلك بمثابة الاختبار الأول لوحدات الحماية الشعبية، لكن، ما حدث حينها كان مفاجئاً، ففي لمح البصر انتقلت السيّطرة على هذه المدينة وبعدها قرى الريف الغربي منها من يد التنظيمات المتطرّفة إلى يد وحدات الحماية الشعبية.. لقد تمكّنت وحدات الحماية الشعبية، بحنكةٍ، من وضع خطةٍ لتنفيذ حملتها العسكرية التي أطلقتها وفاءً لشهدائها في “سري كانيه” حيث زلزلت عروش أمراء المسلحين، وطردت تجمعاتهم، بين ليلة وضحاها. هذا النجاح الذي حقّقته وحدات الحماية، جاء بالتزامن مع عقد حوارات ولقاءات بين القوى السياسية الكُردية في غرب كردستان متمثلة بالمجلس الوطني ومجلس غربي كردستان، وتمخّضت عنها اتفاقية هولير1، وكان الحديث حينها يدور حول فكرة مفادها : لولا الاتفاق السياسي وبرعاية طرف إقليمي لهذه الاتفاقية، لما استطاعت وحدات الحماية الشعبية الانتصار وتحرير “سري كانيه”. وكذلك، في الفترة التي أطلقت فيها وحداتُ الحماية حملتها في بلدة “تل حميس” وفاءً لشهدائها، والتي استطاعت من خلالها التقدّم والوصول إلى الحدود العراقية، وتحرير بلدة “تل كوجر” ، جرت حوارات أخرى وكانت “هولير2″، وكان الحديثُ حينها يدور حول فكرة مفادها: لولا الاتفاق لما انتصرت وحدات الحماية الشعبية. ما يعني، أن هناك قوى تسعى دائماً إلى احتكار انتصارات القوات الكردية المتمثلة بوحدات الحماية الشعبية، وربطها بالاتفاقيات السياسية، وكأن هذه القوى تريد القول: لا مناص أمامكم سوى الاتفاق. وهذا ما حصل أيضاً في الهجوم على مدينة “كوباني” من قبل تنظيم “داعش”، حيث جاءت اتفاقية “دهوك” بالتزامن مع هجمات التنظيم، وكان الحديث الشائع حينها: لولا “دهوك” لسقطت كوباني ولما تدخّلت قوات التحالف والبيشمركة. والأسئلة التي تطرح نفسها، الآن، هي: هل من الضروري- سورياً- أن يأتي عقد “جنيفات” بعد اشتداد الصراع تحديداً؟ وهل من الضروري- كُردياً- أن تُعقد اتفاقياتٌ كُردية أثناء الهجوم على المدن الكردية؟.. لماذا لا يتم الحوار والاتفاق أثناء الهدوء وليس أثناء الهجمات؟.. وهل الذي يرعى الاتفاقيات الكردية هو جزءٌ ممن ينفذون المصالح الدولية كمن يرعى اتفاقيات جنيف؟.

طلال محمد قافور –  رئيس حزب السلام الديمقراطي الكردي في سوريا

تنويه واعتذار: نشرت المقالة في العدد (19) من صحيفة Buyerpress الورقية تاريخ 2015/5/15 , ونتيجة خطأ في التصميم تداخلت بعض الفقرات في المقالة. أسرة التحرير تعتذر من الكاتب ومن قرّائها الكرام .

التعليقات مغلقة.