أنقرة – الساعة تشير إلى السابعة مساء في جو ممطر شديد البرودة في مدينة إسطنبول التركية، يحمل فتى سوري في سن الرابعة عشرة مجموعة من المظلات عارضا بضاعته على المارة هنا وهناك أملا في تحصيل دولارات قليلة.
في أول الزقاق أربعيني يهرول باتجاه محطة نقل عمومي اتقاء للمطر ورغبة في اللحاق بالمترو قبل مغادرته نحو إحدى ضواحي المدينة، يعترضه “معتز” (وقد عرفنا اسمه لاحقا) مقدما مظلة اختار لونها بعناية فيطرحه الأربعيني أرضا.
شدنا عنصران في هذا المشهد السريالي الأول عدم اكتراث المعتدي ومواصلة هرولته دون أدنى اهتمام والثاني النهوض السيزيفي لمعتز دون أن ينبس ببنت شفة.
استوقفنا معتز وطلبنا منه مرافقتنا في جولة قصيرة، فسرد على مسامعنا قصصا كثيرة عن واقع أترابه السوريين الهاربين من رعب البراميل المتفجرة في بلاده إلى المعاملة التركية المهينة، على حد وصفه.
من خلال إقامتنا بالمدينة واختلاطنا بعدد كبير من اللاجئين السوريين في شوارعها يمكننا تصنيفهم إلى قسمين، يضم الأول طبقة متوسطة أو مترفة وهم أساسا من التجار الهاربين بأموالهم إلى هذه الأرض والشباب المتعلم الذي حصل وظائف بهيئات معارضة في تركيا أو في شركات في إسطنبول.
أما الصنف الثاني، فيشمل عائلات بأكملها أو ما تبقى منها من ناجين من رحى الحرب المستعرة في سوريا، يشتغل أغلبهم في التجارة والمطاعم بأجور متدنية قد لا تفوق قيمتها الـ4 دولارات يوميا. تتعقد وضعية الصنف الثاني من اللاجئين السوريين بعدد ليس بالهين من الأسباب نذكر منها ارتفاع إيجارات البيوت بشكل جنوني حتى في تلك الضواحي البعيدة، علاوة على شح مواطن الشغل والاستغلال الذي يعمد إليه أصحاب المشاريع التجارية في حق هاربين من الحرب المستعرة على الحدود.
كما يتم تلفيق تهم مضخمة ضد السوريين في حالات شجار عادية ويرسل السوري اللاجئ إلى مخافر البوليس للتحقيق المطول بغض النظر عن الأسباب والدوافع.
وتتحدث تقارير إعلامية عن قيام الأمن التركي أكثر من مرة بترحيل المئات من السوريين إلى ملاجئ ومخيمات بعيدة في مدن كـ”غازي عنتاب” وغيرها.
فالتنكيل والشتائم والإهانات أصبحت خبزا يوميا كما قالت لنا الحاجة بهية أم محمد النازحة من مدينة حلب التي وجدت نفسها مضطرة لمكافحة شظف الحياة عبر بيع ملابس نسائية للزائرات الثريات على متن عبارات تنقل السياح من وسط المدينة إلى جزيرة الأميرات البعيدة.
وتقول المسنة بهية إنها تقيم في بيت مكون من غرفتين يناهز إيجاره نحو 300 دولار، يأويها مع ابنتها وزوجها وأبنائهما.
وتضيف أن بيتها بحلب دمر كليا، فيما توقف كل أحفادها عن الدراسة رغم تفوقهم وذلك بسبب ارتفاع رسوم الالتحاق بالمدارس التركية.
على متن العبّارة نفسها التقينا بعدد من الشباب السوريين كلهم طلبة جامعات يعملون الآن في مصنع لملابس الجينز في إسطنبول، ومع ذلك لم يفقدوا عزيمتهم في مواجهة مصاعب الحياة أملا في خروج بلدهم من دوامة العنف.
وتتحدث تقارير حديثة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن نحو 3 ملايين طفل قد أجبروا على ترك مدارسهم بسبب النزاع في العراق وسوريا.
ويؤكد من التقيناهم أن قوانين العمل في تركيا لا تحمي اللاجئين السوريين، فهم يتلقون أجورا متدنية مقابل ساعات عمل طويلة، ومعرضون للطرد التعسفي في حال قصروا أو تأخروا عن عملهم أو طالبوا بزيادة أجورهم وتحسين ظروف العمل.
ويقول خالد إن الوضع في تركيا رغم سوداويته يبقى أفضل حالا من الوضع في مدينة حمص التي هرب منها تحاشيا لتجنيده قسريا في صفوف الجيش السوري، مضيفا أنه عازم على مواصلة دراسته الجامعية فور التوصل إلى تسوية للوضع في بلاده.
ويضيف إبراهيم، لاجئ سوري معارض، أن قسما كبيرا من الشعب السوري انبهر بانحياز الجارة تركيا إلى جانب الثورة في بلاده، غير أنه اصطدم بواقع مرير في طريقة تعامل الأمن التركي مع أبناء بلده فور اجتيازه الحدود، مضيفا أعتقد أن الحكام هنا نجحوا إلى حد بعيد في استثمار الأزمة السورية لحشد أصوات انتخابية في مختلف المحطات الانتخابية.
ويفوق عدد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، أكثر من 3 مليون لاجئ منهم نحو مليون و97 ألف بالمدن التركية وفقا لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غير أن تقارير صحفية تؤكد أن الأرقام الحالية لا تشمل عددا كبيرا من السوريين بقوا خارج دائرة الإحصائيات الرسمية.
ويرى مراقبون أن النظام التركي يتعامل مع الأزمة السورية بانتهازية بعيدا عن منطق الشعارات التي يروجها أردوغان في خطاباته خاصة تلك التي يتطرق فيها إلى أوجاع السوريين وينتقد فيها تعامل المجتمع الدولي مع أزمة النازحين.
العرب
التعليقات مغلقة.