شعلة نوروز تجسيد لقرابين الحرية / نايف جبيرو

41

نايف جبيرو“تلك القيادات الحزبية الكلاسيكية المتصدّأة التي أصبحت عالةً على كاهل هذا الشعب والبعيدة كلً البعد عن التعبير عن طموحاته وآلامه، اتفقوا على أن تلفّ أجسادهم بقماشٍ أحمرٍ من لون دمائهم وكأنهم يقولون لهم ها نحن نقتلكم مرة أخرى ورفضوا أنْ تلفّ أجسادهم الطاهرة بالأعلام الكردية التي كانت ترفرف فوق رؤوسهم وهم يرقصون حول نار نوروز المقدسة قبل أن تنال منهم يد الإجرام”.

لم يعد خافياً على احد ماذا يعني النوروز, وما يحمله هذا العيد بقدومه كلّ عام من دلالات عميقة ومشاعر الغبطة والفرح لإشراقة شمس يومٍ جديد تنتفي فيه مظاهر الظلم والظلام. ومظاهر العبودية والاستسلام, نوروز هذا العيد القومي الذي يحتفل به الشعب الكردي منذ مئات بل آلاف السنين, تعددت الروايات والأساطير حول منشئها ومنبتها ليست فقط الكردية منها بل تلك العائدة لمعظم الشعوب الآرية التي تحتفي بها كإحدى أعيادها المقدسة, تلك الروايات والأساطير التي تصبّ في مجملها في منحى واحد, لتعطي معناً واحداً لهذه المناسبة, بأنها عيدٌ للحرية, عيدٌ لانتصار الخير على الشر, انتصار العدالة على الظلم, وبداية يومٍ جديد لحياة جديدة ملؤها العطاء والنماء لتعطيَ لكلّ مقبلٍ رونقاً تنتفي فيه مظاهر التدليس والتدنيس. نوروز ذلك اليوم الحادي والعشرين من آذار الذي تتعادل فيه الليل مع النهار وليبدأ اعتباراً منه الغلبة للنور على الظلام, للخير على الشر, للفضيلة على الرذيلة, وليشرق شمس نهارٍ جديد تتفتح فيها الأزهار والورود وتنمو فيها براعم الحياة من جديد. نوروز هذا العيد ورغم ما يبعث قدومه من مظاهر الغبطة وما يرسم من بسمات الفرح على شفاه الأطفال براعم المستقبل, لم يعد خافياً أيضاً على أحدٍ ما يحمل قدومه من مشاعر الأسى والألم ومظاهر الخوف والترقب من تلك القوى الشريرة التي لم تهدأ يوماً لتتْرك هذا العيد ليمرّ بسلام ولتجعل من تلك الجروح التي لم تندمل بعد لتنزف من جديد. ليلة نوروز 2015م وكما هي العادة بدأت الأفراح والبهجة تعم كلّ مدينة وكل شارعٍ وبيت ليبدأ كلّ نفسٍ بنزع الأحقاد والضغينة عنها وتضع حداً للماضي الأليم ولتفتح صفحة ملؤها المحبة لعام جديد تماماً كما تفعل أشجار الطبيعة التي تنفض عن نفسها غبار الماضي لتبدأ الحياة من جديد في ربيعٍ جديد. بدأت الاحتفالات برقصات الفتية كالفراشات على انغام الموسيقى في حلقاتٍ دائرية, والمفعمة بنشوة دفء شعلة نوروز ورفرفة الأعلام الكردية ذات الألوان القوس قزحية, وزغاريد النسوة كتغريد البلابل في حديقة الورود والأزهار. في غمرة تلك الأفراح ونشوتها لم تكن قوى الشرّ إلّا متربصة كعادتها, فمدت بأياديها القذرة ووقعت الفاجعة وبدأ الجرح الذي لم يكد يندمل بعدُ, بالنزف مجدداً في مدينة الحسكة الأبية, وكانت النتيجة كوكبة جديدة من قرابين الحرية وقد تجسدوا حول شعلة نوروز المقدسة. لكن وبعيداً عن أيّ انفعال عاطفيٍّ لآلام الجرحى وفقدان تلك الأرواح البريئة, فإن قوى الشرّ وبكلّ أسف قد حقّقت في هذه المجزرة أكثر من انتصار, عندما استطاعت إضافةً لما ارتكبته من جرمٍ آثم, من أن تحوّل قادة تلك الأحزاب الكردية التي تدعي تمثيلها لآلام الشعب وطموحاته, إلى خنجرٍ مغروزٍ في جرح كلّ من نجى من الموت ليزيد الجرح أكثر نزفاً وأكثر ألماً لما أصابهم من أيادي الغدر والإجرام, بل وأن تحوّلهم إلى قتلة جدد لأرواح أولئك الشهداء قبل أن تصعد تلك الأرواح الطاهرة إلى باريها, عندما اتفقوا على أن تلفّ أجسادهم بقماشٍ أحمرٍ من لون دمائهم وكأنهم يقولون لهم ها نحن نقتلكم مرة أخرى ورفضوا أنْ تلفّ أجسادهم الطاهرة بالأعلام الكردية التي كانت ترفرف فوق رؤوسهم وهم يرقصون حول نار نوروز المقدسة قبل أن تنال منهم يد الإجرام. تلك القيادات الحزبية الكلاسيكية المتصدّأة التي أصبحت عالةً على كاهل هذا الشعب والبعيدة كلً البعد عن التعبير عن طموحاته وآلامه وما يحمله من روح التضحية والفداء من أجل أرضه ووجوده في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه. والذي عبّر عنها حقاً ذاك الشاب الجريء من ذوي بعض الشهداء عندما أقدم على التهجّم على أحد تلك القيادات على منصة المراسيم ومنعه من التخاطب إلى الجماهير باسم الشهداء, قائلاً له ومن خلاله لتلك القيادات: نريد وحدة الصف الكردي والعمل من أجله وكفاكم المتاجرة باسم الشهداء وإلقاء الخطب الرنانة الجوفاء. الشعب الكردي الذي أصبح الآن مضرب المثل للعالم أجمع في حبه لأرضه وكرامته ووجوده وتفانيه من أجلها في وجه أعتى قوة ظلامية في العالم, أُبْتلي اليوم بقيادات ماهرة فقط في مسألة واحدة وهو تجنيد بعض المتنفذين في الدفاع عن سياساتها الحزبية السفسطائية لجرّ عامة الناس إلى دائرة الأوهام وضبابية الرؤية عن نوعية الخلافات واختلاق الحجج والمبررات التي من شأنها إلهاء الناس وإيقاعهم في شرك الخلافات الجانبية ونسيان القضية المركزية, قضية الحقوق القومية التي من المفترض أنه قد وجد أساساً من أجلها.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 16 بتاريخ 2015/4/1

التعليقات مغلقة.