في مديح العقاب.. رؤية في منظومة السجون

73

كان الكاتب التقاطوالفيلسوف الفرنسي إيمانويل جافلان قد وجّه اهتمامه في مجال البحث منذ البداية حول المسائل السياسية والأخلاقية. وقدّم عملاً نال شهرة كبيرة في فرنسا حول ما أسماه «الفضيلة الوسطى» وقصد بذلك «التهذيب» وأعطى لذلك الكتاب عنوان «في مديح التهذيب».

وصدر له منذ فترة قريبة كتاب جديد «في مديح العقاب»، هذه المرّة. ذلك كمحصّلة لسلسلة من الدراسات والمساهمات التي كان قد قام بها حول المسائل المتعلّقة بمنظومة «عالم السجون» في فرنسا، حيث وجّه نقداً شديداً لهذه المنظومة التي اعتبر أنه «لم يعد لها معنى». ذلك بالتحديد من زاوية أنها فشلت واقعياً في «إعادة دمج الذين يعرفون تجربة السجن في المجتمع» بعد خروجهم إلى الحياة العامّة.

وإذا كان المؤلف يوجّه نقده الشديد لمنظومات العقاب السائدة اليوم في الغرب عامّة وفي فرنسا بشكل خاص ويعتبرها أنها أقرب إلى «مدرسة للجريمة»، هذا إذا لم تكن السجون التي تقيمها «دهاليز» لوضع حدّ للحياة؛ فإنه بالمقابل يعيد الاعتبار لـ «العقاب». يكتب: «العقاب هو تأدية خدمة لمن لم يطلبها. أمّا التهذيب فهو تأدية خدمة لمن كان قد طلبها».

ومن المحاور الأساسية التي يوليها المؤلف اهتمامه في هذا الكتاب «في مديح العقاب» التأكيد أن «مفهوم العقاب» فقد مضمونه وفاعليته في نطاق الأسرة، كما في نطاق المدرسة، بعد أن جعلته «المنظومة القضائية» حصراً بها. والإشارة في هذا السياق أنه وصل الأمر بتطبيق العقاب على الأهل إذا «أساؤوا معاملة أبنائهم».

إحدى النقاط المركزية التي يؤكّد عليها المؤلف في التعامل مع نزلاء السجون تتمثل في «دفع مرتكبي الأخطاء التي استحقوا العقاب عليها إلى فهم الفعل الذي قاموا فيه». ذلك في سبيل غاية محددة هي «إعطاء معنى للعقاب». العقاب إذن مطلوب ولكن ضمن مجموعة من الشروط التي يحدد المؤلف في مقدمتها أن يكون العقاب قوياً ولكن قصير الأمد.

بالمقابل للمؤلف رأي آخر مختلف تماماً بالنسبة لأولئك الذين يرتكبون جرائم كبرى مثل القتل المتعمّد حيال النفس الإنسانية. وهو يؤكّد بهذا الصدد أن أولئك الذين فعلوا جرائم من ذلك النمط ينبغي أن يبقوا خلف القضبان.

ويلفت المؤلف الانتباه بأشكال مختلفة إلى أن المنظومة «القضائية» تحصر العقاب على أولئك الذين يرتكبون «فعلاً» يعاقب عليه القانون«. هذا يؤدّي في نهاية المطاف إلى »القصور في فاعلية تلك المنظومة«. على أساس أنها تحثّ بذلك على إرسال الذين لا يحسنون »تحصين أنفسهم« أمام القانون أو لا يحسنون الدفاع عن أنفسهم »إلى السجون« كي يصبحوا هم أنفسهم »ضحايا تلك المنظومة القضائية«.

ويستدرك المؤلف مباشرة بأنه لا ينبغي بالطبع فهم ضرورة العقاب على أنها نوع من المطالبة بـ »حق ممارسة القسوة« و »أحياناً تجاوز القسوة إلى نوع من السادية« التي يعاني منها بعض الأطفال. بل على العكس يحدد القول إن »اختيار اللجوء إلى العقاب المطلوب هو فعل خلفيته هي حبّ من تتم معاقبته إذا تمّ شرحه وتقديم مبررات اللجوء إليه.

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.