كونفوشيوس والبشر الآليون

25

يعيشالتقاط العالم اليوم في عصر الآلة. بل وفي عصر يشهد تسارعاً كبيراً في مجال التكنولوجيا، العلم يذهب أكثر بكثير مما كان قد تصوّره الخيال العلمي. ولم يعد الرهان الحقيقي للعلم هو في كيفية السيطرة على الطبيعة بل بالأحرى كيفية السيطرة على العالم نفسه، ووصلت المخترعات الإنسانية درجة عالية إلى درجة تأكيد بعض الآراء أن «الذكاء الاصطناعي» و«الذكاء الإنساني» دخلا في «منافسة» حقيقية.

وهذه «المنافسة» هي في الواقع موضوع كتاب «شارل ادوارد بويي»، خريج جامعة هارفارد ورئيس مؤسسة «رولاند بيرجر ستراتيجي»، أحد أهم المجموعات العالمية في مجال اهتمامها، الإستراتيجيا، والذي يحمل عنوان «كونفوشيوس والبشر الآليون».

هذا بمعنى أن الحكيم الصيني الكبير يرمز للفكر الإنساني المتقدّم والمبدع والبشر الآليون هم ثمرة التقدّم التكنولوجي وحيث إن الصين هي اليوم في طليعة البلدان التي تصعد في عصر «الآلات الذكيّة»، كما أن المؤلف أولى في أعماله السابقة اهتماما خاصّا للصين. والرهان بينهما، كما في العالم أجمع، يحدده العنوان الفرعي للكتاب:« مستقبل الإنسان في عصر الآلات».

المشاهدة الأولى التي يؤكّد عليها المؤلف منذ بداية الكتاب وعلى مدى صفحاته بأشكال مختلفة مفادها أن البشر الآليين يجتاحون حياتنا وأن المهمات التي يقومون بها، بما في ذلك الأكثر دقّة، هي في تعاظم مستمر.

وينقل المؤلف، في خصوص هذه المخاوف والحقائق العملية التي شرعت تتجسد، تعبيراً صينياً يجعله في صدارة أحد الفصول ومفاده:« في عالم ممزّق ــ مثل الذي نعيش فيه اليوم ــ لم يعد القوي سوى مجرّد غيمة متنقّلة».

يشرح المؤلف أن التكنولوجيا المستجدة كانت باستمرار «عامل تغيير، لكن هذا التغيير يكمن اليوم في أنها تحلّ محل العمل الذي لا يتطلّب مؤهّلات، ولم تعد مكمّلة له. في السابق كانت عربات الخيل قد أخلت المكان لسيارات الأجرة. لكن في الحالتين كان لا بدّ من وجود إنسان من أجل قيادتها. لكن سيّارات الغد ستمارس القيادة الذاتية وتجعل بذلك وظيفة سائق التكسي من متاع الماضي» .

ويذهب المؤلف في شرحه للدور المستقبلي للآلات الذكيّة أبعد من ذلك ليشير أن تعميم استخدامها سيكون له آثار أكبر وأعمق. ذلك أن «الحواسيب وغيرها من الروبوت ستكون جديرة بالقيام بمهمات أكثر تعقيداً. وما يعني أن تهديد فقدان وظائف بشرية أخرى سيكون واقعاً».

ويرى المؤلف أن مثل هذا المنظور سينتج عنه بالضرورة أزمات سيكون على البشرية مواجهتها بسبب الفارق الكبير بين «تناقص فرص العمل» و«تعاظم عدد طالبيه»، من هنا يؤكّد القول إنه سينبغي «اختراع» مجالات عمل أخرى تضاف إلى القطاعات التقليدية المتمثّلة في «الزراعة» و«الصناعة» و«الخدمات».

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.