خلف القضبان.. قصة «سجينة المنزل»

23

التقاطبعد أكثر من نصف قرن من الزمن لا تزال «مود جوليان» تتذكر و«كأنه البارحة» صرير أقفال السجن الذي عاشت فيه منذ أن كانت في حوالي الرابعة من عمرها وحتى نيلها حريتها بعد 15 سنة كاملة عام 1976. لم يكن ذلك السجن سوى منزل أسرتها ولم يكن السجّان سوى والدها.
لقد عاشت مود حبيسة منزلها ولم تذهب أبداً للمدرسة ولم تعرف أي أنسان أو رفيق. وهي تروي قصّة حياتها، قصة «الجحيم الذي عاشته»، كما تقول، في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان «خلف القضبان».
تبلغ مود من العمر اليوم 56 عاماً. وقد اختارت أن يكون على الغلاف الأول للكتاب صورتها وهي في الثالثة من العمر بـ«قبعتها الحمراء». ذلك أنها الصورة الوحيدة لها في طفولتها قبل أن تدخل «السجن المنزلي» في شمال فرنسا.
السجن الذي كان، مع ذلك، منزلاً رحباً واسع المساحة، «شبه قصر»، حسب توصيف المؤلفة، مع حديقة محاطّة بكل الجهات بشباك معدنية «على طريقة السجون» بحيث يتم منع من هم في الداخل عن التواصل مع العالم الخارجي.
تحدد المؤلفة القول إن أباها كان يريد أن يصنع منها «فتاة استثنائية بعيدة عن كل شوائب المجتمع». وتشير أن عملية سجنها كانت بمثابة «تحقيق لمشروع في رأس أبيها قبل عشرين سنة من ولادتها». كان الأب مالكاً لمشروع ناجح في مجال تجارة السيارات. وكان يحمل في رأسه فكرة مفادها أن «الإنسان كائن في غاية السوء والعالم المحيط في غاية الخطورة».
على أساس مثل تلك الفكرة اعتقد الأب بضرورة «الوقاية من تلوّث الآخرين». وبالتالي حماية الأكثر قربا منه، ابنته، التي أراد لها أن تكون «نقيّة» وأن يجعل منها «كائنا أرفع وأسمى» من البشر العاديين بحيث تقوم ذات يوم بمهمة «النهوض بالإنسانية كلّها». تشير المؤلفة أن الأب كان قد تزوّج أمّها في منظور ذلك المشروع ..
حيث كانت ابنة عامل منجم عهد بتربيتها لزوجها القادم. بل كانت المهمّة الملقاة على عاتق الأم هي أن تنقل لابنتها تعاليم الأب.
تشرح الابنة ـ المؤلفة على مدى العديد من الصفحات سمات شخصيات أبيها الذي حجبها عن العالم الخارجي مدّة خمس عشرة سنة كاملة. وتحدد القول ان من أهم سمات شخصيته وفكره أن «طريقة تربيته زاخرة بمختلف اشكال المنع وبامتحانات السلوك الذي يليق تماماً بالتربية العسكرية».
وتروي تفاصيل حياتها اليومية التي كانت تقارب «الجنون»، حيث كانت مرغمة على «الدراسة يوميا لساعات طويلة إلى جانب القيام بتمارين بدنية في غاية الصعوبة. ولا يخلو الأمر من البقاء ساعات طويلة في الظلام الدامس ومحاطة بالفئران في قبو المنزل من أجل التعوّد على الوجود المفترض للموتى، حسب تعاليم الأب.
من الأمور التي تؤكّد عليها مؤلفة هذا الكتاب هو أنها تريد أن تتم قراءة كتابها كـدليل للخروج من الأفق المسدود، مثل ذلك الذي عاشت أسيرته سنوات طويلة. وتصف بإسهاب كيف استطاعت أن تغيّر بصورة جذرية مسار حياتها رغم حالة الخوف المفرط من ممارسات كثيرة مثل اجتياز جسر وأخذ المصعد و ركوب المترو…الخ.

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.