جرائم استغلال القاصرات … عندما يبرز «دين» المتهم أو يتم إغفاله!

29

هل تختلفimages جرائم الاستغلال الجنسي للفتيات القاصرات تبعاً لدين مرتكبيها؟ سؤال جوابه بديهي: لا يُفترض أن يكون هناك اختلاف ما دامت الجريمة نفسها، مع التشديد على أن مرتكب الجريمة لا يقوم بها بالتأكيد انطلاقاً من إيمان بمعتقدات دينية، لأنه لو كان لديه مثل هذا الإيمان لما قام بجريمة الاستغلال الجنسي في المقام الأول، ربما باستثناء أفراد تنظيم «دولة الخلافة» في سورية والعراق الذين برّروا سبي فتيات إيزديات وبيعهن جنسياً في سوق النخاسة بمبررات دينية.
مردّ السؤال في هذه المقدّمة استغراب مما بدا أنه تعامل بمعايير مزدوجة في وسائل الإعلام الغربية مع جرائم استغلال قاصرات بسبب اختلاف دين أو لون بشرة أو مدى ثراء القائمين بها.
فقد شهدت قاعات المحاكم البريطانية خلال الأعوام القليلة الماضية سلسلة محاكمات أسفرت عن صدور إدانات ضد شبكات عدة ضمت رجالاً وشباناً وُصفوا بأنهم مسلمون، من باكستان والصومال خصوصاً، بتهم ممارسة الجنس مع فتيات بيض قاصرات. كان أفراد هذه الشبكات من إبناء المجتمعات المهاجرة ويعملون في مهن لا تدل على ثراء، مثل قيادة سيارات الأجرة أو العمل في محال البيتزا. وقد استغل هؤلاء فتيات صغيرات كن يعشن في أسر مفككة، حيث تم إغراؤهن بمشروبات كحولية أو مخدرات مجاناً، ومع الوقت صارت هذه الفتيات بمثابة «مومسات» يتاجر بهن جنسياً.
وقد أثارت تلك المحاكمات والإدانات ضجة كبيرة في المجتمع البريطاني، وأدت إلى بروز حملة في أوساط المتشددين البيض ضد المسلمين بزعم مسؤولية مجتمعاتهم عن الجرائم ضد القاصرات البيض.
والواقع أن صحفاً رصينة عدة رفضت أن تسير في هذه الحملة ضد المسلمين، وذهب بعضها إلى حد نشر تحقـــيقات تؤكد أن ظــــاهرة الاعتداء الجنسي تحصل أيضاً داخل مجتمعات الجـــالية المسلمة ولا تقتصر على القاصرات البيض. إلا أن ذلك لم يمنع، في نهـــاية المـــطاف، غالبية وسائل الإعلام من طرح تساؤلات عن الخلفية الدينية الإسلامـــية للمدانين بهذه الجرائم الجنسية، وعما إذا كان استغلال القاصرات مرتبطاً بثقافة معينة أم أن هناك خللاً بالفعل في المجتمع البريطاني يتمثّل بتفكك أسري وانحلال أخلاقي يفتح المجال أمام استغلال القاصرات.
لكن في مقابل هذا التركيز على الانتماء الإسلامي لهؤلاء المدانين، كان لافتاً في الأيام الماضية أن أياً من الصحف البريطانية حاول، ولو تلميحاً، التوقف عند الانتماء الديني اليهودي لأعضاء شبكة مزعومة متورّطة في الاستغلال الجنسي للقاصرات، ولها امتداد بين الولايات المتحدة وبريطانيا.
تتميز هذه الشبكة بضمها أثرياء (بعكس شبكات «المسلمين» في بريطانيا)، ويقودها الأميركي اليهودي جيفري ايبستين، أستاذ الرياضيات السابق الذي ترك التدريس ليعمل في سوق المال ويصبح بليونيراً. وقد دانه القضاء الأميركي عام 2008 بالسجن 18 شهراً بتهمة استغلال قاصرات جنسياً، بعدما رفع عدد منهن دعاوى قضائية ضده.
لكن قضية ايبستين لم تبرز في بريطانيا إلا أخيراً بعدما ظهر اسم دوق يورك الأمير أندرو، النجل الثاني للملكة إليزابيث، في دعوى قضائية أقامتها في الولايات المتحدة فيرجينيا روبرتس، وهي واحدة من الفتيات اللواتي استغلهن ايبستين جنسياً منذ أن كانت في سن الـ 15 من عمرها. وعلى رغم أن الأمير أندرو ليس متهماً في الدعوى، إلا أن اسمه يرد في إطار تفاصيل قدّمتها روبرتس عن قيام ايبستين بإرغام قاصرات – هي واحدة منهن – على تقديم خدمات جنسية لعدد كبير من البارزين في المجتمع وبينهم نجل ملكة بريطانيا. وقد سارع قصر بكنغهام إلى الردّ على مزاعم الفتاة، قائلاً إن الأمير «لم يمارس الجنس مع قاصر» (قالت فيرجينيا في الدعوى أنها كانت في السابعة عشرة من عمرها عندما أقامت العلاقة مع أندرو وفي أماكن ثلاثة).
وإيبستين ليس اليهودي الوحيد في الشبكة المزعومة، إذ إن «المدام» التي تؤمّن له القاصرات، وفق الدعوى، هي أيضاً ابنة عائلة يهودية ثرية في بريطانيا. وتزعم أوراق الدعوى أن المرأة الأساسية في الشبكة هي جيزلين ماكسويل ابنة إمبراطور الإعلام البريطاني الراحل روبرت ماكسويل الذي مات عام 1991 بعد سقوطه من يخته «ليدي جيزلين» في المحيط الأطلسي، بعد انكشاف فضيحة سرقته مئات ملايين الجنيهات من أموال صندوق تعويضات الموظفين في مؤسسته (ميرور).
وكان ماكسويل معروفاً بعلاقته الوثيقة مع الإسرائيليين وقد دفن في الدولة العبرية. وبعد وفاته، انتقلت ابنته للعيش في الولايات المتحدة حيث فتحت صفحة جديدة من حياتها بعيداً من سمعة والدها السيئة في بريطانيا.
وتعرّفت جيزلين في نيويورك على البليونير ايبتسين وصارت حبيبته، قبل أن تتحول علاقتهما إلى علاقة عمل بحيث تؤمن له، وفق مزاعم الدعوى المرفوعة في أميركا، فتيات لتقديم خدمات جنسية لزبائن أثرياء وسياسيين عالميين كان يتم تصويرهم سراً بحيث يمكن ابتزازهم لاحقاً أو الحصول على امتيازات منهم. وقد نفت جيزلين بشدة المزاعم الواردة ضدها في الدعوى.
ولعل الوحيد من بين الواردة أسماؤهم في الدعوى الذي تحدّث علناً عن «يهوديته» هو المحامي المشهور بروفسور مادة القانون في جامعة هارفرد آلان ديرشوفيتز، الذي مثّل ايبستين خلال محاكمته عام 2008.
وكان لافتاً أن ديرشوفيتز الذي نفى استغلال القاصرات، اعتبر أن الحملة تدخل في إطار معاداة السامية، داعياً في تصريحات نقلتها صحف عبرية أبناء دينه اليهودي إلى الوقوف في صفه في القضية الحالية. لكن الكاتب رون توروسيان ردّ عليه في مقالة في صحيفة «نيـــويورك أوبزرفر»: «أجد كيهودي فخور بانتمائي، المجادلة بأنه يجب أن يُحمى ديرشوفيتز( بسبب يهوديته) أمراً مثيراً للإشمئزاز».

الحياة

التعليقات مغلقة.