وثيقة مسربة تحوي معلومات صادمة: ماذا حدث قبل شهرين من الاتفاق مع “سيوز نفتا غاز” الروسية؟

96

وثيقة c37f381dcca4197f4f170fe5مُسربة من داخل أروقة وزارة النفط في حكومة النظام.
وتتضمن الوثيقة معلومات صادمة للجمهور السوري عموماً، حول الخطوات التي سبقت توقيع اتفاق التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري مع شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية منذ سنة تقريباً.
*الوثيقة موجهة لبشار الأسد
تكتسب الوثيقة أهميتها من كونها كتابا موجها من وزارة النفط والثروة المعدنية إلى وزير شؤون رئاسة الجمهورية، أي للقصر الجمهوري، بمعنى آخر هي موجهة لرأس النظام، بشار الأسد، عبر القنوات الرسمية، مما يشير إلى أهميتها الكبيرة.
ما سبق يعني أن بشار الأسد تابع بشكل شخصي تطورات ملف استدراج عروض التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري.
الوثيقة صادرة عن وزارة النفط والثروة المعدنية في الشهر العاشر من العام 2013، أي قبل شهرين من توقيع الاتفاق مع “سيوز نفتا غاز” الروسية، وهي موقعة من وزير النفط، سليمان العباس، ومسومة بـ “سري”.
*”بروباغندا” النظام حول ثروة الغاز و”المؤامرة”
نذكّر قرَّاءَنا بأن منظّري النظام ركزوا منذ السنة الثانية للثورة على وجود ثروة غاز ضخمة في الساحل السوري، باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية في “المؤامرة الكونية” ضد النظام في سوريا.
وقدم أكثر من منظّر محسوب على النظام مداخلات وكتابات عديدة تدلل على وجود ثروة ضخمة من الغاز في الساحل السوري، مستدلين بتقارير لشركات ومراكز أبحاث عالمية تُعنى بشؤون النفط، معتبرين أن ظهور هذه الثروة هو ما دفع الغرب، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، للتآمر على النظام السوري، عبر “الثورة” في سوريا.
*عرض التنقيب لم يلقَ أي اهتمام من الشركات
وهنا تأتي المفاجأة الأولى التي تكشفها الوثيقة، وهي أن استدراج عروض التنقيب والاستكشاف الذي أعلنت عنه وزارة النفط السورية في آذار عام 2011، للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، لم يلقَ أي اهتمام من أي شركة نفط أو غاز في العالم، طوال 9 شهور من عرض المناقصة.
الوثيقة المُسربة تكشف أنه منذ الإعلان العالمي الصادر عن وزارة النفط والثروة المعدنية رقم /81/ بتاريخ 24/3/2011 للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في ثلاث بلوكات بحرية في البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية العربية السورية في البحر الأبيض المتوسط، وحتى موعد الإغلاق المحدد للعرض لم يرد أي عرض للمناقصة إلى الوزارة.
أي، طوال 9 شهور من عرض المناقصة، لم تُبدِ أية شركة في العالم اهتماماً جدياً بعرض المناقصة.
*الشركات الروسية الكبرى تتجاهل عرض التنقيب السوري
وفي تفاصيل أكبر في النقطة ذاتها، تذكر الوثيقة أن وزارة النفط راسلت الشركات المؤهلة للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، ومددت آخر موعد متاح لتقديم العروض مدة شهر.
وتمت، حسب نص الوثيقة، مراسلة 24 شركة عالمية مؤهلة لدى الوزارة ممن تحتل المراكز المتقدمة في أعمال التنقيب والحفر البحري، كان من ضمنها الشركات الروسية GAZPROM- LUKOIL، وقامت 11 شركة بشراء دفتر الشروط الخاص بالإعلان، وقامت/7/ شركات بشراء المعطيات السيزميه (كلياً أو جزئياً بالحد الأدنى) من شركة CGG.Veritas المسوق الحصري للمعلومات السايزمية الخاصة بمنطقة الإعلان.
لكن رغم كل ما سبق، وحتى تاريخ موعد الإغلاق المحدد بـ: 13/12/2011 لم يرد أي عرض للمناقصة إلى الوزارة، حسب نص الوثيقة.
بعد موعد الإغلاق بأيام وصل لوزارة النفط كتابين من شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية، تعرب بهما عن اهتمامها بالعمل في مجال الاستكشاف عن النفط والغاز في البلوكين البحريين (1 -3) المعلن عنهما في الساحل السوري.
بمراجعة ما سبق، نكتشف أول مفاجأة قاسية لأنصار النظام، وهي أن أي شركة كبرى في العالم، لم تُبدِ اهتماماً بالعرض السوري، بما فيها الشركات الروسية العملاقة في مجال النفط والغاز. فلا “غاز بروم” ولا “روسنفت” الروسيتان، المصنفتان في قائمة أكبر 25 شركة نفطية مؤثرة في العالم، أبديتا أي اهتمام بإعلان المناقصة السوري.
هل يعني ما سبق أمراً ما؟…يعني أحد أمرين: إما أن الاحتياطيات من الغاز المُتوقع اكتشافها في الساحل السوري ليست مُغرية للشركات العملاقة، كي تتجاهلها جميعاً، حتى منها الشركات الروسية العملاقة…أو أن هذه الشركات تعتقد أن الوضع السياسي في سوريا غير مستقر بصورة لا يضمن لها مستقبل استثمار ضخم بهذا الحجم.
وفي الحالتين، يبدو أن هذه الوثيقة تعري النظام السوري، فهو إما كذب بخصوص وجود ثروة غاز عملاقة في الساحل السوري، حيث لم تُثر هذه الثروة شهية الشركات العملاقة لدى الحليف الروسي، أو أن الحليف الروسي لا يثق بمستقبل النظام السوري وقدرته على الاستمرار في حكم البلاد.
*الشركة الوحيدة غير مؤهلة
شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية تعد من الشركات النفطية الروسية متوسطة الحجم، ولا تُقارن بوزن “غاز بروم” أو “روسنفت” الروسيتين. لكن حتى هذه الشركة المتواضعة، وهنا الصدمة الثانية، لم تكن مؤهلة للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري.

زمان الوصل
أي بعد 9 أشهر من الإعلان، ومراسلة الشركات العالمية، بما فيها الروسية والصينية، لم يرد أي راغب في المناقصة إلا شركة روسية متواضعة الوزن، بل، وغير مؤهلة للتنقيب البحري العميق.
هذا ما تكشف عنه هذه الوثيقة المُسربة لـ”اقتصاد” و”زمان الوصل”. فبعد إطلاع “اللجنة العليا لعقود الخدمة” على عرض شركة سيوز نفتا غاز الروسية، اكتشفت اللجنة بأن الشركة المذكورة لا تتمتع بالأهلية للاستكشاف البحري العميق.
طلبت اللجنة من الشركة الروسية تقديم كافة المعلومات الفنية والتجارية والمالية وفق استمارة التأهيل البحري ليتم دراسة بيان أهليتها من قبل اللجنة المختصة، وفي حال رغبتها بمعلومات إضافية أكثر تفصيلاً التنسيق مع شركة CGG.Veritas المسوق الحصري للمعلومات السايزمية الخاصة بالبحر الإقليمي السوري.
وبالفعل، قامت شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية بتقديم وثائق تأهيل لها، ولشركة SSC International drilling LTD كعارض مؤهل للعمل في الاستكشاف البحري بصفتها من الشركات العاملة في مجموعة سيوز نفتا غاز الروسية وذلك من خلال ائتلاف شُكل لهذا الغرض بين شركة Sterling Energy PLC المشغلة لعدد من الحقول البحرية وشركة Siberian Service Company العاملة في مجال الحفر.
لكن للمرة الثانية، اكتشفت اللجنة المسؤولة عن دراسة وثائق التأهيل المقدمة من الشركة الروسية أن شريكها شركة SSC International drilling LTD، لا يتمتع بالتأهيل المطلوب.
وأعلمت اللجنة الشركة الروسية أن بإمكانها المشاركة في المناقصات في مجال التنقيب والاستكشاف البحري العميق في سوريا، في حال قيامها بتقديم عرض مشترك مع شريك يملك المؤهلات الفنية اللازمة والخبرة العملية والتشغيلية لتنفيذ مثل هذه الأعمال، وتتوفر لديه شروط وأسس التأهيل المعتمدة لدى وزارة النفط السورية للعمل في هذا المجال.
*قبل شهرين من الاتفاق ما تزال الشركة غير مؤهلة
إذاً، حتى الشهر العاشر من العام 2013، أي قبل شهرين فقط من توقيع اتفاق التنقيب مع شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية، كانت الأخيرة، بنظر وزارة النفط السورية، غير مؤهلة للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، وهي الشركة الوحيدة التي أبدت اهتماماً بإعلان استدراج العروض السوري.
*النظام يستجدي الشركات الروسية والصينية
تختم الوثيقة بإعلام بشار الأسد أن وزارة النفط تتابع الإجراءات مع الشركات المهتمة بالعمل النفطي البحري، وأنه تمت دعوة سفراء روسيا والصين، والاجتماع مع كل منهما على حدا في يوم الأربعاء الموافق في 27/3/2013، وتم من خلال السفراء توجيه الدعوة للشركات الروسية والصينية المختصة للعمل على التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية من خلال التفاوض الودي.
كما تم الاتصال بسفراء النظام في كل من روسيا الاتحادية (رياض حداد) والصين الشعبية (عماد مصطفى) وطُلب منهما التواصل مع الوزارات والشركات المختصة في كل من روسيا والصين وتشجيعهم على التقدم للعمل على التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية.
هكذا انتهت الوثيقة…أي حتى ما قبل شهرين من تاريخ توقيع اتفاق التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري مع شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية، كانت وزارة النفط في حكومة النظام تسعى لاستجلاب عروض أخرى من شركات نفطية روسية وصينية أخرى، مُعلمةً رأس النظام، بشار الأسد، بأن الشركة الروسيةالوحيدة التي تقدمت للعرض، غير مؤهلة.
*ما الذي استجد في شهرين؟!
لكن…بعد شهرين فقط، وفجأة، منحت حكومة النظام شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية امتياز التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية،لمدة 25 عاماً.
الاتفاق نص على التنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية، وهو العقد الأول في تاريخ سوريا للتنقيب عن النفط والغاز في مياهها الإقليمية.
الشركة الروسية ستتولى تمويل عملية التنقيب، لكن إذا اكتشف النفط أو الغاز بكميات تجارية، ستسترد موسكو النفقات من الإنتاج.
حينما تم الإعلان عن الاتفاق، وتوقيعه في مقر وزارة النفط السورية، في كانون الأول 2013، وصفت وسائل إعلام عالمية الأمر على أنه امتياز تنفرد به روسيا.
لكن لم يكن أحد يعلم، على ما يبدو، باستثناء شركات النفط الكبرى والمتخصصين فيها، أن عرض المناقصة السوري لم يلق اهتماماً إلا من هذه الشركة الروسية اليتيمة.
لا أحد يعرف لماذا قررت حكومة النظام توقيع عقد التنقيب مع “سيوز نفتا غاز” الروسية، بعد شهرين من تقييمها بأنها شركة غير مؤهلة…هل عدلت الشركة من مقومات تأهيلها بهذه السرعة؟…أم أن بشار الأسد ضغط على وزارة النفط كي تتجاهل الجوانب التقنية وتعقد الاتفاق بغية تسجيل “نصر إعلامي” يؤكد من خلاله صحة “البروباغندا” التي ركز نظام الأسد على ترويجها لسنتين حول ثروة الغاز الهائلة في الساحل السوري، والتي تشكل السبب الرئيس لـ”المؤامرة الكونية” ضد النظام؟
*اتفاق “إعلامي”
مصدر من داخل وزارة النفط أكد  أن الاتفاق له ملاحق لم تُوقع بعد، مما يعني أن الشركة الروسية لن تُباشر قريباً التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، على خلاف ما صرح به وزير النفط في حكومة النظام عشية توقيع الاتفاق.
هل كانت غاية الاتفاق إعلامية –سياسية فقط؟…رفعاً لمعنويات مؤيدي النظام لا أكثر؟
*هل هناك ثروة غاز في الساحل السوري؟
تعتقد مراكز بحثية عالمية أن سوريا تتمتع بأحد أكبر الاحتياطيات من النفط والغاز في البحر المتوسط. وحسب مجلة “أويل أند غاز” فإن تلك الاحتياطيات تقدر بنحو 2.5 مليار برميل. وحسب المجلة وفي نهاية العام 2012، بلغت احتياطات الغاز المثبتة في المياه الاقليمية السورية نحو 8,5 تريليون قدم مكعبة.
خلاصة ما سبق تعني أحد أمرين، إما أن هذه المراكز البحثية نشرت معلومات غير دقيقة، بدليل أن العقد مع الشركة الروسية بغاية التنقيب والاستكشاف، وليس الاستخراج…أو أن معطيات تلك المراكز البحثية دقيقة، مما يعني أن روسيا لا تثق كثيراً بمستقبل سيطرة النظام السوري على البلاد، لذلك لم تجازف باستثمار ضخم من إحدى شركاتها الكبرى من قبيل “غاز بروم” أو
“روسنفت”.
كلفة التنقيب والاستكشاف المُـتوقعة وفق العقد، حسب إعلان وزير النفط حينها، 100 مليون دولار، وهو رقم صغير في عالم استخراج وصناعة النفط والغاز، وفي موازين النشاطات الاستثمارية للشركات النفطية الروسية الكبرى.
*تساؤلات حول الصين وإيران
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تتقدم أية شركة صينية لتنفيذ هذا الاستثمار؟
لماذا لم تتقدم شركة النفط الإيرانية الوطنية مثلاً، وهي تعد من كبريات شركات النفط في العالم؟
أسئلة كثيرة برسم بشار الأسد، ووزير نفطه، سليمان العباس. لكن بغض النظر عن الأجوبة، تكشف الوثيقة التي وضعنا تفاصيلها بين أيديكم، أن نظام الأسد يمتهن الكذب، وصناعة الوهم، حتى في أدق التفاصيل التقنية والاقتصادية.

التعليقات مغلقة.