ملف- تدهور أوضاع حقوق الإنسان في سوريا وانتعاشها في روج آفا

26

تده1e1d7a919821c13e7174ef4a62c8420dورت أوضاع الإنسان في سوريا مع استمرار النزاع على السلطة في سوريا للعام الرابع على التوالي، حيث فقد قرابة 300 ألف مدني حياته في سوريا على يد قوات النظام ومجموعات المعارضة المسلحة، كما اكتظت معتقلات الطرفين بمئات الآلاف من الأشخاص ناهيك عن عشرات الآلاف من المفقودين، وشملت الانتهاكات النساء والأطفال والشيوخ أيضاً. أما في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تقع شمال وشمال شرق سوريا، فالوضع فيها مختلف تماماً، حيث يتمتع فيها الجميع بحقوقه، وتم إحياء لغات وثقافات وديانات شبه منسية، وحصلت المرأة على حقوقها، بالإضافة إلى ذلك استقبلت عشرات الآلاف من النازحين من المناطق الأخرى وكانت مثالاً للتعايش المشترك بين المكونات.
الأوضاع المزرية التي تعيشها سوريا منذ  اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في آذار 2011 أدت وبشكل واضح إلى تزايد الانتهاكات لحقوق الإنسان في غالبية المناطق السورية، وخاصة التي يسيطر عليها النظام السوري والمعارضة المسلحة مثل داعش وجبهة النصرة والعديد من الكتائب الإسلامية المسلحة، هذه الانتهاكات التي تم توثيقها من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وشملت الانتهاكات الأقليات العرقية والدينية والمذهبية المتعايشة في سوريا وكذلك الأطفال والنساء، ناهيك عن مئات الآلاف من الضحايا الذين فقدوا حياتهم نتيجة الصراع على السلطة المستمر منذ قرابة 4 سنوات، ما عدا مئات الآلاف من المعتقلين لدى قوات النظام والمعارضة الذين تعرضوا لأشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي، أضف إلى ذلك هجرة الملايين من السوريين إلى الخارج وكذلك في الداخل السوري بسبب الأزمة.
قرابة 300 ألف شخص فقدوا حياتهم وقتلوا في سوريا
وتصاعد النزاع المسلح في سوريا خلال عام 2014، مع تكثيف قوات النظام لهجماته واستخدامه للأسلحة القاتلة وبشكل عشوائي، وخاصة الهجوم بالأسلحة الكيماوية على ريف دمشق في 21 أغسطس. كذلك لجأت قوات المعارضة المسلحة بما فيها داعش وجبهة النصرة لارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين منها هجمات عشوائية، وعمليات إعدام، واختطاف، وتعذيب.
وارتكبت قوات النظام السوري خلال السنوات الأربع الماضية عمليات قتل جماعية وإعدامات بحق المدنيين، ونفذت عمليات عسكرية موسعة في شتى أنحاء سوريا وخلالها نفذت قوات النظام والميليشيات الموالية لها عمليات قتل جماعي، شملت المدنيين بما فيهم النساء والأطفال.
كذلك لجأت المعارضة المسلحة إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين غير آبهة بقوانين حقوق الإنسان، مثل الهجمات العشوائية للمناطق الآهلة بالسكان، والإعدامات الميدانية دون محاكمات، والاختطاف، والتعذيب النفسي والجسدي. كما تستخدم جماعات معارضة مسلحة إسلامية في سوريا الأطفال في العمليات العسكرية والقتال.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان قرابة 300 ألف شخص في سوريا بين فاقد للحياة ومقتول، منهم 97910 مدنياً  بينهم 10377 طفلاً و6603 أنثى فوق سن الـ 18، كما أشار المرصد أن بقية القتلى من طرفي النزاع أي قوات النظام والميليشيات المسلحة التابعة له، والمعارضة المسلحة والكتائب الإسلامية، بالإضافة على توثيق مقتل 3111 شخصاً مجهولي الهوية بالصور والأشرطة والمصورة، عدا عن أكثر من 20000 مفقود داخل معتقلات قوات النظام وأجهزته الأمنية، 7000 أسير من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وأكثر من 2000 مختطف لدى مجموعات المعارضة المسلحة والكتائب الإسلامية ومرتزقة داعش وجبهة النصرة بتهمة موالاة النظام.وكذلك قرابة 4000 مختطفاً من المدنيين والمقاتلين في سجون مرتزقة داعش. بينهم المئات من أبناء عشائر ريف دير الزور، الذين اختطفتهم المرتزقة من مناطقهم.
الاعتقالات التعسفية والخطف والتعذيب
منذ بدء الثورة اعتقلت قوات الأمن والشرطة والاستخبارات السورية عشرات الآلاف من الأشخاص منهم نساء وأطفال ومسنين، من خلال شبكة موسعة من مراكز الاحتجاز في معظم أنحاء سوريا وذلك بشكل تعسفي واحتجاز غير القانوني واختفاء القسري وتعرضوا للمعاملة السيئة والتعذيب في المعتقلات، ما أدى إلى فقدان الآلاف منهم لحياتهم تحت التعذيب.
ومن بين المعتقلين متظاهرين سلميين ونشطاء شاركوا في تنظيم وتصوير وتغطية المظاهرات وكذلك عاملين في مجال المساعدات الإنسانية وصحفيين وأطباء. وفي بعض الحالات احتجزت قوات الأمن أقارب ناشطين ومنهم أطفال للضغط عليهم كي يسلموا أنفسهم. وما زال هناك عدد كبير من النشطاء والسياسيين في السجون بمعزل عن العالم الخارجي دون محاكمات، في حين يخضع آخرون لمحاكم عسكرية ومحاكم مكافحة الإرهاب، جراء ممارستهم لحقوقهم.
من جهتها لم تختلف قوات المعارضة عن قوات النظام في حالات الاعتقال والاختطاف فقد اعتقلت هي الأخرى المئات من الناشطين والعاملين في المجال الطبي والإنساني، بالإضافة إلى اختطاف المدنيين ومطالبة ذويهم بفديات مالية، وتعرضوا خلال الاعتقال لتعذيب جسدي ونفسي أدى في الكثير من الحالات إلى فقدان المعتقلين لحياتهم.
وبلغ عدد المعتقلين الذين تم توثيق فقدانهم لحياتهم، داخل معتقلات وسجون وأقبية أفرع مخابرات النظام السوري، منذ بداية العام الجاري 2014، وحتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، أكثر من 1950 شخصاً. بينهم 27 طفلاً دون سن الـ  18، و11 امرأة.
هذا ولا يمكن تحديد عدد دقيق للمعتقلين في سجون قوات النظام وكذلك لدى مجموعات المعارضة المسلحة، إلا أن المنظمات المعنية بحقوق الانسان تشير إلى اعتقال مئات الآلاف من قبل الطرفين المتصارعين.
الانتهاكات بحق أطفال سوريا
شملت انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في سوريا الأطفال أيضاً، فالشرارة الأولى للثورة السورية بدأت إثر اعتقال عدد من الأطفال في مدينة درعا، بتاريخ 26/2/2011، بعد كتابتهم شعارات تطالب بإسقاط النظام، حيث تم اعتقالهم من قبل فرع الأمن السياسي في درعا وتعرضوا فيه لأقسى أنواع المعاملة.
واستمرّت انتهاكات حقوق الطفل بشكل مضطرد منذ ذلك الحين وحتى اليوم، حيث تم اعتقال الكثير من الأطفال السوريين وتعذيبهم، إجبارهم على الإدلاء بشهادات تحت التعذيب، استخدامهم كدروع بشرية، ممارسة الانتهاكات الجنسية بحقهم، حرمانهم من حق التعليم والحق في الصحة. وتشكّل هذه الانتهاكات، جزءاً من عموم الجرائم التي بات يتعرّض لها الأطفال في سوريا، باعتبار أنّهم يُعانون، وبصورة أكبر من غيرهم، من كافة الانتهاكات الجسيمة الأخرى، مثل استهداف المدنيين بالقصف العشوائي بكافة أنواع الأسلحة، المجازر، التهجير، التعذيب، التجنيد، الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون. مما أدى إلى فقدان ما يزيد عن 17000 طفل سوري لحياتهم منذ بداية الثورة السورية بحسب إحصائيات مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان.
ويتعرّض الأطفال السوريون في مخيمات اللجوء والنزوح إلى ظروف معيشية صعبة، تشمل انتهاكات للحق في حياة كريمة، انتهاكات للحقوق الصحية وللحقوق التعليمية. ومما لا شكّ فيه فإنّ الأطفال في هذه المخيمات يتعرّضون أكثر من غيرهم لهذه الانتهاكات، حيث يمكن أن تترك آثاراً عميقة على تشكيلهم الجسمي والعقلي.
المرأة السورية لم تسلم من الانتهاكات
كانت المرأة السورية أيضاً ضمن ضحايا الأزمة السورية، ولم تتوانى قوات النظام والمعارضة المسلحة والمجموعات الإسلامية المسلحة، على قتل واعتقال واختطاف واغتصاب وسبي وبيع النساء.
وتعرضت المرأة في سوريا للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، الأذى البدني، التضييق، التعذيب أثناء النزاع السوري، من جانب القوات النظامية والمليشيات الموالية لها، والجماعات المسلحة المعارضة للنظام.
وكانت الآلاف من النساء أيضاً ضحايا القصف العشوائي لقوات النظام، واستضافت معتقلات النظام في سوريا الآلاف من النساء السياسيات والمتظاهرات والعاملات في المجال الطبي والإغاثي الإنساني.
كما قامت قوات المعارضة المسلحة والكتائب الإسلامية بقتل واختطاف المئات من النساء في المناطق التي دخلت إليها، وكانت راهبات دير منار تقلا في بلدة معلولا اللواتي احتجزتهم جبهة النصرة وكتائب إسلامية أخرى في كانون الأول/ديسمبر 2013 عند دخول البلدة خير مثال على ذلك، واستمر مسلسل استهداف النساء خلال الأزمة إلى أن وصل إلى حلقة السبي والبيع مع ظهور مرتزقة داعش على الساحة السورية.
وبرزت المرأة إلى الواجهة بشكل واضح وخاصة في مسألة جهاد النكاح وما إلى ذلك من الفتاوي التي أصدرها من يسمون أنفسهم بعلماء الدين الإسلامي. كما ووردت تقارير تفيد بسبي مرتزقة داعش لنحو 100 امرأة سورية في دير الزور والرقة، ووثق المرصد السوري 6 حالات سبي على الأقل، لنساء سوريات من الريف الشرقي لدير الزور، تم سبيهنَّ من المساكن العسكرية التابعة للفرقة 17، في محافظة الرقة، عند سيطرة مرتزقة داعش على الفرقة.
كما شهدت أسواق مدينة الرقة السورية التي تسيطر عليها مرتزقة داعش حالات بيع للنساء الإيزيديات ممن تم اختطافهن في العراق. حيث تم بيع النساء في الأسواق بمبلغ 1000 دولار أمريكي للمرأة.
أزمة النازحين في سوريا
الأسباب التي ذكرناها مسبقاً أدت إلى نزوح الملايين من السوريين عن أرضهم هرباً من بطش قوات النظام والمعارضة، وتقدر المنظمات التي تهتم بشؤون اللاجئين عدد السوريين الذين نزحوا عن ديارهم بأكثر من 5 ملايين.
وأعلنت الأمم المتحدة في آب/أغسطس 2014، أن عدد اللاجئين السوريين تجاوز حاجز الـ 3 ملايين شخص في الدول المجاورة، وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان إن ما يقرب من نصف السوريين اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم دون تمييز.
ولفتت مفوضية اللاجئين إلى أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين لا تزال تتمركز في البلدان المجاورة، حيث يأتي لبنان في المقدمة بنحو مليون و140 ألف، تليها تركيا بـ815 ألف، ثم الأردن بنحو 608 آلاف لاجئ.
وواجهت المنظمات الإنسانية تحديات كبرى في توصيل المساعدات للمشردين والسكان المدنيين المتضررين داخل سوريا بسبب الحصار المفروض عليهم من النظام ومقاتلي المعارضة على السواء.
أوضاع حقوق الإنسان في روج آفا في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية
كانت مقاطعات الإدارة الذاتية الثلاث (الجزيرة، كوباني وعفرين)، من أكثر المناطق السورية أماناً خلال الأزمة السورية، حيث لم تشهد انتهاكات حقوق الإنسان مثل بقية المناطق السورية، وعلى العكس من ذلك تمتع الفرد في هذه المناطق بحقوقه رغم الظروف الصعبة التي تمر بها، واستوعبت هذه المناطق أعداد كبيرة من النازحين من الداخل السوري أيضاً. وبرزت في هذه المناطق حقوق المرأة والأقليات الدينية والعرقية بعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية.
المرأة في الإدارة الذاتية
حصلت المرأة في مناطق الإدارة الذاتية على حقوقها بشكل شبه كامل من خلال القوانين التي أصدرتها الإدارة الذاتية وشاركت المرأة بفعالية في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى العسكرية.
وتشكلت التنظيمات النسائية السياسية والاجتماعية الخاصة وقوى أمنية خاصة بالمرأة للدفاع عن حقوقها، كما شكلت المرأة مؤسساتها الاقتصادية التي تديرها بنفسها. وحصلت في المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية على هيئة خاصة تعرف بهيئة المرأة، وشاركت بنسبة لا تقل عن 40% في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية. ولأول مرة في سوريا تم استحداث نظام الرئاسة المشتركة في الأحزاب السياسية والهيئات الإدارية في الإدارة الذاتية. أضف إلى ذلك وحدات حماية المرأة (YPJ) المؤسسة العسكرية الخاصة بالمرأة التي تدافع عن حقوقها.
الإدارة الذاتية أحيت لغات وثقافات شبه منسية
ولأول مرة في العالم أصبحت اللغتين الكردية والسريانية لغتين رسميتين في مقاطعات الإدارة الذاتية، في حين اعتبرت اللغتان من اللغات المنسية في العالم، إلا أن الإدارة الذاتية أحيتها وباتت لغتين رسميتين يتم إصدار جميع الوثائق الرسمية بهما إلى جانب اللغة العربية.
وافتتحت مؤسسات أكاديمية خاصة باللغتين الكردية والسريانية، وتدرسان بشكل رسمي في مدارس المقاطعة، وتم تخريج عشرات الآلاف من الطلاب من تلك المدارس والأكاديميات. بينما كانت اللغتان ممنوعتان في ظل النظام البعثي.
كذلك افتتحت مراكز خاصة للثقافة الكردية والسريانية، وبات أبناء المكونين يحيون ثقافاتهم بشكل حر وديمقراطي في أعيادهم ومناسباتهم الخاصة، مثل نوروز وأكيتو.
افتتاح مراكز خاصة للأطفال لحمايتهم من آثار الأزمة السورية
وفي مقاطعات الإدارة الذاتية افتتحت مراكز خاصة للأطفال من أجل توعيتهم وحمايتهم من آثار الأزمة المعاشة في البلاد منذ قرابة 4 سنوات.
وأشرفت هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية على افتتاح رياض خاصة بالأطفال يتعلمون فيها القراءة والكتابة، ويتم تهيئتهم لدخول المدارس.
الديانة الإيزيدية تدرس في المدارس الرسمية
في ظل حكم نظام البعث كان الإيزيديون يتلقون دروس التربية الدينية الإسلامية في المدارس الرسمية، أما مجموعات المعارضة المسلحة وعلى وجه الخصوص مرتزقة داعش فهاجمت عدداً من المناطق لأن أهلها يعتنقون الديانة الإيزيدية، مثل قرية الأسدية في ريف مدينة سريه كانيه وقرية قسطل جندو في مقاطعة عفرين. ولكن الإيزيدية باتت تدرس في عدد من المدارس الرسمية في مقاطعات الإدارة الذاتية، وبات أبناء المكون الإيزيدي يمارسون طقوسهم الدينية بحرية دون التعرض لهم، وأحد نواب رئيس هيئة الشؤون الدينية في مقاطعة الجزيرة هو من المكون الإيزيدي.
الإدارة الذاتية استقبلت أكثر من مليون نازح من سوريا والخارج
وباتت مقاطعات روج آفا الملاذ الآمن لأكثر من مليون نازح من شبح الحرب في الداخل السوري، وبات المتجول في أسواق الإدارة الذاتية يرى أبناء جميع مكونات سوريا في شارع واحد، كما وافتتحت في مقاطعات عفرين والجزيرة مخيمات اللاجئين وتضم الآلاف من النازحين مثل مخيم نوروز في مدينة ديرك ومخيم روبار ومخيم كفر جنة للنازحين في مقاطعة عفرين.
كما استقبلت الإدارة الذاتية لاجئين من دول الجوار حيث يقطن في مخيم نوروز عائلات من أهالي مدينة موصل وبلدة ربيعة العراقيتين بالإضافة لعشرات الآلاف من أبناء قضاء شنكال في باشور “جنوب كردستان”.

وكالة هاوار

التعليقات مغلقة.