“كوباني”..نقطة انطلاق حلم الدولة الكردية

25

11_22_07_09_لقي القتال الدائر بين تنظيم داعش الإرهابي والأكراد في كوباني السورية اهتماما سياسيا وعسكريا وإعلاميا واسع النطاق لم تحظى أي معركة أخرى خاضها التنظيم بمثل هذا الاهتمام.
كوباني هي ثالث مدينة سورية ذات أغلبية كردية بعد القامشلي وعفرين، ولهذه المدينة أهمية مفصلية في مشروع الدولة المستقلة الكردية، وبالتالي فإن سقوط المدينة في أيدي داعش يضرب الحلم الكردي التاريخي في مقتل، فمع تمدد القتال والصراع من سوريا إلى العراق أصبحت كوباني في قلب المشروع الاستقلالي الكردي، خاصة وأن نجاح تجربة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا بات يعول على تجربة مدينة كوباني بشكل أساسي.
وفي هذا السياق، قالت مجلة “نيويوركر” الأمريكية إنه خلال يوم رأس السنة الكردية في مارس عام 2013، تم تسليم رسالة إلى الممثلين السياسيين الأكراد في تركيا بمدينة ديار بكر في جنوب شرق البلاد، تم إرسالها من السجن في جزيرة امرالي من قبل “عبد الله أوجلان” مؤسس حزب العمال الكردستاني، حيث أوضح في رسالته أن حرب الأكراد مع الدولة التركية القائمة منذ 30 عاما قد وصلت إلى نهايتها.
وتضيف الصحيفة أنه وسط الاحتفال برأس السنة الجديدة الذي عقد خارج المدينة قرأ السياسيين الخطاب بصوت عال كما لو كان وثيقة، حيث بكى الناس وهرعوا لمرحلة جديدة، شهد إعلان “أوجلان” علامة على الانطلاق الرسمي لعملية السلام المتوقعة منذ فترة طويلة، والتي على أساسها أمل الأكراد في تركيا بانهاء عقود من العنف ومنحهم الحق في اللغة والتعليم، حيث لقى نحو 40 ألف شخص مصرعه من الجنود والمدنيين خلال الصراع، كما أن رئيس الوزراء التركي السابق الذي يشغل منصب الرئاسة حاليا “رجب طيب أردوغان” قال إن السلام مع الأكراد يعتبر حجر زاوية في ميراثه السياسي.
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن قرار تركيا في التعامل مع حزب العمال الكردستاني كحزب سياسي كان قرارا شائكا، فعلى مدى عقود ماضية يصور القادة الأتراك “أوجلان” كزعيم منظمة إرهابية، ومع التفاوض معه طالب حزب العدالة والتنمية الحاكم بتغير الموقف الوطني، وقال:”لو أراد الأتراك السلام عليهم تقديم تنازلات لأشخاص يشكلون تهديدا أمنيا على البلاد”، ولكن مع فضيحة الفساد التي طالت “أردوغان” والاحتجاجات المناهضة للحكومة في اسطنبول ومرور العديد من القوانين بكل وقاحة، بقيت عملية السلام كما هي إلى حد كبير.
وتوضح “نيويوركر” أنه مع تصاعد الأحداث السورية، بدأت التجربة الكردية الأكثر راديكالية، وبدأ الأكراد السوريون في نحت جذور الحكم الذاتي لأنفسهم على الشريط الشمالي الشرقي من سوريا، وأسسوا ثلاث مقاطعات تتمتع بالحكم الذاتي، تحميها وحدة حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني التركي.
ويقول “عباس ولي” عالم اجتماع في جامعة البسفور بـ اسطنبول والذي يركز على القضايا الكردية:” لو استمرت تلك المقاطعات على قيد الحياة، فإن الأكراد في تركيا سيحاولون تأسيس العديد من المقاطعات على غرارها”.
وتلفت المجلة إلى محاصرة تنظيم داعش الإرهابي لمدينة كوباني السورية ذات الأغلبية الكردية، حيث إنه وسط محاصرة التنظيم الإرهابي للمدينة في شهر أكتوبر الماضي بدأت التوترات ترتفع بين تركيا ومواطنيها الأكراد، ووقفت الدبابات التركية على الحدود لعدة أسابيع لمنع وصول الإمدادات والمساعدات من الجانب التركي إلى السوري.
اندلعت الاحتجاجات في تركيا، وعلى خلفيتها لقى 40 كرديا حتفهم، ولكن رد الفعل التركي لم يكن مفاجئا، فعلى الرغم من التزامها بالسلام في الداخل ومع شريكتها حكومة كردستان العراق، إلا أن حزب العدالة والتنمية يرفض الحكم الذاتي الكردي في تركيا وسوريا.
ويوضح “هنري باركي” أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي:” نظام حكم المقاطعات لعنة على الأتراك، يمكن أن يكون هناك منطقة حكم ذاتي واحدة على الحدود، ولكن اثنين يُعد كارثة، ولاحقا سيتحدث الأكراد الأتراك عن وضعهم، متسائلين ماذا عنا نحن؟”.
وتقول المجلة الأمريكية إنه وسط الغضب الدولي بسبب تقاعس تركيا في كوباني، لجأت الحكومة التركية إلى الماضي وإثارة شبح حزب العمال الكردستاني الإرهابي، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الاتراك يخشون من الحزب بقدر ما يخشون من داعش.
وتذكر المجلة أنه في 14 أكتوبر الماضي، هاجمت القوات التركية معاقل للأكراد على مقربة من الحدود العراقية، وهي تعد العملية الأولى منذ أول محادثات سلام، وقال “اليزا ماركوس” مؤلف كتاب الدم والإيمان:” أرى أنها رسالة من أردوغان إلى المجتمع الدولي، مذكرا الجميع بأن حزب العمال الكردستاني هو منظمة إرهابية، ولكنه الآن يشن هجوما عنيفا ضد التعاطف الدولي مع الأكراد، إنه غاضب وأسلوب قيادته هذه الأيام بمثابة الأخذ بالثأر”.
ويرى “ماركوس” أن :” كوباني الآن بالنسبة لأكراد تركيا وسوريا مثل مدينة حلبجة للأكراد العراقين”، وأضاف:” إنها نقطة انطلاق للتعبئة الوطنية وبناء الدولة، حتى لوسقطت كوباني، فإنها ستكون نقطة قوة للأكراد، وهذا ما أخطأت به الحسابات التركية”.
وتوضح المجلة أنه حين رضخت تركيا وسمحت لقوات البشمركة العراقية الكردية بالدخول إلى كوباني شعر الأتراك الأكراد بالارتياح، وأصبحوا على يقين بربح البشمركة للمعركة.
وصف “أردوغان” الضغط على تركيا بشأن كوباني بالحرب النفسية، ولكنه لم يكن مخطأ بشأن السماح لقوات البشمركة بدخول كوباني، لأن ذلك سيهدأ من الرأي العام الدولي بالإضافة إلى الأكراد في الداخل، ولكن بمقاييس أخرى، فإن دخولهم إلى المدينة غير مفيد لعملية السلام.
وتشير المجلة إلى أنه على مر السنوات الماضية وحتى تفاوض حزب العدالة والتنمية مع “أوجلان” تواصل السلطات التركية كافة أشكال القمع مع الأكراد، ومع غياب القتال المسلح، ظهر الصراع في البرلمان والمحاكم، بداية من تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، والميل إلى خلط جميع جوانب الحياة الكردية مع الحزب على الرغم من أن الكثير من الأكراد يرفضون ما يقوم به الحزب الكردي.
وتذكر المجلة أنه تحت ستار مكافحة الإرهاب يقوم الحزب التركي الحاكم بشن حملات على المؤسسات الكردية والمتظاهرين والقادة السياسيين، فهناك دعوة قضائية جماعية تم فتحها في عام 2007 ضد مجموعة تدعى “اتحاد الجاليات في كردستان”، والتي تعتبرها الحكومة ذراع حزب العمال الكردستاني في المناطق الحضرية، فبعد الدعوة القضائية اعتقلت الحكومة آلاف النشطاء الأكراد والأتراك والصحفيين والأكاديميين والسياسيين.
وتعتقد الصحيفة أن ما يفعله “أردوغان” الآن هو مناورة سياسية مع الأكراد، فبعد فترة وجيزة سيقوم بسن مشروع قانون يوسع من صلاحيات الشرطة التركية حتى يتمكن من اعتقال المحتجين.
وقال “رمضان تونك” اقتصادي تركي:” يعتقد الناس أنه حين تسأل عن الأكراد، فإن أردوغان لا يهتم، ولكن بعد مقتل 46 شخص، فإن تركيا تعود إلى صراع التسعينات”.
كوباني تشكل أهمية بالغة لدى الأكراد في تركيا، فهي الخطوة الأولى لبناء دولتهم المستقلة، حتى وإن سقطت المدينة في أيدي داعش أو نجحت قوات الشمركة في صد الهجوم الإرهابي، ففي كلا الأمرين تُعد كوباني نقطة انطلاق حلم الدولة الكردية.

وكالات

التعليقات مغلقة.