خرافة التقدمية في الأدب الإسرائيلي
يكشف كتاب «خرافة التقدمية في الأدب الإسرائيلي»، للباحث حاتم الجوهري، عن وجود تيار صهيوني سياسي يدعي «الصهيونية الماركسية»، لم تسلط الأضواء عليه من قبل، وأن هذا التيار هو الذي وضع البناء النظري للصهيونية وأقام المستوطنات الاشتراكية، وأنشأ أجنحتها العسكرية التي كونت بعد ذلك، الجيش الصهيوني الإرهابي..
ويتناول بالنقد والدراسة الأدب الأيديولوجي الذي يكتبه أدباء هذا الفصيل الصهيوني الماركسي المزعوم، مفندا ادعاءه بالانتماء للماركسية، وذلك من خلال أحد زعماء هذا التيار وهو الشاعر الصهيوني يتسحاق لاءور، في ديوانه السياسي «مدينة الحوت».
بدءا يأخذنا المؤلف في رحلة عبر التاريخ إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث يتتبع بداية ظهور اليسار اليهودي في أوروبا وتحوله للصهيونية وتأسيس الأحزاب الصهيونية الماركسية، وعلاقة الصهاينة الماركسيين بالفلسطينيين العرب ممن تبنوا الفكر الماركسي، وينقد محاولات التركيز على يسارية هذا الفصيل الصهيوني وتجاهل دوره التاريخي في بناء المشروع الصهيوني..
حيث يرى أن تيار الصهيونية الماركسية في نهاية الأمر ليس إلا فصيلا صهيونيا ينتمي للمشروع الصهيوني، لكنه يحاول أن يقدم وجهة نظر مغايرة لطبيعة المشروع، فمن وجهة نظر المؤلف يرى أن تيار الصهيونية الماركسية يحاول أن يقدم نوعا من الاحتلال التقدمي، الاحتلال اللاعنصري غير القائم على فرز ديني أو عرقي.
يشن المؤلف هجوما لاذعا على دعاة هذا المنطق، قائلا ان التاريخ أثبت فشل فكرة فرض الاختيارات على الشعوب باسم: الدين أو القومية أو الماركسية، وأن أهل فلسطين لم يختاروا الاندماج مع شتات اليهود في مشروع ماركسي طليعي.
ويكشف المؤلف جانبا مهما لم يتناوله العديدون من قبل، وهو فكرة المسكوت عنه في الأدب الصهيوني، حيث يقول المؤلف بجرأة ان الأدب الصهيوني الذي يدعي الانتماء لليسار هو أدب جزئي في تعاطيه مع الصراع العربي الصهيوني والقيم الحاكمة له، أدب لا يملك رؤية شاملة ومنهجا كليا يعطي إطارا عاما لحقائق الصراع التاريخية.
ويضيف ان الأدب الصهيوني تغيب عنه بوضوح تام قيم: الحرية والحق والعدالة، التي تمثل أهم المسكوت عنه في الأدب الصهيوني، في حين يحضر بديلا عنها قيم: التمرد والاحتجاج والرفض، أي قيم الرد فعل.. قيم فضفاضة ليست قيما فاعلة صاحبة رؤية جذرية للصراع، لأنها لو تعاطت مع القيم الكلية، مثل الحرية أو الحق أو العدل، فلن تجد لها مبررا ببساطة للوجود داخل أرض مغتصبة! يقول المنطق بعودتها لأهلها.
ويتناول المؤلف الشاعر يتسحاق لاءور ويتعرض لنشأته ودوره الثقافي والأدبي، الذي يربطه البعض بما بعد الصهيونية وحركة النقد الأدبي التي ارتبطت وتداخلت مع حركة المؤرخون الجدد في إسرائيل..
ويحلل مفاهيم نسبية كثيرة يطرحها اليسار الصهيوني المزعوم، منها: ما بعد الصهيونية، المؤرخون الجدد. إذ يرى المؤلف أن هذه المفاهيم هي عودة لأطروحات وأدبيات الصهيونية الماركسية القديمة ليس إلا، فيرى أن ما بعد الصهيونية ليست سوى محاولة من اليسار الصهيوني لإعادة تقديم نفسه للمشهد السياسي المحلي والدولي، بوصفه صوتا مغايرا داخل المشروع الصهيوني ودولته..
وهكذا موقفه تجاه تيار «المؤرخون الجدد»، حيث يقول ان هذا التيار في النهاية، هدفه ليس تفكيك المشروع وإنما محاولة إصلاحه وجعله أقل عنصرية وتطرفاً، وكأن لسان حال المؤلف يريد القول ان فكرة الصهيونية الماركسية التي تحاول تحليل وحل المشكلة التاريخية لليهود في إطار مادي واقتصادي، كان يمكن أن تكون مقبولة في حالة واحدة فقط، وهي حالة أن أقيم هذا المشروع على أي مكان آخر غير فلسطين.
ونجد أن الشاعر يحاول دائماً تصوير وجوده ودوره في فلسطين داخل المشروع الصهيوني ودولته «إسرائيل»، على أنه جزء من النضال الماركسي العالمي ضد الرأسمالية والإمبريالية، في حين أنه في طيات طرحه الفكري يقبل بالإمبريالية والاستعمار التوسعي إذا كان على الطبعة والديباجة الماركسية الصهيونية..
فأصل مشروع اليسار الماركسي الصهيوني، هو احتلال فلسطين على أساس من التعايش المشترك بين العرب واليهود، على أن يكون هناك هدف مرحلي لتيار الصهيونية الماركسية وهو إقامة دولة إسرائيل، ثم بعد ذلك وكهدف تالي توحيد نضال الطبقة العاملة العربية واليهودية سعياً لبناء الأممية الشيوعية العالمية.
بيان الإمارتيّة
التعليقات مغلقة.