السلطة غير الشرعية للنخب وآليات عملها

26

748449175

تعيش المجتمعات الغربية منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية في خريف عام 2008، التي انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية حالة من القلق والاضطراب، خاصّة أنه يتم الطلب من مجموع السكان في البلدان التي عانت وتعاني من عواقب الأزمة تقديم جهود تتعاظم أكثر فأكثر، من أجل مواجهة النتائج المستمرة لتلك الأزمة الكبرى التي لم يشهد الغرب والعالم مثيلا لها منذ الانحسار الاقتصادي الكبير المشهور بـأزمة عام 1929.
بالمقابل يسود لدى الأغلبية الساحقة من السكّان إحساس عميق بأن تلك الأزمة لا تطال شريحة صغيرة من المجتمعات الغربية المعنيّة. هذه الشريحة هي التي تمثّلها النخب في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، والتي تمتلك بنظر الآخرين «سلطة حقيقية»، لكنها «سلطة غير شرعية».
والسلطة غير الشرعية للنخب هي بالتحديد موضوع وعنوان كتاب الباحث الاجتماعي الفرنسي تييري بروغفن، الأستاذ في جامعة بيزنسون الفرنسية، والأخصائي في مجال «سوسيولوجية النخب».
السلطة المهيمنة
يشرح المؤلف في البداية أن هناك، من جهة، حالة من «فقدان الثقة»، التي لا مثيل لها منذ فترة طويلة من الزمن بين الشعوب في البلدان الغربية عموماً وبين نخبها. والتأكيد من جهة أخرى أن هذه النخب تتآلف فيما بينها، لتقيم نوعاً من السلطة المهيمنة على المستوى العالمي. وتبدو هذه السلطة فاعلة، خاصّة على الصعيد الاقتصادي، من خلال اتخاذ القرارات على المستوى العالمي وإصدار توجيهاتها إلى النخب المختلفة على صعيد مختلف البلدان المعنية.
وإذا كان مؤلف هذا الكتاب يولي اهتماماً كبيراً للتحليلات النظرية حول سلوكية النخب في البلدان الغربية، فإنه يدعم تحليلاته بالعديد من الوقائع والإحصائيات التي تصب كلّها في القول إن هناك تواصلاً، هذا إن لم يكن تواطؤاً، بين النخب من أجل تحقيق مصالحها الخاصّة.
والحديث في السياق نفسه عن عدد من أشكال «تعاضد النخب فيما بينها» في مجالات متنوّعة، ليس أقلّها تأثيراً في عموم الناس مجالات الصحّة من «لقاحات وصناعات دوائية وغيرها». يستعرض المؤلف في هذا الإطار ما يسميه «كارتل صناعات الأدوية»، ويبيّن مثلاً كيف أن عائلة روكفلر أوجدت نخباً مسيطرة في مجال الصناعات الرأسمالية المسيطرة بمجالي البتروكيماويات والأدوية.
فوق القانون
بشكل عام يرى المؤلف أن النخب الاقتصادية في البلدان الغربية تتصرّف غالباً وكأنها فوق القانون. كذلك يشير إلى أنه لا يغيب عن منظور «تعاون النخب» العمل على تنسيق السياسات الدولية؛ ذلك بعيداً عن التوقف طويلاً عند مصالح الشعوب، التي يتردد ذكرها في الخطابات الإيديولوجية. هنا أيضاً يبدو التداخل كبيراً بين النخب الاقتصادية والنخب السياسية.
ومن النتائج الأساسية التي يؤكّد عليها المؤلف لهذا التداخل هو أن النخب المعنية، أي الاقتصادية والسياسية، تجمع بيدها السلطات وتعفي نفسها من كل ما يتطلّبه القانون. والجدير بالذكر في هذا السياق أن وسائل الإعلام تلعب دوراً في دعم توجهات النخب مهما كانت مرتكزاتها الإيديولوجية والسياسية.
المثال البليغ الذي يسوقه المؤلف للدلالة على ذلك مفاده أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية قررت بتاريخ 15 مايو من عام 1911 أن جون روكفلر ومجموعته مدانتان بالفساد وباللجوء إلى مختلف أنواع الممارسات غير مشروعة قانوناً، وبالتالي حكمت بـ«حلّ المجموعة». لكن روكفلر كان على يقين أن داعميه السياسيين لن يتخلّوا عنه. لذلك لم يأبه لقرار المحكمة الأميركية العليا، ولم يحل مجموعته، و«لم يزعجه أحد».
بهذا المعنى يرى المؤلف أن النخب في البلدان الغربية الليبرالية، رغم زعمها أنها بلاد القانون الذي هو فوق الجميع، إنما تتصرف في أغلب الأحيان وكأنها فوق القانون، بينما يتم تطبيق بنوده بحذافيرها على الأغلبية التي لا تنتمي إلى أية دائرة نخبوية.
فجوة
ولا يتردد المؤلف في اعتبار شخصية مثل جون روكفلر والذين مارسوا تسيير المجموعة التي أسسها بمثابة «رمز سيطرة مجموعات الضغط – اللوبي – على السياسات العامة» في العديد من الميادين الحيوية في البلدان الغربية الموصوفة بـ «الديمقراطيات الغربية»، والولايات المتحدة في مقدّمتها.
تلك الممارسة القديمة في بلدان الديمقراطيات العريقة خلقت فجوة، يرى المؤلف أن الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة فاقمتها ودفعتها إلى مصاف «أزمة ثقة» حقيقية بين عامة الشعب وبين نخبه، وخاصّة السياسية الاقتصادية والسياسية منها. ويشرح أن هناك باستمرار نوعاً من «القطيعة» بين النخب الاقتصادية والنخب السياسية في البلدان التي يطلقون عليها توصيف «الديمقراطيات الغربية».
في المحصّلة يقدم المؤلف في هذا العمل تحليلاً لمختلف آليات عمل السلطة في البلدان الغربية. ويبين كيف أن النخب في مختلف مشارب النشاط العام تعمل بطريقة تخدم فيها مصالحها الخاصّة.
المؤلف في سطور
تييري بروغفن باحث فرنسي في مجال علم الاجتماع، وهو مختص بشكل محدد أكثر في المسائل المتعلّقة بالمكانة الاجتماعية للنخب، يسهم بالكتابة حول هذا الموضوع في العديد من الصحف والدوريات المختصّة، ويعمل أستاذاً لعلم الاجتماع في جامعة بيزنسون الفرنسية.

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.