القضاء التركي مسرحاً لمنافسة جديدة بين أردوغان وغولان –

25

349لم تنته الحماسة الانتخابية في تركيا بعد، إذ يقبل القضاة والمدّعون العامون في البلاد، يوم الأحد المقبل، على انتخاب أكثر من نصف أعضاء أعلى مجالسهم وأهمها، وهو المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة، ويتمتّع بأهمية بالغة لدى حكومة أنقرة.
وتعكس هذه الانتخابات الاستقطاب السياسي الحاصل في البلاد، إذ يتنافس فيها ثلاث مجموعات واضحة، هي القضاة والمدعون المحافظون والموالون للعدالة والتنمية، وأولئك الموالون لحركة الخدمة، بقيادة فتح الله غولان، والقضاة العلمانيون المحسوبون على الفكر الكمالي الأتاتوركي.
وتُعتبر هذه الانتخابات إحدى النتائج المهمة للديمقراطية في تركيا، بعد استفتاء أجري عام 2010، أعاد تشكيل الهيئات القضائية العليا في البلاد. قبل الاستفتاء، كانت المؤسسات القضائية الأعلى كمجلس الدولة أو المحكمة العليا للاستئناف، هي من تعيّن أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، لكنّها كانت تحت سيطرة التيار العلماني الكمالي، وكان النظام القضائي مصمم بطريقة تسمح للقضاة الذين ينتمون إلى تيارات فكرية معينة، بتعيين ومساندة بعضهم في المناصب العليا، ما ضمن سيطرة طويلة الأمد للكماليين على النظام القضائي قبل الاستفتاء.

تُعتبر هذه الانتخابات إحدى النتائج المهمة للديمقراطية بعد استفتاء عام 2010 الذي أعاد تشكيل الهيئات القضائية العليا في البلاد

وعلى الرغم من أنّ مجموعات من الليبراليين العلمانيين، كانت من بين المنتقدين للنظام القضائي قبل الاستفتاء، لكن مجموعات المحافظين المتدينين كانت أبرز المنتقدين والمعارضين، وتمكّنت حينها من التوحّد تحت راية واحدة، بعد أن كانت عبارة عن مجموعتين، الأولى توالي حزب “العدالة والتنمية: بقيادة رجب طيب أردوغان، والثانية توالي “حركة الخدمة”، بقيادة الداعية فتح الله غولان. وامتلكت الأخيرة الكثير من الأتباع بين القضاة في الرتب المتدنية، خصوصاً أنّ النظام السابق لم يسمح إلا للعلمانيين بالارتقاء في الرتب، ليقود حينها الحليفان، حملة ضخمة، انتهت بتمرير التعديلات الدستورية بموافقة أكثر من 58 في المائة من المصوّتين عليها.
حوّل الاستفتاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، من مجلس لا أهمية له إلى مجلس ذي تمثيل واسع، إذ يضمّ 22 عضواً، يعيّن الرئيس أربعة منهم، ويختار وزير العدل من سيشغل مقعدين آخرين، وباقي المؤسسات القضائية ستة مقاعد، على أن ينتخب أكثر من 12 ألف قاضٍ ومدعي عام العشرة مقاعد الباقية في المجلس. وأقيمت الانتخابات الأولى الخاصة بالمجلس، بعد شهر من إقرار التعديلات عام 2010، لينتج عنها سيطرة القضاة الموالين للتحالف المتديّن، وخصوصاً حركة الخدمة على المجلس.
ولم تعلّق حكومة “العدالة والتنمية” على الانتصار الذي حققته الحركة، إذ أن الأخيرة كانت حليفتها الاستراتيجية في ذلك الوقت، لكن بعد ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وإثر اشتعال المعركة بين الطرفين بعد قضايا فساد اتُهم فيها وزراء ومقربون من أردوغان، بدأت الحكومة بتوجيه انتقادات لاذعة الى المجلس الذي تسيطر عليه الحركة، واتهمت الأخيرة بأنّها تسخّر المجلس لتحقيق أهدافها الخاصة والعمل على الانقلاب على حكومة العدالة والتنمية. ولهذا السبب، مرّرت الأخيرة في شهر شباط/فبراير الماضي، قانوناً أثار جدلاً واسعاً، إذ سحب جزءاً من صلاحيات المجلس لمصلحة وزير العدل، وردت المحكمة الدستوريّة العليا معظم بنوده، بحجّة أنه يخالف مبادئ الدستور، والتي تنصّ على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، علماً أن هاشم كليج، الذي تتّهمه الحكومة بالولاء لـ”حركة الخدمة”، هو من يرأس المحكمة الدستوريّة.

يتمتع أردوغان بالقدرة على تعيين أربعة أعضاء في المجلس بشكل مباشر، إضافة إلى اثنين من المقاعد التي تعتبر من حصّة وزير العدالة

على الرغم من ذلك، لا يزال أردوغان، بوصفه رئيس الجمهورية، يتمتع بالقدرة على تعيين أربعة أعضاء في المجلس بشكل مباشر، إضافة إلى اثنين من المقاعد التي تعتبر من حصّة وزير العدالة، ما يعني أنّ ستة من القضاة، على الأقل، الذين ستعيّنهم بقية المجالس القضائية، سيكونون من الموالين لأردوغان. وتشكّل المقاعد العشرة التي سيتم انتخابها، تحديّاً كبيراً في وجه “العدالة والتنمية”، في ظل سيطرة “حركة الخدمة” الواسعة على الناخبين من القضاة.
وتتوقّع مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، أن تشهد الانتخابات المقبلة تنافساً بين كتلتين رئيسيتين، إحداهما أطلقت على نفسها تسمية كتلة “وحدة القضاء”، وهي موالية للحكومة، أما الثانية وهي “يارساف”، فتمثّل التيار العلماني الكمالي”، مرجّحة ألا يخوض الموالون لـ”حركة الخدمة” الانتخابات في شكل كتلة، بل كمرشحين مستقلين أو أن ينضموا إلى كتلة الكماليين، ضمن تفاهمات في الساعات الأخيرة”. وتشير التقديرات إلى أنّ تعداد الموالين لكتلة “وحدة القضاء”، يتراوح بين 3 و6 آلاف قاض ومدع عام، وكتلة “يارساف” بين 1500 و3000، فيما يتراوح عدد الموالين لـ”حركة الخدمة” بين 2500 وخمسة آلاف.
أخيراً، يبدو أنّ الاستقطاب السياسي لم يفوت مجالاً في تركيا. حتى القضاء الذي كان الحامي والمنفّذ الصارم لتعاليم نظام الوصاية العسكريّة، بحجّة الحفاظ على التقاليد العلمانيّة والكماليّة، أصبح الآن مسرحاً جديداً للصراع بين الأطراف السياسيّة، ليبدو قضاء تركيا الجديدة، حتى الآن، ممزقاً بما يكفي، إلى حين صدور نتائج الانتخابات.

التعليقات مغلقة.