ما زال الخطر قائما

51

فوزة يوسف

دار الحديث عن اتفاق على ثلاث مواد بين الوفدين الأمريكي والتركي حول ما تسمى بالمنطقة الآمنة على طول الشريط الحدودي بين تركيا وشمال وشرق سوريا. هذه المواد يلفها الابهام وقابلة للتأويل حسب رغبة كل طرف ومنظوره، ولكن وعلى الرغم من ذلك يعتبر الاتفاق على هذه البنود خطوة مهمة، ذلك أنه يفتح المجال أمام جولة أخرى من المفاوضات التي قد تفضي إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف.

ثبت بأن الحرب ليست طريقا مناسبا لإيجاد الحلول، ولكن أيضا حالة السلام الهش وغير المبدئي الذي لا يتكئ على أرضية وأسس سليمة قد تتحول إلى حرب في أية لحظة. أرى بأن أول خطوة من أجل ترسيخ سلام حقيقي يأتي من تعزيز الثقة بين الأطراف والاقتناع الكامل بأن الحرب أمر لا جدوى منه.

وغير ذلك قد يكون كما الحرب، أو أشد فتكا منها، إذ قد تتحول فترة التفاوض ذاتها إلى حرب باردة وتكون نتيجتها الفشل دون أدنى شك، ذلك أن الدولة التركية لديها تاريخ حافل في مثل هذه التجارب حيث حولت عمليات التفاوض فيها إلى مرحلة حرب خاصة وطريقة لتحقيق ما لم تستطع تحقيقه من خلال الحرب.

لا أحد قد يصدق بأن تركيا تريد أن تقيم “ممر سلام” على طول الحدود وقد قام جيشها وما يزال مع مرتزقتها بقتل عشرات المواطنين الكرد في عفرين ونهب ممتلكاتهم وسرقة وتدمير محاصيلهم أو أن يصدق أحد أنها ستقوم بإعادة اللاجئين السوريين الى ديارهم و قد قامت بأبشع عملية تغيير ديمغرافي في عفرين من خلال تهجير أهلها، كما أن لا أحد يمكن أن يصدق أيضا أنها تهدف إلى حماية حدودها في حين تقوم بتمويل الفصائل المتطرفة في ليبيا البعيدة آلاف الأميال عن حدودها، و لأنه لا يوجد تكامل في السياسة الخارجية والداخلية التركية يكون هناك تناقض كبير بين ما تستخدمه من مصطلحات وما تطبقه عمليا على أرض الواقع، فعملية ما سمتها تركيا “بغصن الزيتون” أدت إلى إبادة شعب الزيتون وأرض الزيتون وشجر الزيتون، وقوات ما سموهم بـ” درع الفرات” تحولت إلى درع مضاد لشعوب الفرات، وما يطلقون عليه “ممر السلام” هو في الحقيقة ممر الظلام . . لذلك علينا أن نعلم جيدا بأن عملية التفاوض هذه مهمة ويجب أن يتم بذل الجهود الكافية من أجل تطويرها وترسيخها، دون أن يمنحنا ذلك شعورا زائفا بأن احتمالية الحرب قد انتهت أو أن الخطر قد زال، على العكس من ذلك يجب علينا، أكثر من السابق، الاستعداد لجميع الاحتمالات بما فيها احتمالية الحرب، ذلك أننا نعيش على أرض تشهد تقلبات يومية ونحن في سوريا نعيش في مركز خط الزلازل الإقليمي، لذلك بقدر ما نكون مستعدين للدفاع المشروع عن أنفسنا بقدر ما نكون مستعدين للتفاوض والحوار.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر اتطرق هنا لموقف الحكومة السورية من مسألة أمن الحدود والذي لا يمكن تعريفه سياسيا، ذلك أن كل القواميس السياسيّة تعجز عن إيجاد تعريف أو وضع مصطلح لهذه الحالة. قبل بدء المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والتركي لم تقم الحكومة السورية سوى بإصدار تصريح خجول وكأن الموضوع مرتبط بمنطقة أخرى من العالم ولا يعنيها في شيء. عندما تم احتلال عفرين وجرابلس واعزاز والباب لم تقلع الطائرات السورية ولم تضرب القوات التركية ومرتزقتها كما هو الحال اليوم في ادلب، وهنا نسأل: لماذا لم تفعل الحكومة السورية نفس الشيء في عفرين بما أنها جزء من سوريا؟ إذا كان هذا يدل على شيء فأنه يدل على أن موقف الحكومة السورية تجاه الوحدة والسيادة السوريتين موقف لا مبدئي يتغير بتغير الزمان والمكان ويفتقر إلى المصداقية، لذا فان هذه المزاودات والتصريحات خالية من أي قيمة على أرض الواقع ولا تأتي إلا لحفظ ماء الوجه أكثر من أي شيء آخر.

نقلا عن صفحة “الفيسبوك” لعضو منسقية مؤتمر ستار، فوزة يوسف

 

التعليقات مغلقة.