سوريا كعكةٌ ومصيّدة ..

42

 

كمال عاكف

 

مع صدور قرار مجلس الأمن بتاريخ ٢٤ شباط من العام الجاري تحت البند ٢٤٠١ القاضي بإيقاف العمليات القتالية في سوريا عدا تلك التي تستهدف إرهابيي داعش والنصرة والفصائل الراديكالية التابعة لها تتوضح عدة أمور من بينها إن سوريا لم تعد ميداناً يمكن تطبيق القرارات الأممية فيها نظراً لتداخل الأمور وانفراد بعض الدول فيها بالعمل تحت مسميات معينة بينما الغرض منها الحصول على مزايا واستثمارات وتحقيق مصالح لها على حساب دم الشعب السوري، وهنا تأتي تركيا التي لم تلتزم بالقرار الأممي في حربها على عفرين وروسيا التي تساند التوجه التركي في مقدمة هذه الدول التي تدأب على هذه السياسة المجردة من القيم والأخلاق.

غياب ضمان تحقيق القرار الأممي من خلال تطبيقه العملي على الأرض يعني إنه لا سيادة أممية في سوريا كذلك يعني إن سوريا قد أصبحت فريسة لكل من يجد موطئ قدم له في سوريا، وبالتالي لا حل لطالما هناك دول تتنافس في النفوذ كما روسيا وإيران ودول تحاول إعادة سلطتها على مناطق خسرتها منذ حوالي مئة عام حسب زعمها في مناطق حلب وريفها إثر اتفاقية لوزان ١٩٢٠ كما تركيا، ودول تساند الحرب على الإرهاب وتدعم الاستقرار وتقف مكتوفة الأيدي حيّال ما يحدث من زعزعة للاستقرار كما الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

حينما تفقد القوى الأممية السيطرة على الأمور وعدم تمكنها من ردع التجاوزات اللاقانونية من قبل دول لها أجندات داخل سوريا فهذا يعني إن الدفة السورية متجه نحو منحىً آخر وهو الخيار الأكثر قرباً للمعقولية ألا وهو التقسيم، الأمر الذي قد يفرز عنه نتائج سلبية تمهد لإطالة نوع آخر من الحرب داخل سوريا خاصة بعد اقتراب نهاية تنظيم داعش المفترض، وبالتالي نهايته كأحد أهم التنظيمات الإرهابية في سوريا والمنطقة لا يمكن أن يكون دون ظهور نتائج جديدة لعملية الزوال والمثال الأقرب في ذلك ما حصل وما ظهر في العراق بعد القضاء على فرع القاعدة هناك بزعامة أبو مصعب الزرقاوي في الفترة ما بعد سقوط حكم البعث عام ٢٠٠٣.

ظهور القاعدة هناك كأحد أشكال سد الفراغ الناتج عن اختلال توازن الدولة العراقية واستغلال الظروف السائدة آنذاك ومن ثم نهاية التنظيم هناك، وظهور نتائجه نهايته والتي لا يزال العراق حتى يومنا هذا غارقاً في صيغه وأشكاله المتعددة، وإن كان البعض منها سياسي، الكرد يقودون حملة تحمل في جوهرها التغيير في سوريا نظراً لأن إحداث حالة التغيير تضمن لهم وجود ودور فعلي، عدا عن إن ذلك التغيير يساهم في إحداث تقدم نوعي على مسار الشكل والنموذج الإداري في سوريا، ولكن هذه الحملة أو هذا التغيير لا يناسب الكثير من الأطراف التي تضمن وجودها أيضاً ومصالحها في الوضع الراهن تماماً كما حالة الحرب مثلاً.

تصادم الخيارات ومن بينها الخيار الكردي في سوريا يساهم في تعقيد الأمور، الأمر الذي يعيدنا إلى النقطة التي بدأنا منها وهو غياب القدرة الأممية على الضبط وإلا لا يوجد مبرر للعدوان التركي على عفرين، كذلك لا يوجد أي مبرر للوجود التركي في إعزاز والباب وجرابلس عدا عن تفعيل خيار التصادم مع الكرد، مع الضعف الدولي في إيقاف الهمجية التركية في سوريا، تركيا لن تتوقف لأنها بالأصل تستمد قوتها من ضمانات روسية على الأرض في سوريا والتي تصنف بالمحدودة جداً في غاية خلق التوازن واستفزاز أطراف أخرى كإيران والاستفادة من ذلك للطلب بخروج كل من هم في سوريا، دون إذن وموافقة دمشق التي هي أصلاً موضع خلاف في الشرعية.

في جميع الأحوال المستفيد من هذا التداخل وحالة التعقيد في سوريا هم الكرد لأنهم يسعون بحرص على عدم تقديم خيار التقسيم إلا بالشكل المفروض والمجبر، لذا تركيا وبعدائها بهذا الشكل ووقوفها في وجه كل مقترح أو مشروع كردي سوري بدون شعور ودون أن تدرك تخدم الكرد في سوريا، لأنها لو كانت تضع في الحسبان وتقارن المواقف الأمريكية مع الدولية مع حالة التنظيم غير المعقول التي يتقدم الكرد فيها بشكل يومي، لكانت حفظت ماء وجهها أمام القادم في سوريا، وبدايات ذلك يظهر من خلال الفخ التي وقعت فيه من جهتين، ومن مسبب واحد، حيث روسيا التي دفعت بها إلى الحرب على عفرين ساهمت في نفس الوقت بنشر قوات حكومية على الحدود بين عفرين وتركيا لذا كل ما تفعله تركيا بعد الآن يقع في خانة الأخطاء غير المغفورة.

نشر هذا المقال في العدد /76/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/3/2018

التعليقات مغلقة.