المثقّف الكرديّ العضويّ.. مشعل التمو وفرهاد عجمو.. نموذجا

42

217يمثل الشهيد مشعل التمو نموذجاً حقيقيّاً للمثقّف العضويّ الغرامشيّ المُلتزم والمُنخرط عمليا في قضايا أمته وشعبه والمدافع عن قضايا الحرية والتعددية وحقوق الإنسان، فقد انخرط في صفوف الحركة الكرديّةمنذ بداياته وظل مدافعا عن القيم التي آمن بها، مناصراً للحقِّ وللمظلومين بغضّ النظر عن انتمائهم القوميّ أو الدينيّ يفضح السلطة المُستبدة و أكاذيبها وخداعها”.

الموضوعات التي تحرك الشاعر فرهاد عجمو وتستوطنه؛ هي موضوعات إنسانيّة وقضايا كبرى أقلقت الكائن الإنساني منذ وقت طويل، وهو في إثارته لهذه الأسئلة المقلقلة وفضحه وهجومه على الواقع المأسوي، وعلى الانتهازية السياسية التي تعشش فيه، وتدفع به الى الثبات والسكون، يحاول أن يفتح عقول الناس على مصادر جديدة للأمل في سعيهم الدائم نحو الانعتاق والحرية“.

 

يقسم المفكر الايطالي انطونيو غرامشي المثقفين إلى نوعين الأول؛ تقليديّ يمثل الفكر المحافظ والمنبطح للسلطة الحاكمة، والآخر هو المثقف العضويّ الممارس للفعل الاجتماعيّ القريب من الجماهير والمتماهي معها، بحكم تبنيه لقضاياها اليوميّة والمصيريّة وسعيه الدائم إلى التغيير والتحسين المستمر بهدف الإصلاح الثقافي والأخلاقي وخير من مثل هذا النموذج كورديا في وقتنا الراهن هما الشهيد مشعل التمو والشاعر فرهاد عجمو دون أن نقلل من قيمة الأسماء الأخرى، التي  تزخر بهم ساحتنا الثقافيّة الكرديّة السورية كجكرخوين ونورالدين ظاظا واوصمان صبري وغيرهم من الأسماء المهمة، التي قد نناقش في أوقات لاحقة دورهم التنويري وما قدموه للثقافة الكردية من إسهامات، وللفكر السياسيّ والديمقراطيّ النضاليّ الكرديّ من انجازات، لكننا سنتعرض هنا  لهذين الاسمين على سبيل المثال لا الحصر ،لذلك ارجو أن يعذرني بعض الأصدقاء على عدم ذكر أسمائهم في هذه السطور.

يمثل الشهيد مشعل التمو؛ نموذجاً حقيقيّاً للمثقّف العضويّ الغرامشي المُلتزم والمُنخرط عمليّاً في قضايا أمته وشعبه والمُدافِع عن قضايا الحرية والتعددية وحقوق الإنسان، فقد انخرط في صفوف الحركة الكرديّة منذ بداياته وظل مُدافِعا عن القيم التي آمن بها، مُناصرا للحقّ وللمظلومين بغضّ النظر عن انتمائهم القوميّ أو الدينيّ يفضح السلطة المُستبدة و أكاذيبها وخداعها، لا يقبل بأنصاف الحلول ينتقد قبيلته وعشيرته السياسية، متمردا، مجددا، رافضاً لقيمها الأبوية، وقد جسد كل ذلك ثقافيا في كتابه “رؤية نقدية في ظاهرة التخلف السياسي الكوردي في سوريا” ، ركّز فيه على انغلاق الحزب الكرديّ واستئثار الأب الحزبيّ بكلّ مفاصل الحزب، ودوره الرئيس في لعبة الانشطارات الحزبيّة، وهو ما جعله يثور على هذه الأبويات داعيا الى تحطيم الطوطم الحزبي واطلاق سراح العقل النقدي، ليواجه بذلك التأخر والجهل والأميّة السياسيّة والفكر الغيبي واستعباد المرأة، أسس منتدى جلادت بدرخان الثقافيّ، ويعود له الفضل في توثيق العلاقات الكرديّة مع أطراف المعارضة السوريّة والانفتاح على مختلف القوى والتيارات، والتركيز على الوطنيّة السورية مع الحفاظ على الخصوصيّة الكرديّة، باعتبار أنّ الشّعب الكرديّ مكون رئيس من مكونات الشعب السوري، يجب أن يشارك في السلطة والثروة، فهو القائل من رسالته الأولى في سجن عدرا المركزي بتاريخ 1/12/2008 أعتقد بأّننا نحتاج إلى جاهزية قصوى فنحن جزء من حالة وطنية ينتظرها الكثير من العواصف ومن حقنا أن نستعد لها فالمتغيرات ستأتي وستكون أشد من أي توقع وشبابنا الكوردي مطالب بالانتباه للدفاع عن حقنا القومي ووجود شعبنا كقومية أساسية في سورية مدنية وديمقراطية ولنساهم معا في إنهاء احتكار السلطة وبناء دولة الحرية والديمقراطية والسلام) ، وبعد تأسيسه لتيار المستقبل الكوردي طرح نفسه كحالة معارضة بهدف تغيير النظام لاستحالة إصلاحه وعجزه البنيوي عن القيام بأي تغيير، سجن لثلاث سنوات بسبب آرائه ومواقفه العملية في وجه نظام الاستبداد، وبعد خروجه من السجن اثر اندلاع الثورة، شارك في قيادة التظاهرات في الاقليم الكردي السوري، وانحاز إلى شباب الثورة، ثم حاول عقد مؤتمر للإنقاذ الوطنيّ في داخل دمشق إلا أن السلطات قتلت أكثر من خمسة عشر مواطناً ممن كانوا يعدون لعقده إلى أن اغتالته رصاصات الغدر في مدينة قامشلو 7/10/2011.

النموذج الثاني للمثقف الكوردي الغرامشي- لازال حيّاً بيننا ينقد، ويعرى الظواهر الشاذة، ويحثُّ المجتمع على تمثُّل القيم المعرفيّة والاخلاقيّة والدفع بها إلى الامام، أنه الشاعر والمهندس- “فرهاد عجمو الذي يعيب على السياسة الكردية رذائلها، وطرقها الملتوية، ويجيب بطريقته على المتطلبات السياسيّة والتاريخيّة والزمانيّة ،عبر قصيدة تحاول الإفلات من قبضة السياسة واوحالها في بحثه عن الخلود الأبدي، لكنه سرعان ما يسقط في شباكها ،لأن السياسة عند الشاعر فرهاد عجمو؛ هي في كل ما يحيط به وما يصيغه من موضوعات إنسانية نبيلة، لأنه إنسان أولا يشعر ويحس بما حوله، ولأنه ولد وعاش في مجتمع عانى الظلم والاضطهاد والتهميش والاقصاء، لذلك في حالة فرهاد عجمو تشتبك موضوعات الحب، والغناء ،والتأمل، والحياة، والغيب، مع السياسة، لتنشأ بينه وبين السياسة علاقة ضمنية واشتباك لا محدود، فتجد السياسة حضورها الموارب حتى في أكثر قصائده رومانسيّة وذاتية، في تأكيد صارخ على عدم وجود تعارض بين الحقيقة الجمالية والمرامي السياسية، فالموضوعات التي تحرك فرهاد وتستوطنه هي موضوعات إنسانية وقضايا كبرى أقلقت الكائن الإنسانيّ منذ وقت طويل، وهو في إثارته لهذه الأسئلة المقلقلة وفضحه وهجومه على الواقع المأسوي، وعلى الانتهازيّة السياسيّة التي تعشش فيه، وتدفع به إلى الثبات والسكون، يحاول أن يفتح عقول الناس على مصادر جديدة للأمل في سعيهم الدائم نحو الانعتاق والحرية، عبر لغة موسيقيّة وبصريّة غنية بالصور والدلالات، ودمجها بكمٍّ هائل من الصور الواقعيّة والتّراثية ، وإعادة صياغتها على نحو جديد، بتضمين قصائده فلسفته الذاتية المتعددة الابعاد، لأنه يمسك بناصية اللّغة ويجيد تطويعها، معتمداً على التكنيك الغنائيّ في بناء قصيدته المنظوريّة الذاتيّة، وبهذا يحاول أن يعبر عن رؤيته الشخصيّة أو ردة فعله ،تجاه ما يجري من انتهاكات وجرائم بحق الإنسانيّة.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 21 بتاريخ 2015/6/15

التعليقات مغلقة.