دفعت الظروف المعيشية القاسية التي تعيشها معظم العائلات السورية بعشرات النساء في دمشق وريفها إلى القبول بفكرة التخلي عن شعرهن بعد تطويله والعناية به، مقابل الحصول على بعض المال في ظل استمرار الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة.
تجارة مزدهرة
ولا تعتبر تجارة الشعر الطبيعي ظاهرة غريبة عن المجتمع السوري؛ إلاّ أنّها شهدت انتشاراً ملحوظاً خلال السنوات الخمس الماضية ومنها ما يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال البيع المباشر لصالونات الحلاقة والتجميل، وذلك وفق ما أشار إليه “وسام ناصر” الذي يدير أحد صالونات التجميل في مدينة دمشق.
وأشار “وسام ناصر” الذي يبلغ من العمر 41 عاماً، ويعمل منذ تسع سنوات، في صالون حلاقة للسيدات، إلى أنّ الشعر الطبيعي عليه طلب أكثر من الصناعي الرخيص، وقد شاع استخدامه في سوريا بسبب وجود حالات مرضية تحتاج لوصلات الشعر، ثمّ سرعان ما تحول إلى “بريستيج” بين سيدات المجتمع في الحفلات والمناسبات بهدف مواكبة التطور والموضة.
لكنّ هذه الظاهرة -يضيف ناصر- تزايدت في الأعوام الفائتة جراء لجوء كثير من النساء أو الفتيات اللواتي وجدنّ أنفسهن مجبرات على التخلي عن ضفائر شعرهن في محاولة أخيرة منهنّ لتحسين أوضاعهنّ وأوضاع أسرهنّ المادية.
وأوضح “ناصر” أنّ “سعر وصلات الشعر أصبح مغرياً للغاية في السنوات الأخيرة مما يشجع المزيد من النساء على بيع ضفائر شعرهن وذلك بعد العناية بها لتصل إلى طول معين، بعدها يتم وزن الشعر المبُاع بالغرام، ثمّ يُقيم ثمنه وفقاً لطوله ووزنه”.
وتختلف أسعار الشعر الطبيعي “الوصلات” تبعاً لمواصفات الطول واللون وجودته من ناحية النخب (أول، ثاني)، إضافةً إلى قدرته على تحمل درجات تفتيح اللون إلى الأشقر “البلاتين”.
وبحسب “ناصر” فإنّ سعر غرام وصلة الشعر بعد معالجته وحبكه وتكثيفه عبر إدخال شعر من مانح آخر إليه، يقدّر في هذه الأيام بـ 2000 ليرة سورية؛ فيما تتراوح أسعار وصلات الشعر بشكلٍ وسطي في السوق المحليّة بين 150 إلى 200 ألف ليرة، وبعضها يتخطى سعر 300 ألف ليرة.
البيع عبر الإنترنت
من جانب آخر قد لا تلجأ بعض النساء اللواتي يرغبنّ ببيع شعرهنّ أو شعر بناتهن إلى صالونات التجميل، إنّما يعرضنه للبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبأسعار مختلفة يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
وأكدّت السيدة “حنان” وهي أمٌ لأربعة أبناء (ثلاث فتيات وطفل)، تقطن في منطقة “الغوطة” الشرقية بريف دمشق، أنّه لم يكن يخطر على بالها أن تضطر في يومٍ من الأيام إلى بيع شعر إحدى بناتها؛ لكنّ الأمر حدث-كما تقول- مصادفةً عندما شاهَدَت فتيات على موقع فيسبوك يعرضن بيع جدائل شعرهن، وتضيف بالقول “لم أكن أعلم أنّ الشعر يُباع أو كيف؟”.
تتنفس السيدة “حنان” الصعداء، وتشير في حديثٍ مع “اقتصاد”، إلى أنّ هذه السنة كانت أقسى عليها من أي وقت مضى، بسبب ازدياد متطلبات الحياة وضيق الحال الذي ألم بعائلتها بشكلٍ غير مسبوق خلال سنوات الحرب. وتضيف بأسى “على الرغم من أني لم أكن أحب فعل ذلك لكنّ الظروف كانت أقوى مني؛ خاصةً وأنني في حاجة ماسة إلى المال من أجل تأمين بعض مواد التدفئة لفصل الشتاء”.
وقبل عرضها برسم البيع، عملت السيدة “حنان” بنصيحة إحدى صديقاتها؛ حيث وضعت صورةً لضفيرةٍ سميكة سوداء اللون ومجدولة بشكلٍ أنيق لتقييمها من قبل الأعضاء الآخرين المتواجدين في إحدى مجموعات التسوق الالكتروني، مؤكدةً لهم أنّها طبيعية 100% وليست مصبوغة، وبأنّها بحاجةٍ لمساعدتهم في تحديد ثمن مناسب لها.
وبعد نحو خمس ساعات من الأخذ والرد مع المتابعين، تقدّم أحد المهتمين بعرض شراء إلى السيدة “حنان”، فباعت الضفيرة-كما تقول- بسعر بلغ 75 ألف ليرة سورية، وهي الآن تفكر ببيع شعر ابنتيها الأخريين لتؤمن بثمنه بعض الاحتياجات الأخرى لأولادها.
المصدر: اقتصاد
التعليقات مغلقة.