الأناشيد الجهادية:تجذب 90% من المجاهدين وأميركا شنّت حربًا عليها
الأناشيد الجهاديّة مجموعة كلماتٍ بمشاعر حماسيّة، تعتمد على المظلوميّة وتحريك الغرائز بطريقة لاشعورية. يُقال إن أنشودة واحدة في أوقات الحزن كفيلةٌ بدفع الإنسان إلى التفكير بالموت أو الجهاد. أمّا ألحان الأناشيد، فغالباً ما تُستعار من شيء مُحبّب ومألوف، مثل برامج الأطفال، فتعتمد على الصوت والأداء، لا الموسيقى والأنغام.
بدأ انتشارها في أفغانستان أيام السوفييت، وعادت لتتطوّر في الشيشان أيام خطّاب وباساييف، اللذين يُقال إنهما كانا على علاقة وثيقة بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، فكانت انطلاقة ما يُسمّى بـ”الجهاد الحقيقي” يومذاك.
يقول علي، الناشط السوري المهتم بمتابعة معاني الأناشيد ودراستها: “أي إنسان يستمع إلى أنشودة يشعر بحاجة إلى الجهاد”. ويُضيف “لطالما لفتتني صفحات وحسابات على موقع Soundcloud، حينما أردت من فترة وجيزة القيام بعدّة بحوث، والتعمق في معاني الأناشيد وفلسفتها”. يجري تركيز وتثبيت المشاعر على حسّ المظلومية في الأنشودة، ويمكننا المقارنة بين اللطميّة والأناشيد. هذان النموذجان يعتمدان على المظلومية وتحريك الغرائز بطريقة لاشعورية، والهدف منهما شحذ الهمم أولاً، وتغييب العقل ثانياً. إن جذور التحريض الحماسيّ تعود إلى أيام النبي محمد (ص)، يومها كان التحريض يتمّ عبر الأشعار والخطب في المساجد، لا الأناشيد، كما هي الحال اليوم.
“تُشكّل الأناشيد سبباً رئيساً من أسباب التحاق 90% من الشباب بالمجاميع الجهادية”. يشرح أبو سليم الحمصي، من سكّان طرابلس، وهو تاجر حمصي استقر في طرابلس، شمالي لبنان، بُعيد اندلاع الثورة السورية: “أقرب الناس من حولي أطفال لا تتخطى أعمارهم الـ15 عاماً، نراقب تأثير الأناشيد عليهم بوضوح”، وأكثر ما يؤثّر فيهم هي الاصدارات الجديدة(إصدارات جبهة النصرة، أو الدولة “داعش”). إنهم ينتظرونها على أحرّ من الجمر، ومن أهم المنشدين المعاصرين “أبو هاجر الحضرمي وخولان” اللذيْن أنشدا لجبهة النصرة وللدولة الإسلامية ولأنصار الشريعة.
وعن أصول لقب “الحضرميّ” الذي استخدمه أبو هاجر، تُنسب هذه الكنية إلى “العلاء بن الحضرمي عبد الله بن ضِماد اليمني من حضرموت، أسلم قديماً، وهو أخو عامر بن الحضرمي الذي قُتِلَ يوم بـدر كافراً. كان الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي من الصادقين في خدمة الإسلام والمسلمين، ومن كتبة الوحي، وبعثه الرسول (ص) سفيراً وأميراً وجابياً ومجاهداً وقائداً”. أما أصل لقب “الخولان” فيُنسب إلى “خولان القبيلة العربية الأصيلة، من قبائل اليمن القحطانية، ذات عدة وسطوة وشهرة في تاريخ اليمن خصوصاً، والعرب والإسلام عموماً”.
تُعتبر أعمال أبو هاجر الحضرمي الأكثر رواجاً. وقد “وضعت الولايات المتحدة الأميركية الخولان من جديد على قوائم الإرهاب، مع أنه منشد وليس مقاتلاً”. يردد أبو سليم بسخرية، ليضيف موضحاً “نستنتج هنا أن أهمية الأنشودة وتأثيرها دفعتا بالولايات المتحدة إلى الجوء إلى هذا العمل الاستباقي، وهي سابقة لم تحصل من قبل”. أمّا عن المنشدين القدامى، فيروي أبو سليم “من أهم المنشدين القدامى أبو راتب وأبو علي وأبو عبدالله الملك، لأبي علي وأبي عبدالله الملك أعمال ديو مشتركة”.
يتأثّر العرب بالأنشودة أكثر، أما الغربيون فتجذبهم الدعوة إلى الجهاد حصراً، لأنهم لا يفهمون اللغة العربية، لكننا نجد إصدارات خاصة باللغة الأجنبية.
ترفع الأناشيد من مستوى الأدرنالين في جسد الإنسان، يروي أبو سليم عن تجارب أخيه المقاتل في جبهة النصرة، “تقبّله الله، كان أخي الشهيد مجاهداً في جبهة النصرة، وأخبرني مرات عديدة عن العمليات التي يقومون بها. فخلال تحضيرهم للاقتحام أو العمليات الجهادية كانت ترافقهم دائماً سيّارة صوتيات تبثّ الأناشيد، وخلال هجومهم على الحاجز كانت عناصر جنود النظام تهرب وتُخلي مواقعها فور سماعها الأنشودة”.
نسبة تأثير الأناشيد على النافرين الجدد إلى الجهاد عالية: تسعة من أصل عشرة أشخاص ينفرون إلى الجهاد بسبب أنشودة. “أنا أقود سيارتي بسرعةٍ أكبر مثلاً خلال استماعي للأناشيد. لا أرى نفسي ولا أشعر بالخوف أو القلق”. يؤكد أبو سليم الحمصي: “حتى في معسكرات تدريب المجاهدين في سورية، يعتمدون كثيراً على الأنشودة لتُحمّس الشباب. لكلّ فصيلٍ أناشيده وكلماته التي تعبّر عنه. يتم تحضير وتسجيل معظم الأناشيد في العراق واليمن. “وين في منشدين في أناشيد”.
قبل ازدهار الأناشيد الجهادية، كان الاعتماد على الكتب الجهادية ومحاضرات المشايخ.. أما اليوم فقد اتسع نطاق الأناشيد، لتصل إلى سجن رومية اللبناني بأنشودةٍ تم تسجيلها داخل السجن وبها كلماتُ تهديد لوزير الداخلية نهاد المشنوق وللرئيس سعد الحريري.
يروي أبو سليم: “سأخبركِ قليلًا عن طرابلس.. نصف الناس في طرابلس تضع النغمات الجهادية على هواتفها الجوّالة وأنا منهم،.. عندما يرنّ جوالي مثلاً تصدح أنشودة (أذن الإله قيام جبهة نصرة). نحن في طرابلس وليس في الكسليك، لذلك لا خوف من التجول والمجاهرة بالأناشيد”، ويضيف متسائلاً: “ألا تعرفين أن أعداد مناصري داعش في طرابلس أكثر من أعداد مناصري جبهة النصرة؟”.
لا موسيقى في الأناشيد. حينما تدخل الموسيقى يختلف معنى الأنشودة فلا تلقى الرواج نفسه لأنها لا تعود جهادية. لكن هذا يختلف من بلد إلى بلد ومن فصيل إلى آخر. لحماس مثلاً أناشيد خاصة بها تتضمن استخداماً للآلات الموسيقية.
الأناشيد أنواع: منها التحريضي، ومنها الدعويّ ومنها الرثائي. فتنبع الموسيقى من صوت المنشد أو من مؤثرات، شرط ألّا يكون هناك معازف. لذلك، معظم الأناشيد التي لقيت اعتراضاً من رجال الدين كانت تحوي آلات موسيقة. أما المفارقة التي دمجت الفن و”الغسلام” وتسبّبت ببلبلة في الوسطين، فحدثت عام 2012، يوم أعلن المنشد الإسلامي المعروف والملقب بمنشد الجهاد الأول أبو عبدالملك “محسن الدوسري” عن توجهه الجديد إلى إصدار ألبوم غنائي عاطفي مصحوب بالموسيقى. تعرّض يومها لحملة انتقادات واسعة إثر إعلانه عن توجهه الجديد.
لونا صفوان/عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة.