لبنان على شفير الهاوية الطائفية

25

9AP591086228514

 

 

 

 

 

 

 

لم يعد أكبر مخاوف اللبنانيين فشل مجلس النواب المتكرر في انتخاب خلف للرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان، بتعذر تأمين النصاب القانوني لجلسات المجلس عشر مرات متتالية، بما يضرب في الصميم الميثاقية الدستورية التعددية، ولا الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعصف ببلدهم، أو البحث عن إستراتيجية دفاعية موحدة في مواجهة إسرائيل.

مخاوف المواطنين اللبنانيين تنصب اليوم على تداعيات إخفاق الحكومة في إلزام القوى السياسية الرئيسية بتطبيق “إعلان بعبدا” عام 2011، الذي التزمت به تلك القوى بمبدأ “النأي بالنفس” عن الأزمة الداخلية السورية، وعدم التدخل فيها. فهذا المبدأ، حسب ما يراه سياسيون لبنانيون، تجاوزه الزمن بدخول مقاتلي “حزب الله” على خط المواجهات العسكرية في نقاط ساخنة، والعمليات التي نفذها مقاتلون من “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” (داعش) داخل الأراضي اللبنانية، وتحول الموضوع السوري إلى عنصر تجاذب في الاصطفاف والصراعات السياسية الداخلية اللبنانية، بين قوى “8 آذار” و”14 آذار”، وارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي التحريضي، لاسيما بين المكونات السياسية السنية والشيعية على خلفية مجريات الأزمة السورية الطاحنة.

بدورها؛ الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان بفعل انعكاسات الأزمة السورية عليه، جراء استقباله لمئات آلاف النازحين السورين، ألقت بثقلها على التوازنات الهشة في المعادلة السياسية الطائفية اللبنانية بأبعادها الاجتماعية، بعد أن جرى إدخالها على خط التوترات الاجتماعية المزمنة في لبنان، ونشوء توترات بين بعض المكونات الاجتماعية والنازحين السوريين تبعاً للمواقف المتناقضة إزاء الأزمة السورية، دعت مسؤولين رسميين لبنانيين، ومنهم وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، إلى وصف ملف النازحين السوريين في لبنان بأنه “قنبلة موقوتة” مالياً وأمنياً واجتماعياً.

الأحداث التي شهدتها مؤخراً بلدة عرسال اللبنانية على الحدود السورية،من معارك عنيفة بين الجيش اللبناني ومقاتلي “جبهة النصرة” و(داعش)، واختطاف عدد من الجنود اللبنانيين، وقتل (داعش) اثنين منهم بطريقة وحشية، صبت الزيت على نار التوترات السياسية والاجتماعية في سياق طائفي، وتجلى ذلك في شن سلسلة من الاعتداءات العنصرية على نازحين سوريين، وعمليات خطف متبادل بين لبنانيين من سكان بعض قرى البقاع والجرود المحاذية للحدود السورية، وإصدار بلديات لبنانية محسوبة على جهة سياسية معروفة بيانات ضد النازحين السوريين، تطالبهم بالرحيل وتنذرهم بالانتقام منهم إذا رفضوا الانصياع للتحذيرات.

وسائل الإعلام اللبنانية نشرت صوراً مروعة لعمليات تنكيل لحقت بنازحين سوريين، إلا أن ردود الفعل السياسية اللبنانية، الرسمية والحزبية على حد سواء، مازالت دون تلمس جسامة الحدث ومدلولاته وانعكاساته المتوقعة، ولم ترق الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى مستوى وضع معالجات سريعة وحاسمة للظاهرة، ومحاسبة المسؤولين عنها والجهات التي تقف خلفهم وتحميهم، ما ينذر بعواقب وخيمة على الأوضاع السياسية والأمنية اللبنانية.

لبنان على شفير الهاوية مرة أخرى، مدخلها الاعتداءات والبيانات العنصرية ضد النازحين السوريين، الذين لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة، وعودة عمليات الخطف على الهوية المذهبية عطفاً على ملف النازحين السوريين، واتساع منسوب التحريض الطائفي في استحضار لمقدمات الحرب الأهلية التي عصف بلبنان عام 1975، وما زال اللبنانيون يدفعون ثمنها بهشاشة نظامهم السياسي وضعف مؤسسات دولتهم، والتوترات والاحتقانات المجتمعية بينهم، واستمرار سطوة “أمراء الحرب” والطائفية السياسية، وثقل التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي اللبناني.

ونجاح أو فشل الدولة اللبنانية في لجم الاعتداءات والتحريض العنصري ضد النازحين السوريين في لبنان ينظر إليه كامتحان مصيري لها، ولكل القوى السياسية اللبنانية الرئيسية وفي مقدمتها “حزب الله” و”تيار المستقبل”، لجهة قدرتها على ضبط الخطاب السياسي الطائفي ربطاً بالأزمة السورية، ومنع تحويل الخلافات السياسية إزائها إلى مدخل لصراع طائفي يقود إلى حرب أهلية.

وهذا ممكن رغم تعقيدات الوضع اللبناني الراهن، فكما تم التأكيد في مقالة سابقة، إن تداخل الطائفية والسياسية ليس طارئاً في العمل السياسي اللبناني، بل داء متأصل عند القوى الرئيسية التي لا تجد نفسها إلا من خلال تعبيرها الطائفي، غير أن الخطاب الطائفي بقي منضبطاً في حدود يتوخى لها راسموها عدم تهديد السلم الأهلي اللبناني. وعندما تخطى البعض تلك الحدود في سبعينيات القرن الماضي، كان هذا بمثابة فتح بوابة من بوابات جحيم الحرب الأهلية عام 1975.

ومع اختلاف أسماء المحرضين ومواقعهم، والدوافع إلى عودة ارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي التحريضي والسعي إلى زجه في توظيف مصلحي من خلال استغلال فاجعة مقتل جنديين لبنانيين على يد إرهابيي (داعش)، وقبل ذلك ما جرى من جرائم تفجيرات متنقلة في بيروت وطرابلس، تزداد مخاطر جر لبنان إلى حرب أهلية أخرى، تبدأ شرارتها بين السنة والشيعة لتحرق جميع اللبنانيين.

أمام هذا المنعطف الحساس، لا بد أن تدرك كل الأطراف اللبنانية أن حل مشكلات الداخل اللبناني وثيقة الصلة بالعودة إلى روح “بيان بعبدا” قولاً وعملاً.
عن صوت روسيا

التعليقات مغلقة.