واشنطن لا تستعجل ضرب “داعش” في سورية لاستنزاف النظام

31

349

 

 

 

 

 

 

حين ظهر وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي أواخر الشهر الماضي عارضاً على الأميركيين بل طالباً منهم التنسيق والتعاون في ضرب تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، بدا واضحاً أن النظام السوري قرأ التغيرات في الساحة الدولية، وفي المزاج الأميركي، لجهة التحول إلى محاربة “داعش” كفرصة مؤاتية لا بد له من ركوبها بوصفها الأوكسجين الوحيد الذي قد يحصل عليه بينما يتعرض للخنق في غير مكان ولا سيما على يد تنظيم “داعش” الذي يوشك أن يطرد النظام من عموم المنطقة الشرقية.

 

ومع هذا الخيار للنظام الذي يُسقط معه مجمل الخطاب السياسي الذي اعتمده منذ بداية الثورة، والذي طالما اعتبر واشنطن المرجعية الرئيسية لأقطاب “المؤامرة الكونية” التي حيكت ضده، كثّف النظام السوري من تحركه على الأرض ضد “داعش” ولا سيما عبر عمليات القصف الجوي لمواقع التنظيم في شرقي البلاد والتي أوقعت السبت أكثر من خمسين قتيلاً في الرقة، أكثر من عشرين منهم من عناصر التنظيم بحسب بعض وكالات الأنباء والباقون من المدنيين.

 

دعوة النظام واشنطن من أجل اتخاذه شريكاً في محاربة “داعش” قابلتها دعوة مماثلة من جانب المعارضة السورية أيضاً، إذ طلب الائتلاف الوطني السوري من المجتمع الدولي أن يعامل سورية مثلما يعامل العراق، أي توجيه ضربات جوية لـ”داعش” على الأرض السورية.

الرد الأميركي على طلب النظام والمعارضة العون لضرب “داعش” جاء مخيباً لآمال الطرفين

 

 

وفي غمرة هذا التنافس بين ممثلي النظام والمعارضة في طلب العون الأميركي لضرب “الدولة الإسلامية” وطرح كل منهما نفسه شريكاً في الحرب على الإرهاب وفقاً لقرار مجلس الأمن 2170 الصادر بموجب الفصل السابع، جاء الرد الأميركي مخيباً لآمال الطرفين.

 

وقالت واشنطن إن طائراتها ستقوم بالاستطلاع فوق الأراضي السورية من دون إذن النظام، وإن كانت أنباء عديدة أشارت إلى أن واشنطن قد تقوم بتنسيق ما وتبادل للمعلومات مع النظام عبر طرف ثالث مثل الحكومة العراقية أو الاستخبارات الألمانية التي اتضح أنها لا تزال على تواصل مع نظيرتها السورية.

 

الإدارة الأميركية التي بدأت العمل على تشكيل تحالف إقليمي ودولي ضد الإرهاب الذي يمثله اليوم تنظيم “داعش” حرصت على تمرير إشارات إلى النظام بأنه غير مستهدف بهذا التحالف، وأن واشنطن لا تزال تعوّل على تسوية سياسية وتشكيل حكومة انتقالية وفقاً لصيغة مؤتمر جنيف.

 

يقول السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، قبل أيام، إن “إسقاط النظام لم يكن هدفنا من قبل، ولا ينبغي أن يكون الآن. ينبغي أن نسعى إلى مساعدة المعارضة السورية لإلحاق أضرار كافية بالنظام، تدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التفاوض على حكومة جديدة تكون مهمتها الأولى محاربة “الدولة الإسلامية” وطردها من سورية”.

 

وخلافاً لذلك، يرى أو يأمل وربما يحلم فريق في المعارضة السورية بتغير أولويات المجتمع الدولي بشأن سورية من باب محاربة “داعش” استلهاماً للسيناريو العراقي، فتتم إزاحة الأسد من السلطة كما تمت إزاحة المالكي كشرط أو كعامل مساعد على محاربة “داعش” في سورية، كما تتم محاربته في العراق.

 

لكن نجاح هذا السيناريو يفترض موافقة ايران على التخلّي عن الأسد كما تخلّت عن المالكي، أو إبقائه في السلطة مع تقليص صلاحيته بتعديل دستوري مقابل تسوية محلية تقضي بمشاركة أطراف سياسية من المعارضة في المرحلة الانتقالية. لكن الأسد، ولا سيما الكتلة الأمنية الصلبة التي لا تزال تتحكم به، يرفض تقديم أي تنازل، الأمر الذي يشكّل عائقاً أمام أي تسوية من هذا القبيل.

واشنطن ليست مستعجلة على ضرب “داعش” في سورية ما دام التنظيم منشغلاً اليوم بالمعارك مع النظام السوري

 

 

وحتى مع افتراض موافقة الأسد وإيران على بقاء رأس النظام بصلاحيات أقل، فإن مثل هذا الطرح وإن وافقت عليه بعض الشخصيات السياسية في المعارضة، لن يكون مقبولاً من جانب القوى العسكرية والإسلامية على الأرض التي لم تتزحزح عن موقفها الرافض لأي وجود لرأس النظام ورموزه وأجهزته.

 

ويرى البعض أن واشنطن ليست مستعجلة على ضرب “داعش” في سورية ما دام التنظيم منشغلاً اليوم بالمعارك مع النظام، ولا بأس أن يلحق مزيداً من الضعف بالنظام ولا سيما إذا تمكن من السيطرة على مطار دير الزور العسكري، وتالياً مجمل المنطقة الشرقية، وهذا يجعل النظام أكثر قابلية لتقديم تنازلات حقيقية إذا استؤنفت العملية السياسية خلافاً لمواقفه المتصلبة في مؤتمر جنيف التي أحبطت المؤتمر.

 

ومن الناحية العملية، قد تتّبع واشنطن على الأرجح سياسة شديدة البراغماتية في إطار سعيها إلى التوفيق بين جملة من “الأهداف والوسائل” غير المنسجمة، مثل رفضها التعاون مع النظام السوري علناً ورغبتها أو عدم ممانعتها في الإفادة من معلومات النظام وقدراته الجوية لمحاربة التنظيم، في مقابل عدم ثقتها بقوات المعارضة مع رغبتها في بعث رسائل ايجابية للمعارضة بشأن مواصلة واشنطن الوقوف إلى جانبها لإطاحة نظام الأسد.

وواشنطن تدرك أن قبولها الشراكة مع طرف ما ضد “داعش” سيقابله في وقت لاحق مطالبة من هذا الطرف بثمنٍ لموقفه، وهي غير قادرة على دفع أي أثمان للنظام ولا للمعارضة لا تنسجم مع صلب سياستها تجاه سورية والتي تعتمد حتى الآن على التمهّل وترك الأطراف المتقاتلة يستنزف بعضها بعضاً إلى أن تنضج الظروف لتدخّل حاسم قد يكون مرتبطاً بمصالح طرف ثالث، إسرائيل مثلاً، التي تراقب بحذر وتوثّب ما يجري في الحدود الجنوبية لسورية، ولديها فيما يبدو سيناريوهات للتدخل والمساهمة في رسم صورة مستقبل سورية.

عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.