أطفال سوريا عمال في مزارع لبنانية
أثار البرنامج التلفزيوني السويدي «أجندة»، في واحدة من حلقاته الأخيرة، موضوعين شائكين يتعلق الأول بتربية مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش سابقاً) للأطفال في المناطق التي سيطروا عليها في العراق وسورية والعمل المنهجي لإعداد جيل جديد من جنود «الخلافة»، والثاني حول المهاجرين السوريين في لبنان وتشغيل أطفالهم عمّالاً بأجور بخسة وفي ظروف صحية ونفسية سيئة.
صورتان لـ «داعش»
الموضوع الأول فرضته الأحداث الجارية في شمال العراق والسرعة التي تقدم بها التنظيم في مناطق سهل نينوى في هذا البلد واقترابه من حدود عاصمة الكورد. الكثير من المحللين يحيلون التقدم العسكري الى «الدعاية» المؤثرة التي اعتمدها التنظيم لإشاعة الخوف في قلب خصومه والتأثير فيهم سلباً قبل مواجهتهم، وهذا الرأي كان مدخلاً لنقاش حول طرق تسريب أشرطة «داعش» ونشرها في وسائل الإعلام، التي يتردد البعض في نشرها لبشاعتها، في حين يقبل البعض الآخر بنشر أجزاء منها بحجة تعريف الناس بالجرائم التي يرتكبها المتطرفون الإسلاميون في صراعاتهم. لكنّ هناك أمراً آخر أكثر اثارة يتعلق بقدرة التنظيم على كسب مقاتلين جدد اليه عبر نشره صورتين مختلفتين عنه في آن: الأولى قاسية وغاية في الهمجية، والثانية مريحة وفي منتهى الإيجابية تولد انطباعاً بـ «آدمية» مقاتليه كما جاء في الريبورتاج المصور الذي قامت المحطة الإخبارية الغربية «فايس نيوز» بإعداده في مدينة الرقة السورية بموافقة التنظيم. ظهر فيه المقاتلون في أيام عيد الفطر وهم يلعبون مع أطفالهم في الحدائق، يحملونهم على أكتافهم بود، فيما يلعب آخرون ويسبحون في النهر بالقرب من آبائهم وكلهم سعادة.
في المقابلات، عبّر الأطفال، وغالبيتهم من سكان المناطق الخاضعة بالقوة لحكم «الخلافة»، عن رغبتهم في الذهاب الى معسكرات المجاهدين للتدرّب على السلاح والمشاركة في المعارك، وعن استعدادهم للموت في عمليات انتحارية كما يفعل بقية المجاهدين!
وينقل الريبورتاج التلفزيوني حواراً بين «عبدالله البلجيكي» وولده يلخص طبيعة الجيل الذي يريده التنظيم لأبناء مقاتليه وغيرهم أن يكون. قال الطفل إنه «يريد أن يصبح مجاهداً وأنه لن يعود الى بلجيكا لأنها بلاد كافرة وأن الشهادة مبتغاه القريب». ابن «البلجيكي» في التاسعة من عمره!
عن أخطار دعاية «الدولة الاسلامية»، التقى «أجندة» بممثل حكومة منطقة كردستان في السويد شورش قادر رحيم الذي أشار الى تجنيد التنظيم لأكثر من 70 ألف مقاتل من أنحاء متفرقة من العالم بينهم آلاف عدة من أوروبا ومئات من السويد واسكندينافيا. وأكد «أن مجابهتهم هي مجابهة مع دولة إرهابية وليس مع تنظيم متطرف، فحسب. كما ان الأقليم وحده غير قادر على مقارعته من دون مساعدة دوليه. فالحرب على «داعش» هي حرب عالمية على الإرهاب وينبغي على كل دول العالم المجيء الى هنا (كردستان) للمشاركة في دحره».
وصاحبت التقرير التلفزيوني عن أحوال المهاجرين السوريين في لبنان وأطفالهم، مقابلة مع القيادي في حزب «ديموقراطيو السويد» المعادي للمهاجرين جيمي أوكسون شدد فيها على ضرورة امتناع السويد عن قبول مزيد من المهاجرين السوريين، مفضلاً تقديم المساعدة اليهم في أماكن وجودهم البعيدة من حدود بلاده. ويذهب البرنامج لتبيان ما يحمله رأيه من موقف يتعارض مع الروح الإنسانية والتضامنية تجاه لبنان الذي يستقبل أكثر من مليون منهم على رغم ضعف إمكاناته مقارنة بالسويد. وفي حقل لزراعة الكروم، أجرى البرنامج تحقيقاً عن أحوال العاملين فيه من السوريين. غالبيتهم من الأطفال والنساء اللواتي يعملن لساعات طويلة مقابل أجر يومي بخس (6 آلاف ليرة لبنانية)، لا يكفي لتوفير الخبز، ولهذا تضطر معظم العائلات لتشغيل أطفالها في قطف الكروم في ظروف صعبة لا تتحملها أجسادهم الطرية، وهؤلاء بسبب عملهم يُحرمون من الذهاب الى المدارس التي تشترط للدخول اليها دفع مبالغ هم غير قادرين على دفعها. ووفق ممثلة منظمة «بيوند» ماريا عزي، فإن «أحوال الأطفال السوريين والذين يمثلون نصف المهاجرين الى لبنان، سيئة جداً، وأن كثرة عددهم في العائلة الواحدة تُصعب على الأم الذهاب الى العمل وبالتالي تضطر الى دفع أولادها بدلاً منها للقيام به، وفي الغالب يكون صعباً ومرهقاً لهم».
وحول الحلول المرتجاة لأوضاعهم، يقدم مروان فرنسيس من وزارة الخارجية اللبنانية تصوراً يتعارض مع توجه السياسيين السويديين الرافضين استقبال السوريين، ويقول: «على الدول الغربية قبول أعداد أكبر من المهاجرين وألا يكتفوا بتقديم المساعدة المادية عن بعد، لأنها لن تخلصهم من مشاكلهم ولن تخفف الضغط الكبير على الدول المجاورة لسورية». وهذا رأي يشاطره كثر من قادة أحزاب سويدية مقتنعين بأن من واجبهم المساهمة في التخفيف من عذاب المهاجرين السوريين وأطفالهم بفتح الأبواب أمامهم وعدم الاكتفاء بالمساعدات «الإنسانية» لهم من بعد.
قيس قاسم / عن الحياة
التعليقات مغلقة.