نازحون يعودون إلى الرقة بالماكياج والموسيقى
بفارغ الصبر تنتظر ناريمان الضوء الأخضر للعودة إلى مدينتها الرقة، وتحلم بالسير مطولا في شوارعها وهي تضع مساحيق التجميل على وجهها وتستمع إلى الموسيقى بعدما حرمها تنظيم الدولة الإسلامية من ذلك خلال سيطرته على المدينة.
على غرار هذه الشابة، ينتظر النازحون في مخيم عين عيسى الواقع على بعد أكثر من خمسين كيلومترا شمال الرقة، أن يتمكنوا من العودة إلى مدينتهم في أسرع وقت ممكن بعدما اقتربت قوات سوريا الديمقراطية من طرد التنظيم من كل أحياء الرقة، المدينة التي شكلت معقله الأبرز في سوريا منذ ثلاث سنوات.
وتقول ناريمان العبدالله (19 عاما) وهي ترتدي عباءة لونها زهري فاقع “عندما سأرجع إلى الرقة سأضع الماكياج مجددا.. وأعاود الاستماع إلى الموسيقى بعدما حرمنا منها في الرقة”. وتتابع الشابة التي كانت تعمل مساعدة ممرضة قبل سيطرة التنظيم على المدينة، بحماس “سأضع السماعات في أذني وأعود لأمشي في شوارع الرقة.. وأرتدي سروالا”.
ومنع التنظيم المتطرف النساء من ارتداء الثياب الملونة، وألزمهن بارتداء النقاب الأسود والقفازات وتغطية وجوههن. كما فرض على الرجال ارتداء زي خاص فضفاض يعرف باللباس الأفغاني. وتقول ناريمان “اشتقت إلى كل شيء في الرقة… حتى المياه هناك مختلفة، كل شيء مختلف”. بين الخيم تعلو قهقهات أطفال يجرون بأقدام عارية على الأرض خلف السيارات، بينما ينهمك آخرون في إطلاق طائرات ورقية في سماء المخيم، ويغني أحدهم للرقة.
على بعد أمتار تفترش مجموعة من النساء الأرض وتبادر إحداهن إلى سؤال أحدهم أثناء مروره بالقرب منهن “متى بإمكاننا العودة إلى الرقة؟”.
وتسارع النساء إلى تخبئة وجوههن لدى اقتراب الصحافيين خشية التقاط صور لهن. في المقابل يقترب نازحون آخرون من أحد المصورين لمشاهدة صور التقطها لمدينة الرقة. وتشرق وجوههم لدى محاولتهم التعرف على الأبنية والشوارع، لكن سرعان ما يخيم الوجوم عليهم لدى رؤيتهم الدمار الكبير في بعض الأحياء.
وباتت العودة إلى الرقة الحلم الذي يستعجل النازحون تحقيقه. ويقول قيس البوقان (27 سنة)، خريج معهد الموسيقى، إنه يحلم بافتتاح معهد لتدريس الموسيقى في مدينته.
والرقة مدينة عمرها الآلاف من السنين وتتمتع بموقع استراتيجي في وادي الفرات عند مفترق طرق مهم وهي قريبة من الحدود مع تركيا وتقع على بعد 160 كيلومترا شرق حلب وعلى أقل من مئتي كيلومتر من الحدود العراقية.
قبل سيطرة التنظيم على الرقة أمضى هذا الشاب سنوات في تعليم الطلاب العزف على الآلات الموسيقية، وأحبّها إلى قلبه البيانو والأكورديون. ويقول “منذ سنوات لم أعزف أو أعلم أحدا الموسيقى. أتمنى أن أعود إلى منزلي وأفتتح معهدا”.
ويخطط قيس لتنظيم حفل موسيقي في حديقة الرشيد، إحدى أكبر حدائق الرقة، وأن “أعزف للناس وسط جو من الفرح”.
وغالبا ما يرى مدرس الموسيقى مدينته “في الحلم”، ويأمل اليوم في أن يتمكن في وقت قريب من أن يجتمع بزملائه الموسيقيين “ونغني في الشوارع ويسمعنا كل الناس”. وسئم أحمد النوفل (45 سنة)، النازح من حي الدرعية في الرقة، نمط المعيشة في المخيم الذي يؤوي عشرات الآلاف من النازحين.
ويقال عن مخيم عين عيسى إنه مخيم لاجئين خمس نجوم، حيث يتمتع بوجود مركز صحي، وبسطات تبيع الملابس المستخدمة، ومتاجر تبيع الطعام والمرطبات، وخيم بيضاء منظمة في صفوف مقدمة من المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويقول وهو يحتسي الشاي أمام خيمته وملامح التعب بادية على وجهه، “كرهنا المخيم والعيش فيه. لا حائط لدينا نسند ظهرنا إليه. نستمع إلى الراديو ونتصفح الإنترنت كل يوم. نتمنى سماع كلمة ‘عودوا إلى الرقة’ وحينها سيكون العيد”.
لكن رغم شوقه هذا يقول “والله خائفون أن تكون منازلنا مفخخة ويموت أطفالنا ونفقد أرواحنا بعدما فقدنا كل شيء”.
في جهة أخرى من المخيم تتقاسم عائلات عدة خيمة كبيرة، وتفترش أمل جاسم الجمعة (35 سنة) الأرض وحيدة قرب جهاز راديو صغير بحوزتها. وتقول بحزن “هذه الحرب أخذت مني كل شيء، زوجي وأطفالي وبيتي”.
وقتل زوج أمل خلال الحرب، وتقول إن عائلته حرمتها من أطفالها السبعة، مضيفة “آمل أن يعود أولادي ونعيش معا في الرقة وأنسى كل الألم والتعب اللذين عشتهما في هذه الحرب”.
المصدر: العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.