حدث في مثل هذا اليوم29 أبريل/ نيسان

230

29/4/1996

توفي الشاعر الكردي المعروف حامد بدرخان في مدينة حلب ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه في قرية ” شيّيه ” في منطقة جبل الأكراد.

ولد الشاعر “حامد بدرخان” سنة 1924 في قرية شيخ الحديد “شيّيه” التابعة لمنطقة عفرين محافظة حلب، والواقعة على الحدود التركية من الجهة الشمالية الغربية من سوريا والتي سمّاها فيما بعد بصومعة الفكر.

اسمه الحقيقي “حميد بن مراد بن حسن خضر”، هاجر إلى تركيا برفقة والده وأفراد أسرته وهو طفل صغير، حيث استقروا في منطقة قريبة من الحدود مع سوريا تدعى “قرقخان”.

دخل مدارس تلك المنطقة إلى أن نال الشهادة الثانوية، ثمّ انتقل إلى اسطنبول لإتمام دراسته، فدخل الجامعة ودرس في كلية الآداب إلى أن نال إجازة في الأدب التركي، كما درس اللغة الفرنسية في إحدى معاهد اسطنبول حباً بالعلم، وحتى ذلك الحين بنى علاقات كثيرة وأصبح له أصدقاء كثر، نذكر منهم “ناظم حكمت، عزيز نيسن، عابدين دينو، صلاح عدولي وأستاذه ممدوح سليم” وبعد توطيد وتوسيع العلاقات فيما بينهم وبين أوساط المثقفين اتفقوا على أن ينخرطوا في الحياة السياسية، وكان ثمرة تفكيرهم تأسيس الحزب الشيوعي التركي آنذاك.

سافر إلى فرنسا برفقة صديقه “عابدين دينو” إلّا أنه لم يقم فيها فترة طويلة فقرر العودة إلى تركيا، وبعد انقلاب موازين القوى في العالم وانضمام تركيا إلى المعسكر الغربي، منعت الحكومة كل النشاطات السياسية الموالية للاتحاد السوفيتي آنذاك، وشدّت الخناق على الشيوعيين الأتراك ولم يعد لــ”حميد أراغون” وأصدقائه حرية التعبير والرأي، إلّا أنهم كانوا شرسين وعنيدين في التمسك بأفكارهم، لذلك فقد تمّ اعتقاله ووضعه في سجن أنقرة.

بعد مضي فترة في السجن استطاع الشاعر “أراغون” وبمساعدة بعض رفاقه الفرار من المعتقل، ولكن لم يكن بمقدوره العودة إلى أهله في قرقخان “عنتاب” لذلك كانت “شيّه” ملجأه الآمن والأنسب حتى يكون بعيداً عن أنظار المخابرات التركية، فقطع مسافات طويلة ووعرة بين الجبال والوديان إلى أن وصل إلى قريته “شيخ الحديد” عام 1947.

وبسبب قرب قريته من الحدود التركية وخوفه من أن تلاحقه /الميت/ التركي، قرر أن يترك القرية لفترة حتى يتأكد من عدم ملاحقته واستقرار الظروف، فسافر إلى دمشق وعمل في عدّة مجالات لكسب قوته اليومي إلى أن تعرّف على الكثير من الأدباء والمثقفين والشخصيات المرموقة، نذكر منهم الأمير الراحل “جلادات بدرخان”، الذي كان هارباً هو أيضاً من ظلم وطغيان النظام التركي، “الشاعر جكر خوين، الدكتور والأديب نور الدين ظاظا والسيد رشيد حمو” وغيرهم من الكتّاب والمثقفين الكرد الذين كانوا قد عانوا ما كان يعانيه الشاعر “حميد أراغون”، ومن الذين رحبوا به ونالوا ثقته أيضاً “علي الجندي، محمد الجندي، سلوى شحادة، ناديا الجندي، عبد الرزاق عيد، وحيد استانبولي، حنا مينه ونجاح العطار”.

في دمشق وفي إحدى جلساته مع الأمير جلادات بدرخان وبينما كان يروي قصته المأساوية له وعلى الفور عرض عليه الأمير تغيير اسمه من “حميد أراغون” إلى “حامد بدرخان” حتى لا يراوده الخوف من ملاحقته وكان ذلك شرفاً عظيماً له في أن ينال هذا اللقب.

في عام 1951 عاد “حامد بدرخان” إلى مسقط رأسه “شيخ الحديد”، فيها تعرّف على السيد “رشيد عبد المجيد” الذي كان يدرّس في القرية، وعقب توطيد العلاقات بينهما طلب منه “حامد بدرخان” أن يعلّمه اللغة العربية، فرحّب الأستاذ رشيد بذلك وقام بواجبه على أكمل وجه، وغديا صديقين حميمين إلى أن أصبح حامد أحد أفراد أسرته.

وبعد مضي عشر سنوات بدأ الشاعر “حامد بدرخان” بنشر نتاجه الشعري باللغة العربية وكان يقضي أكثر أوقاته في حلب حيث منزل صديقه “رشيد عبد المجيد”، المنزل الذي تحول فيما بعد إلى ملتقى دائم للأدباء والفنانين، والفضل يعود إلى زوجة الأستاذ رشيد السيدة “نازلي خليل” التي كانت ترحّب بكل من كان يتردد على بيتها وذلك لحبها للأدب والفنون وتشجيعها لأصحاب المواهب.

كانت لنازلي خليل الدور الأساسي في بلورة مشروع “حامد بدرخان” الشعري واستمراره في حياته الإبداعية وحتى في استقراره النفسي، فكانت بجانبه في كافة المحن والظروف وكانت بالنسبة له كالأم والأخت والصديقة وحتى ملهمته، وبالإضافة إلى ذلك فقد عوضته باهتمامها به حنان الأهل والعائلة والأولاد إلى أن نالت الحب الأبدي والمرتبة الأولى في حياة حامد حتى قام هو الآخر بإهدائها ديوانه الأول “على دروب آسيا” عام 1983، وترك لها تفويضاً خطياً بأحقية التصرف الكامل بكل ممتلكاته وأمواله وبطبع ونشر كافة أعماله الشعرية وحتى في اختيار طريقة دفنه، وفعلاً قامت بأداء واجبها على أتم وجه، وتكفّلت بكل مصاريف طبع أعماله الشعرية، الكردية، التركية والعربية على نفقتها الخاصة، وهي تدرس إمكانية إنشاء مكتبة وحديقة حضارية تليق بالشاعر في مكان دفنه في مسقط رأسه “شيخ الحديد”

وقد ترك الشاعر “حامد بدرخان” بعد وفاته اكثر من ثلاثين ديواناً من الشعر، منها خمسة عشر باللغة التركية واثنين باللغة الكردية وأحد عشر ديواناً باللغة العربية، بالإضافة إلى مذكراته المفقودة التي لم ترى النور بعد.

التعليقات مغلقة.