في هذه الأيام العصيبة ضمن جميع المفارق الحياتية, تكثر الأحاديث في الحقل البيطري عن مرض أثقل كاهل المربي والتاجر والطبيب البيطري على حد سواء, مرض يختلف تسمياته بحسب ثقافة الموزاييك في منطقة الجزيرة, فالكرد يطلقون عليه ( طبق – Tebek ) كناية بتسميته العربية (الطباق), والعرب يطلقون عليه تسمية حقلية (قلاع) كناية بالعرض المميز للمرض والمتمثل بظهور القلاعات في فم الحيوان المصاب.
وبالرغم من عدم توفر أو عرقلة إمكانيات السيطرة على المرض, يبقى من الواجب إظهار المرض بشكله وخطورته المعروفة, واستيضاح أسبابه ومعالجة وتخفيف الأعراض وكيفية الوقاية منه والتي تعتبر جوهر السيطرة على المرض, وإيقاف امتداده الوبائي والتحور لعترات فيروسية قادرة على الالتفاف باللقاح الخاص به, ولا ننكر الدور السلبي للقطاع الطبي البيطري بشقيه الحكومي والمدني في نشر المرض بشكله السلبي, وذلك من خلال إدخال لقاحات غير مضمونة من ناحية العترات الخاصة بالمنطقة والمعتمدة من قبل السلطات البيطرية التي وضعت برامج تحصين إقليمية دورية, وأيضا من خلال الإهمال في حفظ هذه اللقاحات والتي تتطلب درجات حرارة لاتتجاوز ( 4 ْ درجة مئوية), فما بالك وصول أماكن تواجد هذه اللقاحات إلى 25 – 30 ْ درجة مئوية والتي تقود باللقاح إن كان مضعفا أو مقتولا إلى إظهار التأثير المرضي عوضا عن التأثير الوقائي, هذا ناهيك عن الاستغلال الحاصل في بيع هذه اللقاحات والتي وصل سعرها في الآونة الأخيرة من 3500 إلى 45000 ل.س للجرعة ذات السعة 100 مل والتي تكفي فقط 100 رأس خروف أو نعجة, وكل هذه التداعيات تقود في النهاية إلى استنفار المربي وإثقال كاهله ووقوعه بشكل لا إرادي في الخطأ الطبي الذي يُسرّع من وتيرة انتشار المرض وزيادة ضراوته.
لمحة عن المرض:
من أخطر الأمراض الفيروسية المهددة للثروة الحيوانية عالميا، ولسوء الحظ تعتبر من الآفات المستوطنة في منطقتنا والمتأقلمة عائلياً مع ظروف ومناخ الجزيرة السورية, إذ إن الطريقة الناجعة في إخلاء مثل هذه الأمراض الضارية من المنطقة تكون بالقضاء الكامل على المضيف الرئيسي للفيروس من كافة أجناس الحيوانات المهيئة لاستقباله كما فعلت بريطانيا بحرق جميع الأبقار والعجول ضمن برنامج شامل, وبذلك حققت الخلوّ التام للدولة من المرض وعدم استقبال الحيوانات ومنتجاتها من البلدان المستوطنة بها الفيروس, وهذه الوسيلة بعيدة جدا بالنسبة لبلدنا.
ويعتبر مرض الحمى القلاعية من الأمراض السريعة الانتشار والوبائية, يصيب مختلف أنواع الحيوانات, و بشكل رئيسي الحيوانات مشقوقة الظلف كالأبقار والأغنام ماعدا الجمال التي لديها مناعة ضد المرض, ومن هنا أتت تسميته اللاتينية مرض الفم والقدم (FMD), وتأتي العدوى بالمرض بشكل رئيسي من الحيوانات المريضة بالفيروس والتي تنشرها عبر السيلانات الفموية والبول والروث والحليب, ويلعب العلف والماء وذرات الغبار في الهواء والسيارات دورا كبيرة في انتقال المرض إلى مسافات بعيدة, ومن أهم أعراض المرض الملاحظ على الحيوانات المصابة هو ارتفاع درجة الحرارة حيث إن فترة حضانة المرض قصيرة جدا ويتكاثر الفيروس في الدم ( veraemia ), وبعدها تظهر حويصلات مملوءة بسائل شفاف داخل الفم وخاصة على اللسان وبين شق الأظلاف وعلى حلمة الضرع, ثم يزداد إفراز اللعاب وسيولته, وسبب فقدان شهية الحيوان وعدم قدرته على الأكل هو انفجار هذه الحويصلات ( القلاعات ) تاركة مكانها ندبات تتلوث بالجراثيم وتتعفن محولة المنطقة إلى حالة التهابية انتانية من أهم أعراضها الألم والذي ينبّه الحيوان إلى عدم الأكل, وبالنهاية انخفاض إنتاج الحليب عند الحيوانات الحلوب لفترة طويلة تصل إلى 6 شهور أحيانا, ونسبة النفوق تكون مرتفعة عند الحيوانات الصغيرة حيث تصل إلى 50%, أما عند الحيوانات الكبيرة فهي منخفضة إذ تصل إلى 5%, ومن الآثار السيئة للمرض التسبب في إجهاض الحيوانات العشار ( الحوامل ) والعقم والضعف عند المواليد.
الإجراءات العلاجية والوقائية للمرض:
يعتبر المرض فيروسي ولا يوجد علاج نوعي له, ومعظم الإجراءات الدوائية المتخذة من قبل الأطباء والمربين تهدف إلى منع نشاط الجراثيم الانتهازية والمرافقة للمرض وتكوين انتانات إضافية, وإطالة عمر الحيوان المعد للتسمين قدر الإمكان من خلال الفيتامينات وخافضات الحرارة, وأهم ما يمكن اتخاذه هو:
1- التحصين باللقاح والذي يعتبر العلاج الوقائي للمرض والذي يمنع ظهوره إن توافر فيه كافة الشروط التخزينية والعترات نفسها في المنطقة المصابة, وهذه اللقاحات تعتبر دورية سنوية بالنسبة للأغنام وعلى جرعتين في السنة بالنسبة للأبقار والعجول, وهناك برامج أخرى تتبع تلقيح ماشية الحليب كل 4 شهور وماشية التسمين كل 6 شهور, ويتم الحقن تحت الجلد.
1- الحقن بخافضات الحرارة, أو استخدامها مع ماء الشرب مع فيتامين C
2- غسل الفم بمحلول الشبة 1% وحمض البوريك 5% أو دهنه بمرهم البوريك مع كلورات البوتاسيوم, أو يغسل الفم بماء الخل 5% ثلاث مرات يوميا
3- تطهير القروح المتواجدة في شقوق الظلف بمحلول كبريتات النحاس 10% عدة مرات في اليوم أو يدهن بزيت القطران
تعتبر هذه الخطوات العملية في السيطرة على المرض أكثر شيوعا لدى العاملين في الحقل البيطري, فالمربي أصبح يدرك خطورة المرض وتبعيته الاقتصادية القاسية ولم يعد بحاجة إلى برامج توعية كما تتخذ في بعض الدول, فأصبح يكتشف بدايات ظهور الحالة اكلنيكيا ويقوم بتلقيح قطيعه بنفسه, ويعقم وينظف أماكن تواجدها, ويدعمها بالفيتامينات الخاصة بالمناعة والى درجة يقوم بحقن مضادات حيوية وقائية للجراثيم المرافقة للمسبب الفيروسي بالمرض, إلا إنه دائما تخلق حلقات وثغرات تحبط جميع تلك النقاط الوقائية والعلاجية للسيطرة على المرض, ومن أهم تلك الثغرات هو عدم تامين اللقاح المعتمد من قبل منظمات الدولية وبالعترات الخاصة بالمنطقة, وعدم توفير شروط حفظ هذه اللقاحات ضمن درجة حرارة لأتزيد عن 4 درجة مئوية, وهي الدرجة المثلة لبقائها ضمن الفعالية التحصينية للمرض, وان لم يتم التقييد بهذا الشرط فيتحول اللقاح إلى سلاح ممرض وهو الأثر العكسي له, وشرط الحفظ يعتبر السبب الرئيسي لتفشي حالات الحمى القلاعية في الجزيرة, حيث انهيار الثروة الحيوانية وسقوطها بيد جهلاء المهنة جعل من ضعاف النفوس غير مبالين بضرورة بقاء هذه اللقاحات التي أشبه بالألغام في درجات حرارة تضمن فعاليتها الايجابية وعدم تحولها إلى سم قاتل وبائي كما الحال الان مع المرض الذي في متناولنا .
التعليقات مغلقة.