سجن تدمر: أحد أسوأ أماكن الاعتقال بالعالم الذي يقول ضباطه لا وجود لله فيه

50

سجن تدمر (2)“عندما أخذونا إلى سجن تدمر، قال لنا أحد الضباط الذي كان في استقبالنا، هنا لا وجود لله. لقد منعَ الرئيس حافظ الأسد الله من دخول هذا السجن، نحنُ هنا من يمثّل الله، نحن نحيي ونحنُ نُميت”. بهذه الكلمات يصف “علي أبو دهن” السجين السابق في سجن تدمر الدقائق الأولى لوصوله إلى السجن.

عاد “أبو دهن” بذاكرته إلى هذه الحادثة، بعدما أثير الحديث عن سجن تدمر بعد سيطرة ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدينة تدمر شرق حمص في 20 مايو/ أيار الجاري، حيث تحتضن المدينة سجناً يعد من أسوأ أماكن الاعتقال في العالم وفقاً لتصنيفات مواقع تعنى بقضايا السجون كموقع “كريمينال جاستيس ديغري هاب”.

ويعد سجن تدمر وصمة عار على جبين حكم آل الأسد الذي أراد من خلاله تعذيب المعارضين وخنقهم وجعلهم يطلبون الموت مئة مرة في اليوم ولا يجدونه، بالإضافة إلى معتقلين من جنسيات أخرى لا سيما لبنان وفلسطين. وظل هذا السجن محاطاً بالسرية التامة وأصبح شبه ما يكون بمكان معزول عن هذا العالم، فلا نزلاؤه يعرفون ما يدور خارج حدود سجنهم، ولا من هم خارجه يعلمون ما يدور بداخله.

مجزرة تدمر

تأسس سجن تدمر في عام 1966 ويقع بالقرب من آثار تدمر الشهيرة، على بعد نحو 200 كيلو متر شمال شرق دمشق، وهو في الأساس سجن مخصص للعسكريين وتشرف عليه الشرطة العسكرية.

ولا أحد حتى الآن يعلم بشكل دقيق أعداد الضحايا في سجن تدمر، لكن المعروف أن السجن شهد في يونيو/حزيران عام 1980 مجزرة مروعة، ارتكبتها قوات النظام بحق المساجين، عبر إعدام ما لا يقل عن ألف شخص بحسب إحصاءات لمنظمات حقوقية.

وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “وحدات كوماندوس من سرايا الدفاع تحت قيادة رفعت الأسد، شقيق الرئيس حافظ الأسد قتلت ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، انتقاماً من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد مؤكدة أنه لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقاً”.

وبدأ العالم يعرف تفاصيل هذه المجزرة، بعدما اعتقلت السلطات الأردنية اثنين من المشاركين بها، كانا ضمن مجموعة اتهمت بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق مضر بدران، حيث أدليا بتفاصيل المجزرة، ما فتح الباب أمام مطالبات المنظمات الإنسانية ومن بينها “منظمة العفو الدولية” إلى مطالبة نظام الأسد بإجراء تحقيق في المجزرة، لكن دون جدوى.

كما وثقت منظمات حقوقية سبع مجازر جماعية في سجن تدمر وقعت خلال الأعوام 1980 و1981 و1982 وراح ضحيتها مئات السوريين، فضلًا عن تنفيذ النظام لإعدامات جماعية لم تتوقف بحساب معتقلين سابقين إلا في العام 1994.

أساليب التعذيب

ولا تخرج أساليب التعذيب المتعبة في سجن تدمر عما هي عليه الآن في بقية معتقلات نظام الأسد، وتشير منظمات حقوق الإنسان إلى أنه يوجد أكثر من 40 طريقة للـتعذيب والمعاملة السيئة المستخدمة في المعتقلات السورية والتي تجمعت من شهادات سجناء ومحتجزين سابقين تم تجميعها خلال سنوات عديدة.

ومن أبرز أساليب التعذيب في سجن تدمر “الكرسي الألماني”، والذي يقوم خبراء التعذيب في سورية بإحداث بعض التعديلات عليه لإحداث أنواع إضافية من الألم والعاهات أحياناً، والذي يسمى بعد التعديل “الكرسي السوريّ”.

وتقول منظمات حقوق الإنسان إن حراس السجن يمتلكون صلاحيات مطلقة، وهو ما أكدته الشهادات عن مجزرة تدمر، حيث كان القتل كيفياً مسموحاً به لدى السجانين والعناصر المشاركين بالمجزرة.

وبالإضافة إلى هذا يحرم السجناء من وجود الكتب والتلفاز أو الراديو، فالتعذيب في فلسفة السجانين هو العمل الترفيهي الوحيد المسموح به.

شهادات معتقلين

وعلى الرغم من الأبواب الموصدة وسياسة التغييب التي اتبعها المسؤولون عن السجن، إلا أن قصصاً مروعاً خرجت للعلن مع الإفراج عن بعض المعتقلين الذين أراد الله لهم البقاء على قيد الحياة، ومن بينهم “أبو دهن” رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، الذي قضى 5 أعوام في سجن تدمر، حيث يقول إن السجناء تجري معاملتهم بطريقة أقل ما يقال عنها إنها وحشية.

ويضيف “أبو دهن” أنه بعد “عامين من وجودي في تدمر، أتى أحد السجناء السوريين الذي كان مسجوناً في سجن أبو غريب في العراق، وبعدما رأى ما تخفيه جدران تدمر، تمنى حينها أن يعود إلى حيث كان». وتابع: “كنا ننام ولا نعرف إذا كنا سنفيق في اليوم التالي. نعيش الموت كل يوم وكل ساعة. حتى أنّهم كان يجبروننا على ضرب بعضنا بعضاً، عقاباً”.

ويشير “أبو دهن” إلى ألفاظ الكفر الذي كان الضباط يتلفظون بها أثناء وصول المعتقلين إلى السجن، فيما يبدو أنه سياسة ممنهجة أرادوا من خلالها إرهاب المعتقلين وإقناعهم بأن لا أمل لهم في الخروج من هذا المكان الموحش.

فيما يقول المعتقل السوري السابق محمد برو إنهم “كانوا يغبطون زميلهم الذي ينفذ فيه حكم الإعدام، نسبة للشقاء المستمر الذي ليس لديه نهاية معروفة للأحياء في السجن”، ويشير إلى إن التعذيب كان عشوائياً ليس له قواعد، وإنه يبدأ مع وجبة الإفطار صباحاً ويستمر حتى وجبة الغداء، ثم يرتاح الجلادون ساعتين ويعودون لمواصلة التعذيب”.

وكُتبت الكثير من الروايات والكتب التي كشفت عن المستور، كرواية “القوقعة” للكاتب مصطفى خليفة الذي تحدث في فصول روايته عما يحصل داخل السجن من عمليات إعدام وتعذيب بحق السجناء الإسلاميين وغيرهم. كما وصف الشاعر السوري فرج بيرقدار أحد معتقلي تدمر السجن بأنه “وصمة عار على تاريخ سورية والبشرية جمعاء”.

وبحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” فإن سجن تدمر حوى عدداً هائلاً من صغار السنّ والشباب منذ الثمانينات، وكانوا بمعظمهم مجرد أقارب لأناس متهمين بالانتماء لجماعة “الإخوان المسلمين”. وفي شهادة أحد السجناء السابقين أن 2000 سجين من هؤلاء قد تمّ فصلهم في مساكن خاصة عن البالغين والسجناء الأكبر عمراً.

وتقول مصادر تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن إنها أكملت توثيق أسماء 932 طالباً، تتراوح أعمارهم بين الـ16 والـ20 حين تم اعتقالهم في بداية الثمانينات، ويُعتقد أنهم بقوا أحياءً حتى عام 1995، أي بعد 15 عاماً من الاعتقال.

وعلِمت المنظمة لاحقًا أن بعض من هؤلاء الطلاب كانوا من مجموعة “السجناء السياسيين” المُفرج عنهم في مارس 1995 ، وقد طلبت المنظمة قائمة الأسماء المفرج عنها من السلطات السورية لكنها لم تتلق أي رد.

مصير المعتقلين

وإلى الآن وحتى بعد سيطرة “تنظيم الدولة” على مدينة تدمر ودخولها إلى سجنها المشؤوم ما يزال الغموض يلف مصير آلاف المعتقلين، وسط حديث عن إفراغ النظام السجن من المعتقلين قبل انسحاب قواته من المدينة، حيث ذكرت مصادر في المعارضة السورية  أن النظام نقل السجناء الذين قد يفوق عددهم 20 ألفًا من سجن تدمر إلى مكان آخر، قبل نحو يومين من وقوع المدينة بيد التنظيم، وهو ما أظهرته الصور التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، مبينة أن غرف السجون فارغة والأبواب مفتوحة.

السورية نت

التعليقات مغلقة.