الحكومة التركية تعلم أن نصف الشعب يكرهها
تصريحات آرينتش تشكل حافزا للمعارضة لاستغلالها في حشد قواعدها والفوز في الانتخابات البرلمانية في خطوة تمهد لحصار الحزب الإسلامي وقطع تغلغله.
أنقرة – أثار اعتراف نائب رئيس الوزراء التركي بولنت آرينتش بأن نصف الشعب التركي يضمر كراهية لحزب العدالة والتنمية الحاكم جدلا واسعا في الأوساط التركية المحلية والدولية أيضا.
وجاء اعتراف أرينتش في وقت تستعد فيه الأحزاب السياسية في تركيا لخوض الانتخابات العامة التي من المقرر إقامتها في يونيو المقبل.
وقال آرينتش، الذي يشغل أيضا منصب المتحدث الرسمي باسم الحكومة المحافظة برئاسة أحمد داوود أوغلو، إن نصف الشعب في تركيا بات يضمر كراهية للحزب.
جاء ذلك خلال مشاركة لآرينتش في أحد البرامج التليفزيونية قال فيها “نحن (العدالة والتنمية) نحصل على أصوات بمعدل 50 في المئة ولكن الـ50 في المئة الأخرى تكرهنا، وهذا لا يعتبر عائقا لـمعدل أصواتنا البالغة 50 في المئة. إلا أن تركيا قد تتحول إلى دولة تصعب أو تستحيل إدارتها”. وأضاف “في السابق كنّا ننزل إلى الشوارع والميادين وكان جمهورنا يحبنا كثيرا كما كانت الفئات المعارضة تحترمنا على الأقل. لكنني اليوم أشعر بأن هناك نظرة كراهية لحزبنا. هناك حالة من التحجر والاستقطاب”.
ويقول مراقبون إن حزب العدالة والتنمية يحصل دائما على دعم 50 في المئة من الشعب، وأن الـ50 في المئة الأخرى لا تحب العدالة والتنمية، وأن الفئة التي تصوت للعدالة والتنمية تفعل ذلك لأنها تشعر بقلق من انقطاع بعض المساعدات التي تحصل عليها من الدولة، أو بسبب علاقات المصالح، أو بسبب الخوف من زعزعة الاستقرار وكذلك بسبب كون أحزاب المعارضة ضعيفة.
ويبدو أن ارينتش كان يتحدث في لحظة مصارحة مع النفس نادرا ما تصدر عن الساسة الأتراك المشاركين في السلطة.
وتطرق آرينتش في معرض حديثه إلى الإجراءات التي كان من شأنها هدم وعرقلة الأحزاب السياسية التركية في الماضي موضحا أن حزب العدالة والتنمية قد يقع في الأخطاء ذاتها.
وقال “يجب الابتعاد عن الظلم ويلزم أن نكون إلى جانب الحق. وإذا تمكنا من إحياء وبقاء هذه العناصر فلن تقدر أي قوة في الكون أن ترهبنا. لكن إذا بدأنا في اتخاذ خطوات في طريق الظلم أو عدم أداء الأمانة لأهلها أو اتباع سياسة الحصول على منافع قصيرة الأجل ومرتكزة على المصالح فعندها قد تحدث مشكلات. هل هناك شيء من هذا في حزب العدالة والتنمية؟ ربما يكون”.
ويظهر من تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي اعتماد الحزب الحاكم بشكل كبير على جمهوره من الإسلاميين والمهمشين الذين يصوتون للحزب طلبا للمساعدات التي أقرها الرئيس رجب طيب أردوغان عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، أو هؤلاء الذين يرتبطون بالحزب وأيديولوجيته.
وتابع أرينتش “الخلاصة أننا نتحدث عن حزب مواده الخام أفراد من البشر وبقاؤه في الحكم يتعلق بجودة المواد الخام. يجب أن تؤدى الأمانة إلى أهلها. إن مثل هذه المشكلات هي التي جعلت حزبي الوطن الأم والطريق القويم ينهاران وينعدمان وإن ذلك أيضا هو الذي جعل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، يستمر على هذه الحالة (البقاء في المعارضة)”.
لكن حزب الشعب الجمهوري له رأي آخر. فقادة الحزب يتوعدون في تصريحاتهم، التي أخذت في التصاعد منذ الإعلان عن موعد الانتخابات، بالفوز هذه المرة على الحزب الحاكم الذي يقولون إن أردوغان ساهم في تقليص شعبيته بعد الإجراءات القمعية التي لجأ إليها ضد الصحف المعارضة وضباط شرطة اتهمهم بالضلوع في مؤامرات ضد سلطته.
وتمحورت هذه الاتهامات حينها في التعاون مع ما يسمى داخل العدالة والتنمية بـ”الكيان الموازي”، وهي حركة الخدمة التي يتزعمها رجل الدين والحليف السابق لأردوغان فتح الله غولن.
وتستغل أحزاب المعارضة أيضا رغبة أردوغان في حصر كافة السلطات في يديه وتوظف خطابه الاستبدادي في محاولة لحشد المزيد من أنصارها من أجل التصويت لصالحها، أو على أقل تقدير محاولة إقناع جزء كبير من القاعدة الشعبية للحزب الحاكم بعدم التصويت له.
لكن بعض المراقبين ينظرون إلى اعتراف ارينتش بأنه قد يكون محفزا أيضا في الحركة السياسية الغنية التي تشهدها تركيا الآن استعدادا للانتخابات، ويرون أن المعارضة أمام فرصة ثمينة لاستغلال هذه التصريحات في حشد قواعدها والفوز بنسبة مقاعد في البرلمان تتمكن من خلالها من حصار الحزب الإسلامي الذي يرغب في السيطرة على الأغلبية المطلقة.
ونجاح العدالة والتنمية في تأمين الاغلبية يسمح لأردوغان بتغيير الدستور بطريقة تمكنهم من تركيز كافة السلطات في يديه، وهو ما تخشاه أحزاب المعارضة التي ترى في الرئيس الحالي نموذج لدكتاتور قمعي.
لكن الوقت مازال مبكرا لحسم الموقف في تركيا، التي قد تسقط في شباك الأسلمة الكاملة إذا ما لم يواجه الإخوان معارضة علمانية قوية.
العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.