حدث في مثل هذا اليوم اندلاع “ثورة أيلول” التي انتزعت “الحكم الذاتي الكردي” من البعث العراقي
اندلاع ثورة أيلول المجيدة بقيادة الملا مصطفى البارزاني في كردستان العراق، والتي تم من خلالها انتزاع الحكم الذاتي لإقليم كردستان بعد سقوط الدولة العثمانية تشكلت الجمعيات الكردية في الآستانة وفي الولايات الكردية الأخرى في العمل العلني لتوعية الشعب الكردي ولغرس الروح الوطنية والقومية فيهم.. وكانت مبادئ (ويلسون) ومنها المادة (12) التي تنص على حق تقرير المصير للشعوب ومنها حق تقرير مصير الشعب الكردي إذ ساعدت تلك الأحداث على تعميق الوعي القومي فاندفع علماء الدين والمشايخ الأعلام والمثقفون والسياسيون الكرد ومن خلال الجمعيات والأحزاب الكردية بطلب رسمي باستقلال كوردستان الى جانب ازدياد نشاطاتها ومنها فتح فروع لها في كافة مدن كوردستان.. وتقدم الكرد الى مؤتمر الصلح في باريس بطلب الاستقلال أسوة ببقية الأقليات الأخرى.. وكان الجنرال شريف باشا الكردي قد ترأس وفد الكرد إلى المؤتمر الذي عقد في باريس وقدم المذكرة وخريطتين بضمنها مطالب حقوق الشعب الكردي.. وكان الجنرال شريف باشا ورفاقه قد قدموا مذكرتين في 22 مارس عام 1919 والثانية في الأول من مارس عام 1920، إلى جانب أنه وقّع مع ممثل الأرمن بوغوص نوبار باشا في شهر تشرين الثاني عام 1920 اتفاقاً بين الكرد والأرمن بتقديم طلب مشترك إلى مؤتمر الصلح يحددان فيه حقوقهما القومية للتخلص من السيطرة العثمانية.. وكانت قضية كوردستان قد اكتسبت منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى أهمية سياسية كبيرة نظراً لموقعها الجغرافي المهم ولوقوعها بين تركيا وإيران والعراق وسوريا وتزايدت الأهمية بصورة أكثر وضوحاً بعد الحرب العالمية الثانية وتم تقسيم الحلفاء لدول الشرق الأوسط بينهم كغنائم حرب ثمناً لانتصارهم على دول المحور وتم ضم كوردستان الى تركيا وإيران والعراق وسوريا. * وفي كوردستان الجنوبية (العراق) فقد بدأت ثورات وانتفاضات شعبنا الكردي في بدايات القرن الماضي من خلال ثورة الشهيد الشيخ عبد السلام البارزاني وثورة الشيخ محمود الحفيد الذي شكّل حكومة في مدينة السليمانية وأعلن نفسه ملكاً على كوردستان وحركة الشيخ أحمد البارزاني وثورتي بارزان الأولى والثانية التي قادها البارزاني الخالد وثورتي أيلول العظيمة وكولان وانتفاضة آذار عام 1991. * بعد انتصار ثورة 14 تموز عام 1958.. وبعد فراق دام اثني عشر عاماً عن وطنه الغالي على قلبه العراق عاد إلى وطنه الجنرال مصطفى البارزاني رمز الأمة الكردية وابنها البار بسبب الاغتراب بالاتحاد السوفييتي السابق مع رفاق دربه البيشمركة الأوفياء وقد وصل إلى بغداد في السادس من تشرين الأول من نفس العام.. وعانى ما عانى في غربته مع رفاقه من حياة شاقه مليئة بالصعاب والتحدي في منفاهم.. وكان في استقباله ببغداد الآلاف من محبيه ومن جميع شرائح المجتمع العراقي وكان من ضمنهم الوفد الشعبي لكرد بغداد وفي اليوم التالي قام البارزاني الخالد بزيارة الزعيم عبد الكريم قاسم وأعضاء قيادة الثورة حيث قدم البارزاني شكره وعرفانه لهم وقدم نفسه ورفاقه البيشمركة بأنهم جنود من جنود الثورة وكانت الثورة وطنية المبادئ وحظيت بدعم وتأييد كل شرائح المجتمع العراقي وقواه وأحزابه الوطنية وفي مقدمتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه البارزاني الخالد وكانت حكومة الثورة قد أقرّت واعترفت بالقومية الكردية كثاني قومية في البلاد ضمن المادة الثالثة من دستور جمهورية العراق وأجازت للحزب الديمقراطي الكردستاني حق ممارسة نشاطه العلني وممارسة دوره في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وصدرت في بغداد جريدة خبات الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل رسمي وعلني.. ولكن حكومة عبد الكريم قاسم أخذت تتمادى تجاه البارزاني الخالد والحزب الديمقراطي الكردستاني ولم تلتزم بما تم الاتفاق عليه وشرعت الأجهزة الحكومية ومنها الأجهزة الأمنية بممارسة حقدها وعدائها تجاه شعبنا الكردي فأدّت تلك الأحداث الى تأزّم العلاقة بين عبد الكريم قاسم والبارزاني الخالد إذ قامت تلك الأجهزة بإغلاق جريدة خبات ومضايقة ومطاردة وحجز واعتقال وإبعاد الكثير من ملاكات وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني ومؤازريه في بغداد وفي مدن كوردستان الأخرى إلى جانب محاولة اغتيال البارزاني الخالد بعد تخطيط من قبل عبد الكريم قاسم وذلك بقصف مقره بطائرات القوة الجوية ولكن عناية الباري عزّ وجل ردّت كيدهم إلى نحورهم وأفشلت خططهم فضلاً عن ذلك قامت حكومة بغداد بتحريك قطعات الجيش العراقي لمهاجمة مدن كوردستان وخاصة قصف مدينة بارزان معقل نضال شعب كوردستان بالطائرات وبقنابل النابالم المحرمة دولياً وما جرى من أحداث ولعدم الإيفاء بما تمّ الاتفاق عليه وبعد فشل المفاوضات لتهدئة الأوضاع التي كانت تطالب بها قيادة البارزاني الخالد من حكومة بغداد وعلى الرغم من تلك الضغوطات تجاه شعبنا وقيادته إلا أن القيادة الكردية لم تبادر بأي تحرُّك عسكري أو عمل تخريبي بل عمدت إلى إجراءات احترازية تحسباً لهجمات وشيكة أخرى فقد كان توقيت إعلان الثورة مرهوناً بتحريك قطعات الجيش العراقي صوب مدن وقصبات كوردستان إذ قامت تلك القطعات العسكرية البرية بالهجوم على مدن كوردستان من محورين الأول كان محور جلولاء – السليمانية والمحور الآخر كان محور كركوك – السليمانية.. إلا أن البارزاني الخالد وبحكمته المشهورة بها كان يحاول بشتى السبل أن لا تتدهور الأمور إلى ما عليه وأن تبقى العلاقة طيبة وإيجابية مع الزعيم عبد الكريم قاسم ولكنه لم يستجب لتلك المحاولات والمذكرات التي قدمت له وآخرها في الثلاثين من تموز عام 1961 عندما قام شعب كردستان في كافة مدنه بالإضراب العام للسياسة غير العادلة التي تبنتها الحكومة العراقية.. وكان البارزاني الخالد قد وجه نداءه الى الشعب العراقي في بداية ثورة أيلول: (إنني لم ولن أحارب الشعب العراقي.. هذا الشعب الذي أنتمي إليه.. إن نضالنا هو ضد الاستعمار وعملائه وضد أولئك الذين امتصوا دماء شعبنا العراقي وداسوا بأقدامهم سيادة الوطن ومصالح الشعب). * وهكذا اندلعت الثورة الكردية الجبارة في الحادي عشر من أيلول عام 1961 حيث انتفض شعب كوردستان بأعظم ثورة تحررية عرفها شعبنا الكردي في تاريخه الطويل من أجل حماية حقوقه المشروعة وللدفاع عن النفس والعرض حيث تحمل شعبنا الكثير من المصاعب والويلات ولكن بهمة أبنائه الغيارى والمخلصين من شعبه الصامد ومن قيادة وكوادر ومناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الجنرال مصطفى البارزاني استطاعوا أن يفجروا تلك الثورة وهي تعتبر بحق من أعظم وأكبر الثورات الجماهيرية في تاريخ الأمة الكردية المعاصرة من حيث السعة والقدرة القتالية والروح النضالية والسياسية والتنظيمية..
وكانت الثورة قد وحدت إرادة شعبنا الكردستاني بمختلف فئاته الوطنية والقومية من أجل التحرر من الظلم والاستبداد.. وقد تميزت ثورة أيلول عن الثورات الأخرى بأنها ثورة شاملة ضمت في صفوفها كل شرائح المجتمع الكردستاني وكانت أهدافها واضحة المعاني ولها خطاب سياسي واضح ومحدد المعالم يعبر عن آلام وآمال وإرادة شعب كوردستان وليست محددة بمنطقة واحدة أنها كانت من زاخو إلى خانقين لأن البارزاني الخالد والحزب الديمقراطي الكردستاني كانا يؤمنان كل الإيمان بأن الديمقراطية للعراق هي الطريق الوحيد والصحيح لضمان الحقوق المشروعة لشعب كوردستان..
وكان أمام الثورة ثالوث خبيث ومؤذِ لشعبنا صنعته حكومات الدكتاتوريات البائدة وهو: (الظلم والجهل والفقر) إلى جانب تعريب المناطق الكردية وعانى شعبنا على مر تاريخه الطويل من ذلك الثالوث الخبيث ومن التعريب ومن الحكام الجائرين الذين كانوا يمارسون ضده كل صنوف الإرهاب والتعسف والتمييز العرقي والعنصري.. وكان شعبنا دائماً الضحية بالرغم من كل تلك الأعمال غير الإنسانية التي حلت بهم وبأرضهم لم يمارس الكرد ردّ الفعل المعاكس تجاه إخوانهم العراقيين بالعكس من ذلك إذ وفرت ثورة أيلول المناطق المحررة من كوردستان لتكون الملاذ الآمن للمناضلين العراقيين الأحرار ولأن شعار الثورة المركزي كان: (الديمقراطية للعراق.. والحقوق المشروعة للشعب الكردي) وكانت الثورة قد قامت بوجه وضد الحكام الدكتاتوريين الذين لا يعرفون غير لغة العنف والحقد ضد شعبهم وكان شعبنا الكردي قدّم من أجل ذلك الغالي والنفيس وأنهاراً من الدم الطاهر لخيرة شبابه ورجاله الذي سال على أرض كوردستان وفي المدن الأخرى في سبيل حقوقهم المشروعة على مدى تاريخه المشرف..
إلى جانب ذلك كان البارزاني الخالد يؤكد تمسكه بالأخوة العربية الكردية ويقول: إن صراعنا هو مع حكومات ظالمة وحاقدة لا تؤمن بالديمقراطية ولا بحقوق شعب كوردستان وأن القتال الذي فرض علينا كان قد فرض من تلك الحكومات وليس من الشعب العربي إلى جانب أنه كان يؤمن أشدّ الإيمان بأنّ الأمة العربية هي أمة شقيقة للأمة الكردية وأن انحسار أو انكسار (لا سمح الله) أي منهما سيؤثر سلباً على الآخر ومن هذا المنطلق جاء تأكيده على التحالف الأخوي بين الكردي والعربي.. وكانت المناطق المحررة من كوردستان الملاذ الآمن لكل الأحزاب والكتل السياسية وكان البارزاني الخالد يؤمن بالآراء الإسلامية المعتدلة التي لا تفرّق بل وتمنع سفك الدماء بين العراقيين وعاش متواضعاً ولا يميل عن إسلامه وتديّنه وكان محط إعجاب إخوانه من علماء الدين الإسلامي من كلتا الطائفتين السنية والشيعية وإلى تمتعه بمكانة خاصة في قلوب المسيحيين والأديان الأخرى.
* واستمرت ثورة أيلول من نصر إلى نصر حيث سطر فيها بيشمركة كوردستان الملاحم تلو الملاحم في معارك الشرف ومنها ملاحم جبال كورك وهندرين وزوزك وكلّي زاخو حيث كبدوا فيها المعتدين الكثير من الخسائر والاستيلاء على الكثير من الأسلحة والأعتدة مما اضطرت حكومة بغداد إلى وقف إطلاق النار وإجراء المفاوضات مع قيادة الثورة الكردية ومنها بعد سقوط حكومة عبد الكريم قاسم حيث عقد في مدينة كويسنجق يوم الثامن عشر من آذار عام 1963 مؤتمر شعبي ضم جميع الشرائح الوطنية الكردية ومنهم رؤساء العشائر دعا إليه البارزاني الخالد وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل تشكيل وفد مشترك بغية إرسالهم إلى بغداد والتفاوض مع الحكومة الجديدة من أجل حل القضية الكردية وأثناء فترة وجود الوفد المفاوض في بغداد اندلعت المعارك مرةً أخرى مع قوات الحكومية الجديدة وعلى إثر ذلك قامت القوات الحكومية بحملة اعتقالات واسعة ضد أعضاء وملاكات الحزب الديمقراطي الكردستاني وكان من ضمن المعتقلين شقيقي الأكبر، الذي جرى تعذيبهم في سجن محكمة الشعب وفي سجن خلف السدّة إلى جانب اعتقال أعضاء الوفد المفاوض وزجوا بهم في الزنازين والمعتقلات وتعرضوا خلالها لأبشع أنواع التعذيب واستشهد عدد كبير منهم من جراء ذلك التعذيب.
* في العاشر من شباط عام 1964 وبعد أن تسلّم السلطة عبد السلام عارف زمام الأمور في بغداد تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الكرد وتم الاتفاق على إحياء المفاوضات من جديد بين القيادة الكردية وحكومة بغداد التي عقدت في مدينة قلعة دزّة إلا أنها وصلت إلى طريق مسدود فيما بعد وفي خضم تلك الصراعات مع الحكومات العراقية المتعاقبة في تلك الفترة كان أغلب تلك المفاوضات مصيرها الفشل نتيجة تعنّت وتجاهل تلك الأنظمة للمطالب الكردية المشروعة بالعكس من المفاوضات كانت تلك الحكومات تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد أبناء شعب كوردستان بغية إسكاته وإخماد وهج ثورته المباركة.
* وبعد وفاة الرئيس العراقي عبد السلام محمد عارف بسقوط طائرته السمتية بالبصرة ومجيء أخيه المرحوم عبد الرحمن محمد عارف إلى دفة الحكم جرت مفاوضات جديدة بين حكومة بغداد وبين القيادة الكردية ممثلة بالبارزاني الخالد تم إجبارهم على توقيع اتفاقية التاسع والعشرين من حزيران عام 1966 بعد معركة هندرين التي تعتبر من أشهر المعارك في حينها والتي جرت بين البيشمركة الأبطال وحكومة بغداد والتي جرت في السابع من أيار عام 1966 استطاع البيشمركة أن ينتصروا انتصار الأبطال مما اضطر المرحوم عبد الرحمن محمد عارف إلى إجراء تلك المفاوضات والتوقيع عليها من قبل القيادة الكردية ممثلة بالبارزاني الخالد وبين حكومة بغداد ممثلة بالمرحوم الدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الحكومة آنذاك وعرفت الاتفاقية باتفاقية حزيران..
وبعد الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري من قبل البعثيين في السابع عشر من تموز عام 1968 كان أول عمل قاموا به هو الهجوم العسكري الواسع والكبير وبكل القطاعات العسكرية على مقرات الثورة الكردية في منطقة بالك بغية إجهاض الثورة وإنهاء القيادة الكردية إلا أن تلك القوات المعتدية منيت بفشل ذريع مما اضطر نظام بغداد للقيام بسلسلة من المفاوضات مع قيادة الثورة ممثلة بالبارزاني الخالد الذي تمكن بحكمته وقدرته من أن ينقل الثورة من مرحلة إلى مرحلة أخرى إلى أن وصلت إلى تحقيق مكسب عظيم لشعب كوردستان في العام 1970 وهي اتفاقية الحادي عشر من آذار الذي يعتبر بحق لا مثيل له في تاريخ شعبنا وهو الاعتراف الرسمي بحقنا وتوالت بعد ذلك المكتسبات الأخرى..
إلا أن ما حدث في انتكاسة عام 1975 نتيجة المصالح الغربية والإقليمية تم إبرام اتفاقية الجزائر الخيانية بحق العراق وبحق القضية الكردية ليتنازل نظام بغداد عن أراضٍ عراقية إلى إيران أدّت تلك الأحداث إلى إصابة ثورة أيلول بنكسة مؤقتة أدت إلى تدهور الأوضاع في كوردستان ولكن لم تدم تلك الأوضاع إلا لمدة قصيرة حيث تمّ الإعلان في السادس والعشرين من أيار عام 1976 عن بدء ثورة جديدة وهي ثورة كولان والتي هي امتداد لثورة أيلول التي جاءت بجهود المناضل مصطفى البارزاني وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وكانت حكومة بغداد لم تضع في حساباتها أن الإرادة القوية لشعب كوردستان تلك الإرادة التي رسخها البارزاني الخالد طوال حياته في قلوب ونفوس أبناء شعبه.
* وفي آذار عام 1991 اندلعت انتفاضة جديدة ضد حكومة بغداد تم فيها خلاص شعب كوردستان من النظام البائد وأن المكاسب التي تحققت في كوردستان من أمن وأمان أصبحت واحة للحرية والسلام وفيها برلمان منتخب شرعي ومجلس وزراء ورئيس للإقليم وهو البيشمركة مسعود بارزاني.. وغدت كوردستان وشعبها نموذجاً يحتذى به في عراق ديمقراطي فدرالي تعددي يعيش الإنسان فيه آمناً مطمئناً بحقوقه المشروعة في الحياة الحرة الكريمة..
المصدر: PDKI
التعليقات مغلقة.