حمير تنافس التكنولوجيا
حمير تتنقل في مدينة نابلس، العاصمة الاقتصادية للضفة الغربية. المشهد يبدو مألوفاً بالنسبة لأهالي المدينة. لكنّه، بالنسبة لزوارها، يبدو غريباً، ويعجزون عن تفسيره.
الحمير في نابلس ليست ضالة. فهناك من يقودها، ويلتقط من خلالها رزقه، ليوفر مصدر عيش لعائلته. وتستخدم الحمير بشكل خاص في أعمال النقل. وللمفارقة، فإنّ ما تعجز عنه الرافعات المتطورة تتولاه الحمير، بحكم الطبيعة الجبلية لمدينة نابلس. وهو ما يدفع الكثيرين إلى الاستعانة بـ”الحمرجي”، بالإضافة إلى توفير التكاليف.
كلّ ذلك قد يكون طبيعياً، حتى الآن. لكنّ الأغرب، أنّ تلك الحمير تجد طريقها إلى داخل الشقق السكنية، حتى عندما يتعلق الأمر بصعود السلالم وصولاً إلى الطابق العاشر. ولا تمنعها حمولتها الكبيرة من الرمل والأسمنت وغيرها من مواد البناء عن ذلك.
أبو النمر عزيزي يعمل في مهنة “الحمرجي” منذ سنوات. يطلبه الزبائن عبر هاتفه المحمول، الذي لا يتوقف عن الرنين. يستخدم عزيزي خمسة حمير، مربوطة كلها في حبل واحد، وتشكل ما يشبه القاطرة، في صعودها ونزولها. يحمل الحمار الواحد منها، أكثر من 100 كيلوغرام، ويصعد بها إلى الطابق العاشر، ويعود مجدداً لتكرار المهمة على مدار اليوم.
يقول عزيزي لـ”العربي الجديد”، إنّ طبيعة مدينة نابلس، هي التي تفرض هذه المهنة، فالآليات والرافعات الحديثة لا يمكنها في بعض الأحيان الوصول إلى مناطق جبلية. كما لا يوجد شوارع واسعة في بعض الأحياء لرفع مواد البناء. وبالتالي يلجأ الناس إلى الحمرجي “لتسخير حميره في هذه المهمة”.
على الأرض يقوم عزيزي بتحميل الأكياس على ظهر الحمير. يأمرها، بعد ذلك، بالانطلاق وحدها. فهو يرشدها إلى طريقها مرة واحدة فقط. ومع انطلاقها بإشارة منه داخل المبنى، تصل إلى الشقة المطلوبة، وفيها ينتظر عامل لتفريغ الحمولة، وإرسالها مجدداً نزولاً. وتتكرر العملية مرات عديدة على مدار النهار.
من ناحية أخرى، يشير عزيزي إلى أنّ الكثير من الناس، يفضلون نقل مواد البناء على الحمير، لأنها أوفر بكثير مالياً. ويكشف أنّه قد ينقل مواد “تشطيب” شقة سكنية كاملة بـ 100 دولار أميركي، بينما تطلب الرافعات الحديثة 500 دولار. وهو ما يدفع بالكثيرين إلى الاستعانة بالحمير، حتى بعد أن يتفقوا مع أصحاب الرافعات أحياناً، ويختلفوا على السعر.
يهتم عزيزي بحميره. وخلال فترة العمل يخصص لها وقتاً لتناول التبن (القش المطحون)، المحضّر سابقاً. وخلال استراحة الحمير، يقول عزيزي: “الحمير تؤمّن لقمة العيش لأولادي، ويجب عليّ بالتالي أن أؤمّن لقمة عيشها”.
المهنة قديمة في الضفة الغربية، وفي نابلس تحديداً، ومع ذلك فهي صامدة في وجه التقدم التكنولوجي. ويرجع عزيزي المهنة إلى ما يقرب من خمسين سنة. أما هو فيعمل فيها منذ خمس سنوات. ولم يلجأ إليها إلّا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وعدم وجود فرص عمل أخرى. ومع ذلك فإنّه اليوم، لا يبدو منزعجاً من المهنة. ويقول عن ذلك مازحاً: “الحمير يحتاج إليها الغني والفقير، ومن يستغني عني لا يستغني عن حميري”.
من جهته، يعترف المواطن الفلسطيني عبد المجيد بأنّه استعان بـ”الحمرجي” لنقل مواد البناء والتشطيب لبيته. ويقول إنّ المنطقة التي تتواجد فيها شقته، يمكن للرافعات الحديثة الوصول إليها، ومع ذلك فضّل الاستعانة بالحمير، من أجل توفير المال.
ورغم عملها في مجال البناء، فإنّ للحمير مجالات عمل أخرى في المنطقة. فعدد من سكان قرية تل، إلى الغرب من مدينة نابلس، يستخدمون الحمير لبيع منتجاتهم من الحليب والألبان وبعض الفاكهة. ويبدأون جولاتهم عبر الحمير، منذ ساعات الصباح الأولى، وينادون على بضائعهم بأعلى الأصوات.
ألف دولار ثمن الحمار
على الرغم من الاعتماد المكثف على الحمير، بخاصة في مجال نقل مواد البناء، فهي ليست متوافرة بكثرة في مدينة نابلس. وفي كثير من الأحيان، ترتفع أسعار الحمير، بسبب عدم وجود سوق لها داخل المدينة. ويجد الراغبون في شراء الحمير ضالتهم، بعد البحث في عدد من القرى، عن بائع. أمّا السعر فهو بحدود الألف دولار أميركي، ويتدنى عن ذلك أو يرتفع، بحسب عمر الحمار، وقوته
التعليقات مغلقة.