وجدت الفتاة السورية “ح.ك” نفسها وحيدة، وهي في مقتبل العمر. اعتقلتها سلطات نظام بشار الأسد نهاية العام 2013، خلال مداهمة بيتها في مدينة اللاذقية، بسبب نشاطها الإعلامي الداعم للثورة السورية.
منذ خروجها من المعتقل، ترفض أن تروي ما حدث لها، لكن بعد تفكير طويل قررت أخيراً الحديث للتخفيف عما تنوء به نفسها من حمل قاس.
تروي “ح.ك” لـ”العربي الجديد” ما حدث معها قائلة “منذ اللحظة الأولى لاعتقالي وهم ينادوني بصفات بذيئة، سحلوني وركلوني بالأقدام، لم يتم استجوابي مطلقاً، وإنما رميت في غرفة صغيرة تحت الأرض معتمة لها رائحة كريهة، اكتشفت بعدها أنها مرحاض، لا أعرف كم بقيت فيها يوم دخل علي أربعة عناصر”.
تتوقف الفتاة عن سرد الحادثة، تعود للحديث بتردد “تقدم نحوي رئيسهم، سمعت أكثرهم ينادونه يا سيدي، بصق بوجهي، ثم بدأ بضربي صفعات متتالية على وجهي وجسدي، وشتمني بألفاظ نابية، أتبعها بالصفات المعروفة عندهم لكل معارض للنظام، بأني متآمرة وخائنة وعميلة لجهات أجنبية، لم يسألني عن شيء.
تتوقف “ح.ك” عن الحديث مرة ثانية، يرتعش جسدها الهزيل وتتلعثم بكلماتها، وكأنها لا تريد أن تتذكر ما تبع ذلك، تمسح دموعها وتتابع بصوت مرتجف “أمر العناصر الواقفين خلفه بخلع ملابسي، توسلت بأمهاتهم وأخواتهم، وبدياناتهم عبثاً، قيدوني …..”.
تنهي الفتاة حديثها وتكتفي بجملة “أريد أن أتطهر من وسخهم”. تخضع “ح.ك” حالياً إلى علاج نفسي، بإشراف طبيبة وبمساعدة عائلتها التي احتضنتها.
حالها أفضل من كثيرات غيرها، تعرضن للاغتصاب في سجون النظام، ليخرجن ويجدن أنفسهن حاملات لذنب لم يقترفنه، مع نظرة ازدراء وملامة من قبل العائلة والمجتمع.
اغتصاب مجتمعي
“ن.س” لم يمض على زواجها عام، كانت حاملاً بالشهر الثالث عندما خطفت من على حاجز تابع لقوات النظام بالقرب من قريتها الواقعة على أطراف حمص.
لم يتقبل أهلها مجرد فكرة الحديث للإعلام، تتحدث صديقتها الوحيدة لـ”العربي الجديد” قائلة” يومها كانت في منزلي تزورني، خرجت الساعة الخامسة عصراً، اتصل ذووها بي للاطمئنان عليها، أخبرتهم أنها خرجت منذ ساعتين، بعد أسبوع وجدها أهل القرية مرمية بين الحياة الموت على طريق فرعي، بجسد أزرق، وثياب ممزقة، تم إسعافها بمشفى ميداني، شخّص الطبيب حالتها بأنها تعرضت لاغتصاب جماعي عنيف أسقط جنينها، وأدى إلى تهتك رحمها واستئصاله”.
تعرض “ن.س” للاغتصاب من قبل عناصر النظام أدى إلى تطليقها من زوجها، لم تتلق أي دعم نفسي، بل عوملت كأنها المذنبة.
لم يكن أمامها إلا أن تنتقل مع عائلتها إلى قرية نائية، تعيش الفتاة أيامها وحيدة في غرفتها المهملة، لا تشيح بوجهها عن الحائط، تأتيها نوبات هستيرية بين الحين والآخر مع بكاء وصراخ، لا يزورها سوى تلك الصديقة الوحيدة.
تشير أقوال معظم الفتيات اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي، على يد عناصر النظام إلى أنّ فعل الاغتصاب الذي يمارس في الأقبية الأمنية أو حواجز النظام مليء بمشاعر الإذلال والانتقام، ليس من الضحية فقط، بل من العائلة والمجتمع التي تنتمي إليه، كما أن كثيراً من الحالات يقوم بها المحققون أنفسهم.
“غالباً ما يساهم أفراد العائلة بتعميق المشكلة عند الضحايا، إذ يعززون فكرة العار ويحمّلون الضحية كل المسؤولية لما حصل معها، مما يدفع أكثر ضحايا الاعتداءات الجنسية إلى عدم إخبار أحد عما حصل لهن، بسبب الخوف من عمليات الانتقام، أو وصمة العار، أو إحساسهن بعدم الأمان بعد التعرض للحادث، وشعورهن بذلك سيؤدي إلى تصعيب حالتهن النفسية والجسدية الناتجة من الاعتداء”، بحسب ما قالته الناشطة الحقوقية، علا رمضان، لـ”العربي الجديد”.
تتابع علا، المتخصصة في مجال العنف ضد المرأة، أن “النساء خلال النزاعات وحالات الصراع المسلح أو اللجوء، هن الأكثر عرضة لخطر الاعتداءات الجنسية والتحرش، وتزداد فرصة الاعتداء عندما يكن وحدهن دون باقي أفراد العائلة التي من الممكن أن تساعد على تأمين الحماية”.
صعوبة العلاج
الطبيبة النفسانية رانية مصطفى، عالجت الكثير من حالات الاغتصاب التي خرجت من المعتقلات السورية، تعمل متطوعة ضمن فريق دعم نفسي للمرأة السورية، تشرح لـ”العربي الجديد” مشاكل المغتصبات اللاتي عاينتهن خلال 3 سنوات بالقول “غالباً ما نواجه في البداية عدم تقبل الأهل لفكرة الخضوع لعلاج نفسي، أكثرهم يعتمون على الموضوع نتيجة خوفهم من المجتمع، حتى أننا تعاملنا مع حالات دون أن نعرف أسماءهن، أو بعد فترة متأخرة من الحادثة، مما سبب اضطرابات أكبر للمغتصبة، إذ تعاني بعد فترة ما يسمى “كرب ما بعد الصدمة”، حيث تتكون لديها ذاكرة مرضية للحدث، تؤثر في حياتها”.
تضيف الطبيبة “غالباً ما تصاب المغتصبة في المرحلة الأولى باضطرابات نفسانية انفعالية، تشعر بالغضب والذل وتبدأ بتحقير ولوم ذاتها، وقد تختزن أحاسيسها وانفعالاتها في اللاشعور كخبرة شديدة الإيلام، تتسبب لاحقاً بأمراض واضطرابات نفسية أخطر، وقد تشكو من أعراض جسدية مثل الصداع والإرهاق والأرق، واضطرابات الجهاز الهضمي مثل القيء والمغص والإسهال أو الإمساك واضطرابات الجهاز البولي، كما قد تشعر بأعراض الأمراض الجنسية التي تكون قد انتقلت إليها من الجناة”.
تشدد الأخصائية على ضرورة تقديم الرعاية النفسانية العاجلة في اللحظات المبكرة من معرفة حالة الاغتصاب، وإشعار الضحية بالأمان وإحاطتها بكل وسائل الرعاية الصحية والنفسانية وتجنب لومها أو تأنيبها أو الضغط عليها بأي شكل من الأشكال، كما تشير إلى أفضلية فريق طبي من الإناث لأن الضحية ما تزال تحت تأثير الصدمة ولديها رهاب من الرجال، وإن لم يتوفر كادر نسائي، فيفضل أن ترافق المشرف ممرضة لتشعر الضحية بالأمان.
عوائق التوثيق
لا يوجد عدد دقيق، أو إحصائية توثق حالات الاعتداء الجنسي التي حصلت في سورية منذ بداية الثورة عموماً، والحالات التي حصلت داخل السجون والأفرع الأمنية السورية على وجه الخصوص، بسبب التحديات التي تواجه عمليات التوثيق، والتي يأتي في مقدمتها، بحسب الباحثة في الشبكة “الأورومتوسطية” لحقوق الإنسان، سيما ناصر، “وصمة العار الاجتماعية التي ترافق المغتصبة تؤدي أحياناً لعدم توثيق حالات اعتقال الفتيات من الأساس، بسبب قناعة سائدة في المجتمع المحلي السوري أن كل معتقلة لابد أن يكون فد تم الاعتداء أو التحرش بها جنسياً بدرجة ما”.
تضيف سيما لـ”العربي الجديد” “بعض السوريين يجهلون دور التوثيق وأهميته في مثل هذه الحوادث، فهو أساس الملاحقة القضائية لمعاقبة الفاعلين في المستقبل”. وتوضح أن الضحايا والأهالي يرون أن صون العرض أولى. وتقول “في إحدى المرات، وأثناء محاولتي إقناع فتاة لتوثيق حالتها، كان ردها أنها تتنازل عن حقها بمحاسبة أو ملاحقة الجناة، لحين الانتهاء من محاسبة قاتل الأطفال بالأسلحة الكيماوية”.
وتشير إلى أن منهجية التوثيق وما يتطلبه من دقة في المعلومات وأسئلة محرجة له دور في صعوبة العملية.
وعن بعض الحالات التي تم توثيقها وجمع المعلومات عنها، تشرح سيما كيف تم الأمر قائلة لـ”العربي الجديد” “يجري اغتصاب الفتيات بالأفرع الأمنية بطريقة ذكية، تستهدف نساء معينات وليس الكل، فلا نستطيع تحديد الأفرع التي يتم فيها الاعتداء الجنسي، كل حالة تم توثيقها في فرع معيّن، كان مقابلها فتيات أخريات لم يلمسهن أحد، أما دوافع الجناة لارتكاب الإساءة الجنسية فهي عديدة، أحياناً يحصل اغتصاب من قبل عناصر بدافع العقوبة والانتقام، أو من قبل المحقق أو مدير السجن بهدف شهواني بحت، وقد يحصل اغتصاب جماعي، بمعنى سيدة واحدة تغتصب من قبل عدة أشخاص شذوذاً لتحقيق المتعة، ومرات يحصل اغتصاب علني للتهديد والتخويف، فلا يتم جرم الاغتصاب وإنما الترهيب به لدفع المعتقلة للاعتراف، وهو يندرج أيضاً تحت مسمى الإساءة الجنسية”.
لكن مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان، فضل غني، يقول لـ”العربي الجديد” إن الحد الأدنى من حالات الاغتصاب التي وثقتها شبكته يصل إلى 4500 حالة عنف جنسي في سورية منذ بداية الثورة، ربعها تقريباً في محافظة حمص، من بينها نحو 750 حالة عنف جنسي داخل مراكز الاحتجاز. نقص اختصاص خلال العشر سنوات الأخيرة يوجد توجه عام نحو العمل على حماية المرأة من الاعتداءات الجنسية، والعنف الممارس ضدها، ترافق ذلك مع إصدار قوانين دولية عن مجلس الأمن 2122 “النساء، السلام والأمن”، التي تؤكد على إلغاء العفو عن مرتكبي هذه الجرائم، بالمقابل هناك تقصير واضح أمام الواقع المخيف لما يحصل داخل السجون السورية من جهة المنظمات أو التشكيلات المحلية والمدنية، التي تعنى بقضية الاعتداء الجنسي وتهتم برعاية المعنفات، إذ توجد مراكز حقوقية شكلية لم تقم بأي خطوة جدية، اكتفت بأن قدمت مشاريع وهمية للحصول على الدعم والتمويل دون أن يكون لديهن حالات بحسب شهادات لناشطين قالوا لـ”العربي الجديد” إنه في خارج سورية الكثير من المنظمات الدولية تعمل على علاج حالات الاغتصاب داخل السجون، السورية، وتوثيقها منها: “IRC”،”DRC”، OXFAM”، و Amnesty human rights watch
عن العربي الجديد
الكسندر أيوب/أميرة الجركس
التعليقات مغلقة.