صمت المعارضة السورية وضجيج النظام
سميرة المسالمة
ترسم المتغيرات الجديدة على الساحة السورية سيناريوهات عديدة، مع أنها ليست جديدة، بل كانت في حالة ضمور، فقط، بانتظار من يوقظها لا أكثر. وعلى الرغم من ذلك، لم تتحرّك الأطراف السورية صاحبة القضية لفعل شيء يمكّنها من استثمار تلك المتغيرات، أو يدفع باتجاه سيناريو أكثر ملاءمةً لإرادة التغيير السورية.
عند الحديث عن أطراف، فتلك حقيقة قائمة، إذ لم يعد الصراع محصوراً بين المعارضة “كياناً سياسياً” والنظام سلطة قوة حاكمة لسورية، إذ أضحت المعارضة معارضات، وأضحى النظام مبعثراً بين قوتي احتلال لقراره وسيادته (إيران وروسيا)، في حين بات الوضع السوري برمته رهينة المداخلات الخارجية الدولية والإقليمية. فإذا سلمنا بواقع أن النظام لا يمكنه إلا الامتثال لرغبة من يحميه بأساطيله العسكرية، براً وجواً، فليس من مصلحة الثورة أن تسلّم بواقع معارضة تخضع للمعادلات الدولية والإقليمية، ولسياسات تنازع الحصص على سورية، أو أن تتحلّل من مسؤوليتها في السعي إلى إيجاد مقاربة سورية تجمع بين “المعارضات”، وتحقق مصلحة المكونات السورية، على اختلاف مشاربها السياسية والقومية والدينية، فتلك مسؤولية لا تسقط عن عاتق من يدّعي قيادة الثورة، أو المعارضة، حتى مع تواتر الأحاديث عن تبعيات وارتهانات طاولت الكثير أو القليل من كيانات المعارضة الموجودة في صدارة التمثيل أو التفاوض.
في هذا المجال، ربما يجدر بنا أن نتصارح بأسئلة عديدة، فمن هي المعارضة؟ ومن تمثل؟ وما مشروعها كي تشكّل البديل الوطني الذي يفترض أن يلتفّ حوله السوريون، مراهنين على مستقبلٍ أفضل لبناء دولتهم التي دمرتها حرب النظام على المطالبين بالحرية والكرامة وحقوق المواطنة؟
وبأسئلة أكثر تحديداً، ماذا فعلت المعارضة اليوم إزاء الاستحقاقات التي باتت تقف أمامها، وأولها، استحقاق المتغيرات الدولية، وخصوصا التدخل الأميركي مباشرة على خط الصراع السوري، وهو دخول يحمل، في طياته، تغيير معادلات صراعية كثيرة، والمسّ بأدوار أطراف عديدة، منها روسيا وإيران وتركيا، وصولاً إلى مكانة الأكراد، سواء في ما يرغبونه أو في ما يعطيه الواقع، هذا مع تبعات ذلك كله في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب، المتمثل بـ “داعش” وجبهة النصرة وأخواتهما.
ترتبط ثاني هذه الاستحقاقات بما ينبغي على المعارضة أن تفعله، لتوسيع قاعدة تمثيلها وتفعيل دورها وتطوير أدائها وملاءمة خطاباتها مع مقاصد الثورة السورية المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية. أقصد كياناتها الممثلة في مفاوضات جنيف جميعها، وكيف يمكن التعاطي مع خطاباتها غير المتقاطعة وغير المتفق عليها، وخصوصا ما يتعلق فعلياً بالقضايا الكبرى التي يتم التفاوض عليها عبر ما سميت “السلال الأربع” التي طرحها الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، في مفاوضات جنيف 5، والتي يراد لها أن تكون محور النفاش، أو فاتحة السلة الخامسة والأهم، إعادة إعمار سورية؟
ويشتمل ذلك على ضرورة إيجاد مقاربة وطنية سورية للمسألة الكردية، تركز على حقوق الكرد الفردية والجمعية، وهو ما تهربت منه معظم كيانات المعارضة، سواء تحت عناوين مخاوفها من التقسيم، أو بحجة أن إقامة دولة مواطنين ديمقراطية تكفي، إضافة إلى محاولة بعضهم تأجيل الخوض في هذا الموضوع، خشية الدخول في معارك تفاوضية جانبية، مع إقدام آخرين على صوغ مقاربات سطحية، كان هدفها القفز إلى الأمام، لإيجاد مشهد توافقي، من دون حسابات دقيقة لما يمكن أن ينتجه مثل هذا الهروب من مسائل جوهرية، تقع مسؤولية حلها على هذه الكيانات.
أما الاستحقاق المتعلّق بالمفاوضات، فإن أطراف المعارضة، فضلاً عن أنها لم ترتّب بيتها بعد، فهي تضعنا إزاء معارضاتٍ، أو مكوّنات، إذ لا توجد رؤية جامعة توحد هذه الأطراف، خصوصا بعد تراجع المكانة التمثيلية المفترضة، أولاً، لـ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، الذي خاض وحيداً مفاوضات جنيف 2، ولاحقاً لـ “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي تابعت التفاوض ممثلة للمعارضة خلال جنيف 3 و4 لتلتحق منصتا القاهرة وموسكو بالتفاوض إلى جانبها، وليس معها في جولة جنيف 5. نحن إذا نفتقد لهيئة تفاوضية تمثيلية جامعة، وفوقها نفتقد لإجابات حول القضايا التفاوضية المطروحة، الأمر الذي بات من الملحّ تجاوزه، أو إيجاد الصيغ التي تتجاوز هذه الجهات التي لم تثبت في صدقيتها كممثل للمعارضة أو للثورة؟
التمثيل السوري كطرف معارض أمام النظام ما زال ضعيفاً، إذ لا يتجاوز دور السوريين حتى اللحظة دور “الكومبارس”، إلا أن ذلك لا يعفي الجهات المسؤولة في المعارضة من العمل الدؤوب للإجابة على التساؤلات المطروحة، أو لتأهيل نفسها لمواجهة الاستحقاقات المستجدّة، لإنتاج المشروع الوطني السوري الجامع، والذي يحقق فعلياً انتقالاً سياسياً إلى دولة مواطنين أحرار متساوين.
وما صمت المعارضة اليوم، أو عجزها، أمام ضجيج النظام الخاوي، والذي ما يزال ينتهج الحل العسكري والتهجير الديمغرافي وسيلةً لإنهاء مطالب السوريين بالحرية، إلا إقرار بالفشل، أو في أحسن الأحوال، بالعجز أمام شعبٍ يدفع دمه ثمناً لحرية طلبها.
العربي الجديد
التعليقات مغلقة.