الشاعر جوان حمي: استطاع “شيركو بيكس” الوصول للعالمية من خلال إحدى نتاجاته الأدبية بلغته الكردية

“لقد شهد الكرد في الحقبة الماضية تراجعاً ملحوظاً في لغتهم الأم، وكانت هناك هيمنة للسلطة الحاكمة في حرمان معظمهم من التحدث بلغتهم، وعانى الكرد الحرمان من الكتابة والقراءة بالكردية، وقد فرضت اللغة العربية عليهم حتى أصبح المخزون اللغوي العربي لدى (الكردي) أكثر من لغته، وكانت المفردات الكردية الأصلية تذوب وتضعف، حتى أصبحت هنالك كلمات دخيلة على اللغة الكردية ، بسبب تأثرنا بالعربية ودخولها في الكثير من مناحي حياتنا اليومية والمستقبلية (المهنية)، باستثناء هؤلاء الكُتاب المهتمين والغيورين على لغتهم، والذين كانوا يتداولون الكتب سراً ويعتمدون على التعليم الذاتي” الشاعر، الدكتور “جوان حمي” ضيف البرنامج الثقافي “”Şevhest، من تقديم: شف حسن.

يقول الشاعر جوان: “بدأت أهتم بالكتابة بسبب الأحداث التي نشهدها، وما رأيناه من مآسي لعشرات السنين، إلا أن حب الكتابة نما لديّ منذ الصغر، وكنت أقرأ لسليم بركات “سيرة الطفولة”، منذ أن كنت في العاشرة من عمري وكانت لغتي العربية قوية، وذات يوم ألقيتُ أمسية شعرية بعنوان (الطبيب الذي أجبرته الحرب على الكتابة)”.

وأشار إلى أن الكتب الكردية كان يُمنع تداولها في المنطقة، في الثمانينات من القرن الماضي، قائلاً: “كان أحدنا إذا أراد اقتناء كتاب من بيروت ودخوله إلى سوريا كان يضعها بين ملابسه وأغراضه، حتى لا يُكشف أمره”، مضيفاً: “هذا الكتاب كان يُهترأ غلافه لكثرة تداوله في يد أكثر من شخص، وكنا نضطر لخياطته، كما كنا نضع الجريدة على غلافه، وكلما اهترأت إحداها نضطر إلى تبديلها بأخرى”. 

وقرأ جوان حمي قصيدة عن الأم، لافتاً بأن أكثر ما يشده إلى الكتابة هو “الألم” وحده فقط، وذلك “بسبب المشاهد التي ترافق حياتنا والتي فرضها علينا واقعنا، وما نعيشه من فقدان للأرواح، لذلك أنا بخيل في الكتابة، لأنني أخشى من عدم التوفيق في وصف المشهد وإعطائه قيمته كما يجب، خاصة إذا كان “محارباً أو بطلاً” فالألم أكبر من الكتابة والوصف والأقوال، ومن الشعر والرواية، أنه عمل أجده في غاية الصعوبة” ثم قرأ قصيدة بعنوان “طلاء الشفاه”.

 

وقال “المشعر الحقيقي للأدب هو الإنسان و(القلب)، واعتقد أن أكثر الناس شعوراً بألم غيرهم هم الأطباء، باستثناء هؤلاء الذين يهتمون بالجانب المادي فقط، ولكن لو رأينا طبيباً في غرفة العمليات يجلس ويبكي على فقدان مريضه، لأدركنا أن الطبيب أكثرهم ألماً، لكن لا أحد يُقدّر ذلك لأنهم لا يرونه، ولقد رأيت الكثير من الأطباء يبكون على مرضاهم، وهذا الشيء بحد ذاته نص أدبي لو استثمرناه، لأنه يُعتبر معاناة”، ثم قرأ ومضة بعنوان “أطفالنا”.

وتحدث عن أهمية الكتابة باللغة الأم، وضرب مثلاً بكاتب مغربي “فتاح كليتو”، والذي درس الأدب الفرنسي في بلده، وكتب بها قرابة خمسين عاماً وقدم الكثير من الكتابات باللغة الفرنسية، وبعد أن تجاوز السبعين ربيعاً من عمره ذكر في أحد كتبه: ” الفرنسيون لا يقرؤون أي كتاب كتبه مؤلف عربي، كما أن العرب لا يقرؤون كتاب مؤلفه فرنسي” وبعدها عاد وكتب بلغته الأم (العربية)، مضيفاً: “لذلك يجب أن نكتب بلغتنا الأم، ولقد مُنعنا لخمسين سنة من الكتابة بلغتنا الأم الكردية، ففي الأدب ليس فقط مطلوب منك أن تعرف الكتابة، يجب أن تكون لديك خلفية قوية، ومخزون غني بالمرادفات الكردية، ولغتنا غنية بالمرادفات لكن هناك جانب من الضعف لدى الكُتاب في استخدامها”.

وأضاف: “لخلق حالة من الإبداع في المجتمع يجب أن تكون هناك راحة نفسية، حتى يُبدع المرء في الأدب، حيث أن الآلام والمآسي والمشاغل اليومية التي تفرض نفسها بقسوة على حياتنا اليومية، خلقت فجوة بين الإنسان والأدب، وأبعدَته عن التعليم..”.

ولفت خلال حديثه إلى كيفية توظيف الأدب وتهيئة البيئة المناسبة للكتاب في الغرب، واستشهد بتجربة دولة السويد في توظيف الكُتاب لخدمة الكتابة والأدب، فيختارون الأشخاص الذين يجيدون الكتابة بشكل جيد، ويتم توظيفهم من خلال “المنحة” براتب يوازي راتبه السنوي، مهما كان مجال عمله السابق، وله الحرية المطلقة في الكتابة بأي مجال، من هنا تخلق الإبداعات”، واستشهد بالكاتب خالد خليفة، “والذي كان خسارة للسوريين، أكرمته سويسرا بمنحة لقرابة سنة كتب من خلالها مخطوطة، كما كتب سلسلة من المقالات بأسلوب جميل، وكان يقول: ” لما تكون مرتاح وجيبتك مليانة تعرف تكتب”، وكان الكثير من الكُتاب السوريين يسافرون إلى أوروبا تحت اسم “اللجوء الأدبي”.

ونوه الشاعر الدكتور خلال كلمة وجهها للشباب فقال: “استطاع شيركو بيكس الوصول للعالمية من خلال إحدى نتاجاته الأدبية، وما كتبه عن (نيرودا ولوركا) لم يستطع أي كاتب عربي أن يكتب بتلك القوة التي كتب عنهما،  فشيركو لم يكتب يوماً بالعربية، وتلك القصيدة التي كتبها عن “الأم” لن يستطع أي أحد كتابتها بتلك القوة التعبيرية والوصف الذي يلامس القلب”.

“فاللغة الكردية التي تكتسبها من خلال (والديك، قريتك، ومحيطك) هي بمثابة رصيد لغوي وكنز تستطيع من خلاله الإبداع والانطلاق في الكتابة، وهذا في غاية الأهمية للشباب.. فإذا كنت تحب لغتك تستطيع الإبداع فيها، اللغة الكردية قوية وغنية بالمرادفات ولا توجد فيها النقص، وهي لغة لا تقل أهمية عن باقي اللغات، لكن العيب ليست في اللغة الكردية.. بل العيب فينا”.

 

أدناه رابط اللقاء كاملاً:

إعداد: أحمد بافى آلان

الدكتور جوان حمياللغة الكرديةشيركوه بيكس