شروط تركيا لاستخدام قاعدة “إنجرليك”

تُعتبر تركيا الدولة الأقرب إلى تهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش)، وفي الوقت ذاته، لا يستطيع أحد أن يلعب دوراً محورياً، كالدور الذي يمكن لأنقرة أن تلعبه في إطار التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ضد التنظيم المتطرّف.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الحكومة التركية، على عكس باقي الحلفاء في المنطقة، تفاوض الأميركيين على ما تعتبره مصالح أمن قومي، لا تلبيها الاستراتيجية التي أعلنتها إدارة الرئيس باراك أوباما.

وفي سياق متصل، يقول مصدر في الخارجية التركية لـ”العربي الجديد”، رافضاً الكشف عن اسمه، إنّ الهدف الرئيس لمشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو الاجتماع مع نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، للنقاش والتفاوض حول الدور التركي، إضافة إلى حشد الدعم لحصول تركيا على مقعد مؤقت في مجلس الأمن، لتسهيل عمل الدبلوماسية التركية في السنتين المقبلتين من الحرب على “داعش”. وبحسب المصدر ذاته، تضع الحكومة التركيّة ثلاثة شروط أمام الولايات المتحدة، للموافقة على استخدام قاعدة “إنجرليك” الجويّة، الواقعة قرب مدينة أضنة جنوبي البلاد، في الضربات الجويّة التي يوجّهها التحالف ضد معاقل “داعش”، في وقت تتمسّك فيه واشنطن بتحقيق مطلبها لاستخدام القاعدة الجويّة في توجيه ضربات ضدّ مواقع “داعش” شمالي سورية.

وفي حين كانت تركيا ترفض بالمطلق استخدام “إنجرليك” إلا في نقل المعونات والمساعدات الإنسانيّة، يبدو أنّها باتت اليوم، وفق المصدر ذاته، تبدي مرونة في الموضوع، بعد تحرير رهائنها من يد “داعش”. وتضع تركيا ثلاثة شروط أمام واشنطن، لمنحها إذناً باستخدام القاعدة في الضربات الجوية، أولها إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لحماية السوريين الفارين من الحرب، وثانيها إعلان منطقة حظر جوي، بما يعنيه ذلك من احتمال ضرب الدفاعات الجوية الأرضية السورية، أي وضع النظام على لائحة أهداف التحالف، وثالثها منح الدعم الكامل للمعارضة السورية المعتدلة.

تشترط تركيا إقامة منطقة عازلة داخل سورية، وإعلان منطقة حظر جوي، ومنح الدعم الكامل للمعارضة السورية المعتدلة، مقابل السماح باستخدام قاعدة إنجرليك

وفي ما يتعلّق بالاشتباكات بين قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، جناح “العمال الكردستاني” في سورية، وتنظيم “داعش”، في مدينة عين العرب على الحدود السورية التركية، تبدو تركيا عالقة بين هدفين، أولهما وجوب هزيمة “داعش” ومنعها من التقدم أكثر باتجاه حدودها، وفي الوقت ذاته، عدم السماح بدعم القوات الكردية بالسلاح، لما يشكله ذلك من خطر تحول ذلك السلاح نحو الجانب التركي، واكتساب تلك القوى، المزيد من الشرعية. ومن شأن ذلك، أن يؤثّر على عملية التسوية التي تجريها الحكومة التركيّة مع “العمال الكردستاني” بقيادة عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة أمرالي التركية.

 

ولطالما دان القادة الأتراك وحشية “داعش”، لكنهم ما زالوا حقيقة يشعرون بأنّ الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم، قد تعزّز من مواقع القوات الكرديّة، التابعة للعمال الكردستاني.

ويبدو، وفق محللين أتراك، أنّ المشهد في عين العرب، رفع احتمالات أن تبدأ الحكومة التركية بالتعامل مع القوات الكردية ومناطق الإدارة الذاتية التي عملوا عليها خلال ثلاث سنوات من الصراع على الأراضي السورية، مستغلين ضعف النظام، وما تشكّله تلك القوات من مصدر تهديد قد يفوق التهديد الذي يشكله “داعش”.

في موازاة ذلك، لا يختلف اثنان في العالم، على أنّ القضاء على ذلك التهديد أمر لا بدّ منه. وبالتالي، فإن منع تعزيز دور القوات الكردية السورية، إضافة إلى ضرب النظام السوري، يعتبران الأولويّة التي يدور حولها الأداء الدبلوماسي التركي برمّته، أي أنّ طرح المنطقة العازلة هو أهمّ وسيلة لضرب الإدارة الذاتيّة الكرديّة، بينما تأتي منطقة حظر الطيران كوسيلة أخرى لإنهاء آخر وسائل القوة المتبقية للنظام السوري، متمثّلة بسلاح الجو.

وبحسب تسريبات إعلاميّة، يبدو أن الموقف التركي من التحالف قوي بما فيه الكفاية، للتأثير على واشنطن، إذ برزت أولى الإشارات على التجاوب الأميركي، يوم الجمعة الماضي، بعد انتهاء زيارة أردوغان لنيويورك، مع تأكيد صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، نقلاً عن وزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي، أنّ إدارة أوباما، لا تستبعد إقامة منطقة حظر جوي، شمال شرقي سورية، لحماية المدنيين من الغارات الجوية التي يشنّها النظام السوري، وذلك في إطار مطالبة أردوغان بإقامة منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية.

ونقلت الصحيفة عن هاغل قوله: “لقد ناقشنا كل هذه الاحتمالات، وسنستمر في الحديث مع الأتراك حول ما تتطلبه هذه المنطقة كما يعتقدون”، في حين لم يستبعد ديمبسي أن “منطقة عازلة في مرحلة ما، قد تصبح ممكنة”، موضحاً في الوقت ذاته أنّ إنشاءها “ليس قريباً”، لأن ذلك سيتطلب طائرات حربية لتعطيل أنظمة الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري من خلال الغارات الجوية.

عن العربي الجديد