هنا، في هذا المستشفى الميداني، عشرات ممن بُترت أطراف لهم أو تشوّهت أجسداهم نتيجة الحرب الدائرة في سورية. هو واحد من تلك المستشفيات المستحدثة حيث على الرغم من الإمكانات المتواضعة فيها لجهة المستلزمات والكوادر الطبيّة، إلا أن القائمين عليها يصرّون على إنقاذ من يمكن إنقاذه.
في البداية، أتت الحاجة إلى المستشفيات الميدانيّة كبديل عن مستشفيات النظام. والسبب عدم قدرة عدد كبير من الجرحى المدنيّين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة لنظام أو مقاتلي المعارضة المسلحة، على التوجّه إلى مناطق النظام بهدف تلقّي العلاج اللازم. أما بعض المختصين في المجال الطبي، فيعزون سبب إقامة هذه المستشفيات إلى الانتهاكات التي تمارَس بحق الجرحى والمصابين الذين قد يذهبون لتلقي العلاج في المستشفيات التابعة للنظام.
ويتحدّث مدير أحد المستشفيات الميدانيّة في الشمال السوري الدكتور حسن حلوم لـ”العربي الجديد” عن واقع هذه المستشفيات. يقول إنها “تقسم إلى مستشفيات متخصّصة بالإسعافات الأوليّة وأخرى لتقديم العلاج، لكن بإمكانات بسيطة وكوادر طبيّة مختصة قليلة العدد. وثمّة قسم ثالث مختصّ بجرحى المعارك، وهو مزوّد بحقائب طبيّة وسيارة إسعاف لتأمين الإسعافات الأوليّة قبل أن يُنقل المصابون إلى الحدود التركيّة”. ويشرح حلوم أن “الكادر واﻹمكانات المتوفّرة لا تلبّي احتياجات المصابين، سواء أكانوا من المدنيّين أو المقاتلين. فعدد كبير من المختصين هاجر إلى خارج البلاد. لذلك نقوم بتدريب عدد من الممرضين للمساعدة في الأعمال الجراحيّة والتطبيب. أيضاً، ثمّة نقص كبير في المستلزمات والمعدات الأساسيّة، بخاصة خلال المعارك. فاﻹصابات جميعها تكون على درجة عالية من الخطورة”. يضيف: “سجلنا حالات كثيرة لجرحى فارقوا الحياة، نتيجة تأثرهم بالشظايا المسمومة التي تخلفها قذائف النظام وتسبّب نزيفاً ومن ثم وفاة. إلى ذلك، تسبّب الاستهداف المستمرّ لهذه المستشفيات من قبل طيران النظام، بتوقّف عدد منها عن تقديم الخدمة”. ويتابع: “ولا ننسى عشرات اﻷطباء العاملين في المجال الطبي في المناطق المحرّرة، الذين استشهدوا نتيجة استهداف الطيران والقذائف أماكن عملهم”.
إلى ذلك، ذكرت مصادر أهليّة في المناطق غير الخاضعة للنظام، أن “أياً من المصابين لا يذهب إلى المستشفيات التابعة لقوات النظام. فالجيش وقوات اﻷمن تسيطر على المستشفيات العامة. وجميع الذين يتمّ إرسالهم إلى تلك المستشفيات، يتمّ اعتقالهم أو تصفيتهم”.
يشار إلى أن عدداً كبيراً من الإعاقات الجسديّة حدث نتيجة عدم توفّر الإسعافات والعناية المناسبة ولا المستشفيات المختصّة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في الشمال السوري. لذا يُضطر ذوو الجرحى إلى نقل مصابيهم إلى الجارة تركيا لتلقي العلاج المناسب.
وكانت منظمة العفو الدوليّة قد وجّهت في تقارير سابقة، اتهامات إلى النظام السوري بتحويل المستشفيات العامة إلى أماكن للقمع والتعذيب. وذكرت المنظمة في أحد تقاريرها، أن “أربعة مستشفيات سوريّة حكوميّة على أقل تقدير، مارست عمليات ممنهجة لتعذيب المصابين بأساليب عدّة، وأن بعض أفراد الطواقم الطبيّة وغير الطبيّة ساهموا في تلك الانتهاكات”.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن “بعض أفراد الطواقم الطبيّة في تلك المستشفيات ممن عالجوا المحتجّين المصابين بنيران قوات النظام خلال التظاهرات، تعرّضوا أيضاً إلى الاعتقال”.
وأوضحت المنظمة أن “الكثيرين من المصابين وخوفاً من العلاج في المستشفيات العامة، اضطروا إلى تلقّي العلاج في مستشفيات خاصة أو في مستشفيات ميدانيّة مؤقتة تفتقر إلى المعدات واﻷدوية المناسبة”.
حقنات بوتاسيوم لتبدو الوفاة طبيعيّة
يفيد أحد اﻷطباء المنشقين عن مؤسسات النظام السوري الطبيّة، بأن “قوات اﻷمن تعتدي بالضرب على المصابين وتقتل بعضهم وتسرق أعضاء البعض الآخر” في مستشفيات المناطق التابعة للنظام. ويقول إنه شهد على “إطلاق الرصاص على أحد المصابين من قبل أحد اﻷطباء، وكذلك على قتل العديد من المصابين عبر حقنهم بجرعات بوتاسيوم عالية التركيز التي تتسبّب في توقّف القلب، فتبدو الوفيات طبيعيّة”.
عن العربي الجديد