السل يهدد نازحي حلب.. أول الضحايا طفل

“نور” ابن العامين، كان أول ضحايا مرض السل الذي بدأ ينتشر في المدينة الجامعية في الجزء التابع لسيطرة النظام من مدينة حلب.

وقال طبيب يتابع حالة الطفل في مستشفى حلب الجامعي لـ”العربي الجديد” إن “والدَي نور فقط علما بإصابته، وهو ما حرم الطفل من المتابعة الطبية المبكرة”، مضيفا أن “الطفل لم يستطع الصمود رغم الدعم الطبي، بسبب انهيار مناعته وترافق مرضه مع انتانات (نوع من الالتهابات) فطرية شديدة”.

ويعد “نور” واحداً من عشرات المرضى الذين راجعوا المشفى الجامعي في حلب مؤخراً، وتم تشخيص إصابتهم بمرض السل، ووفقاً للدكتور غسان، فإن “90 في المئة من حالات الإصابة كانت بين سكان المدينة الجامعية التي تعجّ بآلاف النازحين”.

وعن الأوضاع الصحية في المدينة الجامعية، يوضح أحد متطوعي الهلال الأحمر “عابد” لـ”العربي الجديد” أن “هناك ما يزيد على 25 ألف نسمة يعيشون في بقعة جغرافية صغيرة جداً، ولا يتمتع هذا المكان بالخدمات الأساسية، كتوافر المياه أو النظافة، كما لا يتمتع معظم النازحين بالوعي الصحي الكافي”، ويوضح عابد سبب انتشار الأمراض المعدية كالسل وغيره في المدينة “باجتماع الفقر والتلوث والجهل فيها”.

ويشكل ضعف الوعي الصحي أحد مصاعب الحد من انتشار المرض بين نازحي المدينة، ويضيف الدكتور غسان أن “أعراض السل غير التشخيصية، كالحمى والتعرق ونقص الوزن، تزيد من صعوبة تعرّف المريض إلى إصابته بالسل”، ويكشف أن “معظم حالات اكتشاف الإصابة بالسل تتم عندما يراجع المرضى المشفى بشكوى أخرى كالالتهابات النسائية والداخلية والبولية، وتعد الانتانات الفطرية الأكثر انتشاراً حتى اليوم”.

يقوم الأطباء أولاً بمنع المرضى من العودة للمدينة الجامعية، ويفسر الدكتور غسان الأمر بوجود تهديدين، أولهما تهديد حياة المريض إذ “يعاني مريض السل أصلًا من مناعة ضعيفة ويمكن لأي انتان أو فيروس أن يهدد حياته، إضافة إلى حالة نقص التغذية التي يعاني منها النازحون هناك، إذ يعتمد معظمهم على المعونات الغذائية الفقيرة بالعناصر الغذائية، وهو ما يزيد من حالة الهزال التي ترافق المرض”.

ويضيف “يقع التهديد الثاني على الأصحاء من خلال العدوى التي تنتشر بسهولة هناك بسبب الكثافة السكانية”، ويفسرالدكتور الأمر بأنه “حتى يصاب أي شخص لا يحتاج سوى إلى استنشاق القليل من العصيّات السليّة التي تخرج من فم المريض عندما يسعل أو حتى يتكلم”.

 

خطر الشتاء

ينذر الأطباء بارتفاع مؤشر الخطورة مع اقتراب فصل الشتاء، ويفسر الدكتور علي (والذي رفض الكشف عن اسمه كاملاً) لـ”العربي الجديد” الأمر بأن “حالات الإصابة بفيروس الانفلونزا تزداد في فصل الشتاء، وبخلاف الناس الأصحاء، تحمل الأنفلونزا الموسمية خطورة كبيرة على مريض السل بسبب مناعته الضعيفة”، ويذهب إلى “المطالبة بإخلاء المدينة الجامعية قبل حلول الشتاء، حتى لا تتحول إلى بؤرة لمرض السل”، وينذر بأن كلا “التهاب الكبد والانفلونزا، سيشكلان الخطر الأكبر على مرضى السل بسبب انتشارهما الواسع في الوقت الحالي”.

مشكلة العزل

لا يحظى جميع المرضى بغرف عزل خاصة في المشفى الجامعي، ويوضح الدكتور علي أن “أولى إجراءات الرعاية الطبية لمريض السل تتمثل في عزله عن المحيط، لمنع الانتشار السهل لهذه العدوى، لكن القدرة الاستيعابية للمشفى الجامعي لم تكن كافية لتوفير العزل لجميع المرضى”.

أبو عبد الرحمن، أحد مرضى السل الذين لم يحظوا بغرفة عزل داخل المشفى، يشكو لـ”العربي الجديد” قائلا: “طلب مني العيش خارج المدينة الجامعية حيث نزحت مع زوجتي وأطفالي، أتردد إلى المشفى لتناول العلاج فقط، واعتذروا مني بسبب عدم وجود غرفة شاغرة لاستقبالي، وقال لي البعض إن الحصول عليها يتطلب واسطة”، ويضيف “منذ شهر وأنا أبيت في الشارع والحدائق وأرى أطفالي من بعيد خوفاً عليهم من العدوى”.

مواجهة المرض.. إيقاف الحرب

يتوفر علاج مرض السل في معظم المشافي العاملة في مدينة حلب، إلا أن المخيف تبعاً للدكتور غسان هو “تزايد أعداد المرضى، وهو ما يتطلب المزيد من أماكن العزل وجهوداً طبية وتوعية كبيرة”، ويوضح أن “علاج المريض يقتصر على مجموعة من المضادات الحيوية التي يتناولها لمدة ستة أشهر، إضافة إلى متابعة صحية مدى الحياة”.

ويوضح الدكتور غسان أن إيقاف انتشار المرض يتطلب “قلب الظروف المعيشية لنازحي المدينة الجامعية رأساً على عقب، وتغيير شرط التغذية والنظافة ونمط الحياة، وهو ما يبدو بعيد المنال بسبب الفقر المستفحل هناك، واستمرار الحرب”.

وعن أكثر أماكن انتشار المرض في المدينة، يشير عابد إلى أن “كلا من المدينة الجامعية وسجن حلب المركزي، يسجلان عشرات الإصابات بالمرض أسبوعياً، ويتم تحويل معظم السجناء المرضى إلى مشفى ابن رشد لتلقي العلاج”، ويفسر الدكتور علي التكتم على أعداد المصابين في كلا المكانين بمحاولة عدم نشر الخوف والرعب بين السكان، ما قد يؤدي لحالة من الفوضى التي يصعب السيطرة عليها.

ويذكر الدكتور علي أن “مرض السل كان قد اختفى بشكل شبه كامل من سورية في ستينيات القرن الماضي، وأن حالات السل المشخصة في المشفى الجامعي خلال السنوات السابقة لم تتجاوز الواحدة أو الاثنتين كل عام”، ويقدّر المدة الزمنية اللازمة للعودة إلى نسب الإصابة المنخفضة قبل الازمة بحوالي أربع سنوات من الرعاية المكثفة صحياً واجتماعياً واقتصادياً

عن العربي الجديد