هل تستمر «مكابرة» تركيا طويلاً؟

يكتنف الغموض موقف تركيا من طبيعة الانضواء في «التحالف الدولي». في الأيام القليلة الماضية، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من موقف في هذا الصدد. هو قال في مقابلةٍ تلت الضربات الجوية الأولى على الأراضي السورية إن بلاده «مستعدّة للانخراط في العمليات العسكرية»، بعدما تمنعت عنه سابقاً.

غير أنه بعد يومٍ واحد، عكس موقف أردوغان تردداً إزاء تقديم الدعم العسكري لعمليات التحالف، فيما لمّح إلى احتمال إقامة «منطقة آمنة» على الحدود مع سوريا. ويوم أمس، خرج الأمين العام لحلف «شمال الأطلسي» ليؤكد أنه لمس أخيراً إشارات تدل على إمكانية حصول تبدل في الموقف التركي، قائلاً: «أظن أننا سنرى تركيا، مثل عادتها، تندفع لإظهار تضامنها مع الحلف وتلعب دورها»، في محاولةٍ لإعطاء الأمور «حجمها» مجدداً، والقول إن تركيا مهما تمادت في «استقلاليتها»، فلن تستطيع ألّا تنصاع في النهاية إلى المشروع.

ولكن بالنسبة إلى أنقرة، ما الذي يجعلها تتقدم ثم تتراجع بهذه السرعة، مبديةً تردداً في هذا الإطار؟

تركيا «العدالة والتنمية» لن تكتفي بأن تكون عضواً في حلف «شمال الأطلسي» ينفّذ ويمتثل من دون اعتراض. هي ترى أن الأولوية اليوم لمصالحها بعدما طالبت في السنوات الثلاث الماضية بالتدخل الأميركي في سوريا، ولم تلقَ تجاوباً.

بل هي وُضعت اليوم في موقع الدفاع عن سياستها تجاه تنظيم «الدولة الاسلامية» حيث تطاولها الاتهامات من كل حدبٍ وصوب، لا سيما من الصحف الأميركية التي تتهمها باستمرار التعامل مع «داعش» ودعمه والاستفادة منه أيضاً، عبر تجارة النفط.

كذلك، انهالت الاتهامات في الأيام الأخيرة الماضية على تركيا، بعدما هاجم «داعش» مناطق عين العرب (كوباني)، غازياً 60 قرية، ما حمَل الأكراد على اتهام الاستخبارات التركية بتبادل الخدمات مع «داعش»، خصوصاً بعد الإفراج عن الرهائن في الموصل. أنقرة نفت الأمر، هاربةً إلى الأمام عبر طرح أزمة اللجوء الكردي إلى أراضيها والتكلفة التي تتكبدها من خلال استضافة مليون وخمسمئة ألف سوري وأكثر من مئة وسبعين ألف كردي سوري. وهي أرجعت طلبها إلى إقامة منطقة عازلة داخل سوريا إلى رغبتها في أن تضمّ هذه المنطقة اللاجئين، لكي يبقوا في أراضيهم بدلاً من عبور الحدود، كذلك لا يمكن لتركيا إقامة هذه المنطقة وحدها من دون مساعدة دولية.

ولا تزال الأسئلة حول عملية تحرير الرهائن الأتراك من الموصل تتفاعل، خصوصاً حول «تعاون» تركيا مع التنظيم «الإرهابي». أحد هذه الأسئلة هو كيف حجبت أنقرة مواقع التواصل الاجتماعي إثر فضيحة الفساد التي طاولت أردوغان وبعض الوزراء، فيما سمحت لموقع «داعش» الإلكتروني بأن يبث بحرية عبر موقعها على الانترنت باللغة التركية، مستقطباًً شباناً أتراكاً.

لكن أنقرة تجاهلت هذه التساؤلات، واندفعت في تبريرها الأسباب التي تمنعها من المشاركة العسكرية في «التحالف»، إذ أكدت ضرورة أن تحدّد أميركا استراتيجيتها بالنسبة إلى مستقبل سوريا، في حين تطال الضربات الجوية «الجهاديين» ولا تطال النظام السوري.

وطرحت ضرورة إطلاعها على المخطط قبل أن تشارك عسكرياً. وفي ردٍّ على التحالف الأميركي مع الأكراد، خصوصاً مع وحدات «حماية الشعب» وحزب «الاتحاد الديموقراطي» المقرّب من «العمال الكردستاني»، سألت عن هوية القوى التي ستشارك على الأرض.

في السياق نفسه، علّلت هجوم «داعش» على الأكراد في مناطق عين العرب بتحالف «الاتحاد الديموقراطي» مع النظام في سوريا، وحمّلته مسؤولية ما حصل في تلك المناطق، في وقتٍ رأت فيه أن ذلك «لا يمكنه أن يؤثر في المحادثات التركية مع حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي».

ضربة سدّدتها تركيا إلى طلاب الحكم الذاتي الكردي على حدودها السورية، في خطوةٍ لإفهام أكراد تركيا، الداعين إلى التحالف مع واشنطن لقتال «داعش»، بأن الثمن لا يمكن أن يكون حكماً ذاتياً على غرار العراق، وأن تركيا لن تقبل بأن تحاط بمشروع دولة كردية. من جهةٍ أخرى، وجهت رسالة لأميركا بأنها ليست حليفاً فقط، بل ندّاً أيضاً، ما يحتّم إطلاعها على المشروع بالكامل قبل الانخراط فيه، لحجز المكاسب الممكنة.

عن الاوسط الكنديَّة