صديق ملا
عندما طرح حزب (العدالة والتنمية) ومُنظره أحمد داوود أوغلو نظرية انفتاح البحار الأربعة بدلاً من أحادية التوجه إلى أوروبا ؛ أي الانفتاح على البحار “المتشاطئة” للبحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وبحر قزوين والمحيط الأطلنطي، دون التخلي عن الغرب، وكانت هذه النظرية مَبنية على أسس تاريخية معروفة، فقد كانت هذه البحار مفتوحة على بعضها البعض في عهود الإمبراطوريات التي أنتَجت حضارات عظيمة.
فاستبشر مؤيدوا نظرية “صفر مشاكل مع الجيران” خيراً و خاصة عندما وضع أردوغان حداً لتدخل الجيش في السياسة وأسس مع العديد من دول الجوار العربية “مجالس عُليا” تخطط لاستثمار هذا الانفتاح والذي تبين فيما بعد أنه كان واجهة للهيمنة ليس إلا..
وباتت دولة (كل المشاكل مع دول الجوار)!
وما أن أطل الربيع العربي حتى اندثرت كل هذه الأحلام فبدلاً من الانفتاح على المحيط قدم الدعم للإخوان المسلمين في تونس ممثلة بحركة “النهضة” في مواجهة الأحزاب الأخرى، وأصر على دعم الرئيس المصري (محمد مرسي ) لأنه كان إخوانياً على الرغم من ثورة الشعب المصري عليه، وكذلك استمر في إدخال الأسلحة والمسلحين إلى سورية، ورفض سحب جيشه من العراق مصراً على مشاركة في “تحرير الموصل” ما أثارا مخاوف العراقيين من سعيه إلى إحياء الطموح التركي القديم ـ الجديد بضم “ولاية الموصل” إلى بلاده وتدخله المباشر والفظ واحتلاله لمدينة جرابلس والباب وتل رفعت و غزوه لمدينة عفرين قدس الكرد وسري كانييه وگرى سپي وأخيراً وليس آخراً تهديداته اليومية لاجتياح شرقي الفرات وإنشاء منطقة آمنة بإدارة تركية وبدعم وتأييد من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ومن ضمنهم المجلس الوطني الكردي، وفصائله المقاتلة (العروبية ـ الإسلاموية الشوفينية) الحاقدة أصلاً على الشعب الكردي وطموحاته المشروعة دون مراعاة لأبسط القوانين الدولية واحترام سيادة الدول وكل ذلك لفصل المناطق الكردية عن بعضها أولا ًوأخيرا ًوعدم إنشاء كيان كردي مستقل والتي تثير ثائرته و ثائرة الدول الغاصبة لكردستان عندما يتعلق الأمر بالمسألة الكردية.
أما في الداخل التركي فقد خاب ظن النخبة السياسية التركية من اليسار واليمين وكذلك الحركة السياسية الكردية حيث ثُبِت وبالدليل القاطع إن استبعاده للجيش عن السياسة لم يكن في سبيل إرساء المزيد من الديمقراطية، وكذلك مفاوضاته مع الشعب الكردي قبل سنوات لم يكن هدفها منحهم المزيد من الحقوق، بل كانت محاولة لاسترضائِهم والحصول على تأييدهم ليصبح الحكم في تركيا رئاسياً مما يتيح له اتخاذ القرارات من دون العودة إلى البرلمان، وعندما فشلت مخططاته أطلق العنان لجنرالاته بشن حربٍ شعواء على المناطق الكردية بالطائرات والمدافع والدبابات وكانت آخرها المسرحية الهزلية التي فبركتها الأجهزة الأمنية والميت التركي “الانقلاب الأخير المشؤوم” والذي حول البلاد إلى سجن كبير، فسرح الآلاف من الضباط والجنود والمعلمين والموظفين بحجة ارتباطها بالداعية “فتح الله غولن” أو تأييدهم ومناصرتهم لحزب العمال الكردستاني وأغلق العديد من المنابر الإعلامية من (تلفزيون وصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي)، وزج بالمئات من الصحفيين والإعلاميين بالسجون والمعتقلات…
ولكن الشعب الكردي ومعه الشعوب القاطنة في تركيا سوف ينتصر و ستندحر أحلام أردوغان وعصاباته التي حولت تركيا إلى سجنٍ كبير ٍ وأصبحت من الدول العشر الأولى في سجن وخنق الصحافة وحرية الرأي والكلمة…
اقتداءاً بالمقولة المشهورة:
((لو دامت لغيرك لما آلت إليك))