«تحذير إيجابي» من بايدن إلى أردوغان

روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن

أخيراً، نال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد الماضي، بعد أن أرجأ الأميركيون هذا الاجتماع لأيام عدة. وكان إردوغان قد أقر في سبتمبر (أيلول)، بأنه لا تجمعه علاقات جيدة مع بايدن، وأن العلاقات الثنائية بين البلدين ليست صحية. ومع أن بايدن لم يجعل الحديث إلى إردوغان أولوية في الماضي، فإن مسؤولاً في البيت الأبيض أعلن أن محادثات 31 أكتوبر (تشرين الأول) كانت «بناءة». وصرحت الرئاسة التركية بأن الاجتماع سادته «أجواء إيجابية للغاية».

وربما يخالج إردوغان الاعتقاد بأنه مثلما كان الحال مع دونالد ترمب، فإن حديثه مع بايدن شخصياً سيحدث تحسناً في العلاقات بين البلدين، لكن ذلك سيكون تفكيراً خاطئاً.

جدير بالذكر هنا أن ترمب لم ترُق له بيروقراطية الأمن القومي في واشنطن. وفي العامين الأخيرين من رئاسته لم يتشاور كثيراً مع مستشاريه في مجال السياسة الخارجية. كما رفض ترشيح وزير دفاع بعد استقالة جيمس ماتيس عام 2019 احتجاجاً على سياسة ترمب في سوريا.

على النقيض، يعمل بايدن عن قرب مع فريق السياسة الخارجية الخاص به. وإذا كان فريق بايدن يعاني من نقطة ضعف، فهي أن لديهم خبرة طويلة في العمل معاً، وبالتالي لا يجتذبون أفكاراً جديدة كبرى خارج دائرتهم. وبالمقارنة بترمب، يتشاور الرئيس بايدن كثيراً مع مستشاريه.

لذا، عندما أثار إردوغان قضية شراء تركيا مزيداً من الطائرات الحربية من طراز «إف – 16»، جاء رد بايدن حذراً، وذلك لأن هناك عملية يجب اتباعها خطوة بخطوة. وكان المسؤولون الأميركيون حريصين على عدم التعهد باتفاق في هذا الشأن. في هذا الإطار، يجب أن توافق وزارتا الخارجية والدفاع على بيع الطائرات الحربية أولاً، ثم يوافق عليها الكونغرس. ولم يفلح اجتماع الرئيسين التركي والأميركي، الأحد الماضي، في تبديد الغيوم حول العلاقات الثنائية.

من وجهة نظر واشنطن، تتمثل السحابة الكبرى والأكثر قتامة في شراء تركيا لصواريخ الدفاع الجوي «إس – 400» من روسيا. وفي رد فعلها على الصفقة، فرضت واشنطن عقوبات شديدة على إدارة الصناعات الدفاعية التركية وكبار مسؤولي الشركة. وثمة غضب حقيقي في واشنطن من أن تركيا قد تخاطر بأمن مشروع الطائرة المقاتلة «إف – 35» الذي يتسم بضخامته وارتفاع تكلفته.

بجانب ذلك، هناك صدمة من تجاهل تركيا الكثير من تحذيرات واشنطن. والملاحظ أن هناك قليلاً من النقاش أو الإدراك في واشنطن حول الأسباب الكامنة وراء قرار إردوغان. وفي ظل غياب التفاهم، تفترض قيادات عديدة في واشنطن أن إردوغان يحاول استغلال روسيا كأداة لانتزاع تنازلات من واشنطن، وهناك استياء إزاء أنقرة التي يفترض أنها حليفة عسكرية.

بجانب ذلك، عززت التهديدات الخطابية المتكررة من تركيا ضد اليونان، وكذلك المواجهات البحرية والجوية بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط، التصور بأن إردوغان لم يعد حليفاً بالمعنى الحقيقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو). وعلينا ألا نغفل هنا حقيقة أن هناك «لوبياً» (جماعة ضغط) في واشنطن يدعم اليونان.

علاوة على ما سبق، فإن تصرفات إردوغان ضد المعارضين المحليين أضرت بمصداقية حكومته داخل واشنطن، خصوصاً أن التصور السائد لطالما كان ضرورة أن تكون جميع الدول الأعضاء في «الناتو» ديمقراطية. بطبيعة الحال، لم يكن «الناتو» تاريخياً نادياً للديمقراطيات، فقد أطاح الجيش التركي عدة مرات حكومات مدنية، كان آخرها عام 1980، ولم تحدث حينها أزمة مع الأميركيين. وأطاح الجيش اليوناني الحكومة المنتخبة هناك عام 1967 وحكم البلاد حتى عام 1974 من دون انتقادات أميركية تذكر. أما المجر وبولندا، فقد أصبحتا أقل ديمقراطية خلال السنوات الأخيرة. ولكن على عكس اليونان قبل خمسين عاماً أو بولندا والمجر الآن، هددت تركيا أعضاء آخرين في حلف الناتو بالقوة العسكرية، وبالتالي تعرض أسلوب إردوغان في الحكم لانتقادات أكبر من جانب أعضاء الناتو الآخرين.

وبالنظر لما سبق، لم يكن مفاجئاً أن زميلي القديم السفير ديفيد ساترفيلد، السفير الأميركي الحالي في أنقرة، وقع على مسوّدة رسالة كتبها مسؤولون إسكندنافيون يحثون فيها أنقرة على حل قضية معارض سياسي تركي مسجون. وأكد بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن أن حقوق الإنسان عنصر مهم في سياستهما الخارجية. ولو لم يوقع ساترفيلد على الرسالة، فإن منتقدي بايدن في واشنطن وكثيراً من منتقدي تركيا في العاصمة الأميركية كانوا سيسارعون إلى استغلال رفض ساترفيلد سياسياً. وكاد توقيع ساترفيلد على الرسالة يتسبب في أزمة كبيرة بين واشنطن وأنقرة. ولا أتخيل أن بايدن كان سيقابل إردوغان، الأحد الماضي، إذا نفذ إردوغان تهديده بالفعل وطرد السفير الأميركي.

في الواقع، ساترفيلد دبلوماسي محنك، وقد وجد حلاً وسطاً وهكذا مرت الأزمة بما سمح للاجتماع المقرر بين الرئيسين بالمضي قدماً. ومع ذلك، من السهل إدراك التحذير الذي وجهه بايدن لإردوغان في اجتماع 31 أكتوبر: العلاقات الثنائية ستعاني إذا فاجأ إردوغان الأميركيين مرة أخرى بشراء أسلحة روسية أو اتخاذ أي عمل ضد المصالح الأميركية (على سبيل المثال، التدخل في شمال شرقي سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية) أو على صعيد حقوق الإنسان.

وكانت رسالة بايدن الضمنية أنه إذا قام إردوغان بإجراءات متسرعة تثير الاستياء في واشنطن مرة أخرى، فإن بايدن لن يخاطر بمكانته السياسية في واشنطن للدفاع عن طلب تركيا الحصول على طائرات «إف – 16» في مواجهة معارضي هذا الطلب. وبالطبع، في حال انهيار هذه الصفقة، فإننا سنكون على موعد مع أزمة أكبر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

 

الشرق الأوسطدونالد ترمبرجب طيب أردوغانواشنطن