لا شيء معروف عن الموسيقى اليابانية في فترة ما قبل التاريخ، لكن هناك شخصيات وطقوساً موسيقية، مما يدل على الأهمية المبكرة التي اكتسبتها الموسيقى في اليابان، وقد بدأت الموسيقى في فترة (يا يوي) وربما كانت هناك العديد من القبائل القوية التي بلغت ذروتها تدريجياً في ظل إمبراطورية ياماتو تلك الدولة التي بنت اللغة والنظم القانونية وأسفرت عن تنمية عالية، وبدت كمركز سياسي وثقافي في عهدي نارا وهييان.
ثمة القليل من الأغاني والأساطير بقيت في مرحلة ما قبل التاريخ وسجلت هذه الطقوس في كتابي (الكوجيكي) و(نيهون شوكي) التي تعني أخبار الأيام الأولى للدولة الجديدة وكانت هذه الأغاني والطقوس جزءاً من تقاليد البلاط الإمبراطوري وقد تم جمعها جميعاً في كتاب (الكوجيكي)، الكتاب الياباني المقدس الذي يحوي تاريخ اليابان ونشأتها بلغة أسطورية ملحمية، ومنذ المراحل الأولى من التاريخ الياباني كان الشعر والغناء في غاية الأهمية لدرجة أن الفرق بين الاثنين ليس واضحاً حيث إن كلمة (يوتا) تدل على معنى (أغنية) و(قصيدة) في ذات الوقت، وما هو جلي أن الشعر كان يتلى بصوت عال أقرب إلى الأغنية، وفي فترات من التاريخ الياباني كانت مواضيع الشعر تحدد من قبل الإمبراطور ويتم جمع القصائد في كتب وعلى سبيل المثال (كتاب المانيوشو) و(الكوكينشو) وهي نماذج شعرية كتبت على شكل أغانٍ وضعت في تلك الفترة.
الأشكال الخارجية للموسيقى
على الرغم من أن اليابان لديها ثقافة منفردة متميزة، إلا أنها كانت تستخدم اللغة والثقافة الصينية في كل وسائل الترفيه والاحتفالات الثقافية.. وقد دخلت دراما القناع إلى اليابان والتي كانت تدعى (جيكاكو) وهيمنت على فترتي نارا وهييان، بالإضافة إلى الأناشيد البوذية التي كانت تردد، إضافة إلى أشكال أخرى من الأغاني التقليدية كالـ(سيبارا) والـ(روي) والأغنية الشعبية التي تدعى (إيمايو).
في موسيقى (جيكاكو) يتم الاعتماد على الآلات النفخية والوترية مع مرافقة الإيقاع، والعديد من المقطوعات في هذه الموسيقى تعتمد أيضاً على مرافقة الرقص وقد عمل في هذا الاتجاه الكثير من الموسيقيين اليابانيين.
(الشومويو) أو أناشيد بوذا
إن البوذية في مرحلتي نارا وهييان كانت مقتصرة على رجال الدولة والنخبة، وكان ثمة تركيز على الطقوس وقد قيل إنهم كانوا يخصصون مدربين متفوقين لتعليم هذه الطقوس وهذا التعليم كان جزءاً مهماً في البوذية السائدة آنذاك، ويسمى هذا النموذج (الشومويو) وهو النمط الذي دخل اليابان في فترتي نارا وهييان في وقت مبكر ويتألف من فقرات قراءة إضافة إلى فقرات أخرى نغمية وثمة ثلاثة أنماط لهذه الموسيقى الأولى تسمى (بونسان) ويستخدم فيها اللغة السنسكريتية (اللغة الهندية القديمة) والثانية (كاسنس) التي تستخدم اللغة الصينية والثالثة (وسن) المعتمدة على اللغة اليابانية، وهناك نوعان من الجداول الرئيسية لهذه الأناشيد وقد أثرت هذه الأناشيد بشكل بالغ على نمط الموسيقى والغناء اليابانيين.
موسيقى (إيمايو)
في منتصف فترة هييان كانت هناك نماذج من الموسيقى مثل الـ(سايبارا) والـ(روي) وكانت رائجة في ذلك الحين، لكنها بدأت بالانخفاض تدريجياً ويبدو أن نموذجاً جديداً يدعى (إيمايو) أصبحت شعبية في فترة هييان وكلمة (إيمايو) تعني (حديثة) وبدأ مع نماذج مختصرة من (الشومويو) باستخدام اللغة اليابانية الذي استقر في النهاية على شكل رباعيات، كان الفنان الياباني وقتها يتقن الرقص التقليدي إضافة إلى الغناء وغالباً ما كان يصاحب الغناء رقص تقليدي معتمد على طقوس معينة متوارثة وكل الإيماءات والحركات كانت تؤدي معنى معين لجزء من الأغنية المؤداة، وهذا النوع من الغناء كان مقتصراً على الأرستقراطيين في البلاط الإمبراطوري ثم ليتحول إلى الشعب فيما بعد ويصبح نموذجاً شعبياً بامتياز إلا أن هذا النموذج سرعان ما اختفى وفي أوائل فترة كاماكورا وضعت أغانٍ وألحان من هذا النموذج وأثرت على الموسيقى والغناء اليابانيين حتى يومنا هذا.
الموسيقى في فترة العصور الوسطى
وتغطي فترة كاماكورا (1392- 1185) وفترة موروماتشي (1586- 1392) وفترة موموياما (1568 – 1600) وفي المراحل المبكرة من عهد إيدو وصولاً إلى بداية القرن الثامن عشر، على الرغم من أن البلاط الإمبراطوري واصل جهده ليكون مصدراً لشرعية الحكم والثقافة الكلاسيكية إلا أن السلطة ما لبثت أن وقعت في يد سلسلة من القادة العسكريين، وقد عرفت مرحلة كاماكورا بالرصانة في كل الكتابات المميزة التي كانت تكتب بمزيج من اللغتين اليابانية والصينية ويمكن ملاحظة ذلك في كتاب (حكايات هايكه) وهي ملحمة طويلة تسرد قصص المعارك وقد مثلت هذه القصص على شكل أغانٍ إضافة إلى استخدامها في مسرح (النو) الراقص ومسرح (الكابوكي)، وقد بدأت الأشياء المميزة لليابان تظهر في هذه المرحلة بما في ذلك حفلات الشاي التي كان يرافقها عروض مسرحية وأغانٍ، طبعاً الطبقة المسيطرة كانت عسكرية بامتياز ولكن الأشكال الفنية وفرت فضاء ثقافياً سائداً حيث مكنت الجمع بين المحاربين وأعضاء البلاط الإمبراطوري.
كانت هناك عقود من الحرب الأهلية بين القبائل العسكرية القوية إلى أن تم توحيد اليابان من قبل (أودا نوبوتاغا) و(تويوتومي هيديوشي) و(توكو غاوا إياسو) في أواخر القرن السادس عشر حيث دخلت الثقافة الأجنبية إلى الثقافة اليابانية المنغلقة على نفسها، دخل النبيذ والمسيحية والملابس البرتغالية، مما خلقت فائضاً مزدهراً من الثقافة.
هايكه بيوا
استخدم (بيوا) في (جيكاكو) وهناك العديد من القطع الموسيقية القديمة المستوردة من الصين والمعتمدة على الحساسية الأسطورية، هنا يتم الاعتماد على قراءات بوذية ترافقها قطع موسيقية مع رقصات أنيقة واعتمدت أيضاً على حكايات (هايكه) والملاحم الموجودة فيها، تغنى كأناشيد حرب وطقوس راقصة تعادل تمثيل الحركات الموجودة في تلك الملاحم.
وقد كانت تغنى من قبل الرهبان المكفوفين المنبوذين وفق التقليد الياباني القائم آنذاك، وقد تم الحفاظ على هذا النموذج حتى نهاية فترة إيدو ثم ما لبثت بدأت بالانقراض تدريجياً، وقد كان تأثير الشخصيات الموجودة في حكايات (هايكه) قوية جداً على مسرح (النو) ومسرح (الكابوكي)، نشأت (البيوا) في فترة إيدو في وقت متأخر بجهود رامية إلى إنشاء موسيقى تدعم روح محاربي الساموراي، والآلات الموسيقية المستخدمة كانت بالغة التعقيد.
مسرح الكابوكي
استولى مسرح الكابوكي أو المسرح الشعبي الياباني على قلوب وعقول الجماهير اليابانية منذ ظهورها في بداية القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا، وتمثل عبرها مجموعة من القصص الدرامية المأساوية الواقعية باستخدام الموسيقى والرقص للوصول إلى أحرف حياة من الماضي الياباني، قد تكون هذه الأحداث حقيقية أو متخيلة على حد سواء، فيها أزياء مثيرة، وأضاف هذا المسرح آثاراً مذهلة إلى الدراما بشكل عام.
يعتمد هذا المسرح على الرجال حيث يقومون بأدوار المحاربين واللصوص، وكذلك النساء لأداء أدوار السيدات المحترمات أو حتى البغايا، وتؤرخ بدايات مسرح الكابوكي إلى ربيع (1603) حيث كانت هناك فرقة مسرحية بقيادة امرأة تدعى (إيزومو) وأدت فرقتها أول عرض لها على مجرى النهر الجاف في كيوتو وكانت مجموعة رقصات غريبة وتمثيليات إضافة إلى مجموعة من الرقصات الشعبية التي بدأت تظهر حول منتصف القرن السادس عشر، يرتدون فيها أزياء غريبة وسيوفاً وخناجر.
مسرح النو
النو كلمة مشتقة من اللغة الصينية والتي تعني (المهارة) أو (الموهبة)، وهو شكل رئيسي من أشكال الدراما الكلاسيكية الموسيقية اليابانية التي تم تنفيذها منذ ما يقارب على الأربعة عشر عاماً، يلعب فيها الرجال أدوار الذكور والإناث باستخدام أقنعة وألوان متنوعة للملابس اليابانية التقليدية.
جوان تتر / عن المجلة العربية