نفساً وراء نفسٍ تدفعني الأيامُ قُدُماً لكنَّ عينيَّ ظلتا ورائي تبحثان عن علامةٍ تراءتْ وأنا مستلقٍ ذاتَ ليلةٍ على سطح بيتِنا في “المفرق” أعدُّ النجوم وأخطئُ ثم أعدُها غيرَ مبالٍ بالثآليل التي تطلعُ في يدي وتنطفئ.
العلامةُ، التي تطاردُها عيناي مذاك تدلُ على ساقيةٍ تؤدي إلى نبعٍ ونبعٍ يقودُ إلى سفحٍ حيثُ غصنٌ وأفعى، تحتَ الغصنِ مفتاحٌ، المفتاحُ للغرفة التي نُهيتُ عن فتحها، الغُرفةُ مظلمةٌ، في الغرفة المظلمِة صندوقٌ به صدفةٌ في الصّدفة ورقةٌ مكتوبٌ عليها: لا تلتمسني في المِثْلِ أو الشبه فكلُّ من هو مثلي ليس أَنا وكلُّ من يُشْبِهُني هو غيري، لستُ بعيدةً ولا قريبةً، علامتي أقربُ إليكَ من حبل الوريد.
…………………….
رأيتُ يوماً هذه الرؤيا ونسيتُ العلامةَ أو لعلني سمعتُ هذه الحكايةَ من عابرٍ يرمي إبرة من ثُقب أخرى باتَ ليلةً في بيت أهلي وراح في سبيله.
عبثاً أضعُ رأسي على المخدّة كلَّ ليلةٍ منظفاً عينيَّ من نوافلِ النَّهار وقلبي من أشناتِ الخفقانِ الكاذبِ مهيئأً كلَّ ما يلزمُ لاستدراج العلامة العنيدة.
…………………….
في زمنٍ آخرَ، أو في حياة أخرى، كمغربيٍّ على الأغلبِ، سمعتُ في مقهى شعبيٍ بفاس القديمة رجلاً يقول لمجُالِسِه المهموم:
لا تبحثْ عن العلامةِ
لا تعترضْ طريقَها
دعكَ من الشقوقِ والخرائبِ
لا تتَّبع أنجماً ضللتْ قبلَك رعاةً وعاشقين
فالعلامةُ تأتيكَ من حيثُ لا تحتسب
أو يخطرُ لك على بال.
…………………….
في لندن التي أقيمُ فيها الآن بقناعِ شخصٍ وهمي فارّاً من نبوءة أمي التي يرنُّ فيها اسمي الأولُ كذكرى مفزعةٍ “يا يحيى لن تعرفَ نَفْسُكَ الراحةَ” من الصعب، على كل حال، أن يستلقي المرءُ على سطحِ بيتهِ القرميديّ المائل ويعدُ نجوماً هجرتْ مواقعَها.
لندن – مطلع 2000
من ديوان “حياة كسردٍ متقطِّع” / 2004