«نزهة بين شواهد القبور» لسكوت فرانك.. دروب الخراب

سكوت فرانك

فيلمان اثنان له كمخرج، هو المعنيّ بالإنتاج وكتابة السيناريوهات أيضاً. الأميركي سكوت فرانك (54 عاماً) اختار، لغاية الآن، موضوعين اثنين حوّلهما، كمخرج، إلى فيلمين سينمائيين. في الكتابة، وضع سيناريوهات عديدة. في الإنتاج، قدّم عناوين مختلفة. في الإخراج، اكتفى بعملين: «بالمرصاد» (2007)، و«نزهة بين شواهد القبور» (2014). هناك ما يجمع بين القصّتين: لحظة تحوّل مريرة، تضع المرء أمام مسار جديد. المناخ الإنساني الخاص بهذه اللحظة واحدة: حدثٌ يصنع صدمة، وصدمة تؤدّي إلى تبدّل جذري في العيش، والتبدّل محتاجٌ إلى رحلة تطهّر للخلاص من «خطيئة» أفضت إلى هذا الخراب الذاتي كله، أو للتحرّر من أخطاء «غير» مقصودة. في الفيلم الأول، حادث سير يُشكّل تغييراً جذرياً في حياة كريس برات (جوزف غوردون ـ ليفيت)، إذ يُفقده ذاكرته واضعاً إياه أمام مآزق شتّى: صداقة ملتبسة، وفعل جُرمي، ومحاولة لاستعادة الذات من براثن الموت، الروحي والنفسي أساساً. في الفيلم الثاني، مقتل فتاة صغيرة برصاصة منطلقة من مسدسه خطأ، يضع مات سكودر (ليام نيسون) أمام معضلة أخلاقية، يُضاف إليها إدمانه الكحول، فإذا به يغرق في رحلة الموت، كي يتطهّر من فعله الجُرميّ «غير» المقصود.

ثمانية أعوام أمضاها سكودر بعيداً عن الخمرة. طُلب منه أن يستقيل من وظيفته كتحرّ. عاش وحيداً. خاض تجربة العلاج الجماعي من الإدمان. لم يعد يشرب الخمرة. حاول أن يكون تحرّياً خاصاً، لكنه لا يملك إجازة رسمية. ساعد البعض بطرق غير شرعية، كي يؤمّن حدّاً أدنى من حياة عادية. هذه تفاصيل لا تختلف عن مسارات حياتية لشخصيات سينمائية كثيرة مشابهة لشخصية سكودر. هناك لحظة أخرى تمتلك مفتاح الخلاص. عليه، أقلّه في لاوعيه، أن يتحرّر من خرابه الداخلي، بعد تسبّبه بمقتل الصبيّة الصغيرة قبل ثمانية أعوام. حينها، كان جالساً في حانة يشرب خمرته المعتادة. كان الوقت صباحاً. فجأة، يدخل شابان يريدان مالاً من صاحب الحانة. ولأن هذا الأخير يرفض، يقتلانه، فإذا بمات سكودر يطاردهما. يقتلهما. هناك ثالث. يلحق به في الشوارع القريبة. يُطلق الرصاص عليه. يجعله معطوباً في قدميه. لكنه يكتشف، بعد وقت قصير، أنه تسبّب بمقتل الصبية الصغيرة. ثمانية أعوام مرّت، والنتيجة؟ شفاء من الإدمان، وعجز عن الخلاص الروحي. لهذا، كان محتاجاً إلى لحظة ثانية تضعه في الطريق الصحيحة، لاستعادة نفسه، بعد اللحظة الأولى التي وضعته على درب الانهيار. هذا يُشبه تماماً ما حصل مع كريس برات: مشاركته في عملية سرقة فاشلة يضعه في مواجهة ذاته، لاستعادتها من براثن الخراب الكبير.

«نزهة بين شواهد القبور» عنوان يليق بسرد قصصي يتجاوز الفعل البوليسي العادي. عنوان يعكس إمكانية التجوّل في تمزّقات الروح والنفس أيضاً. لكن الفيلم منتم إلى النوع العادي من الأعمال السينمائية المتخصّصة بالعالم البوليسي. هناك محاولة لقراءة ذاتية عميقة لشخصية مات سكودر، لكن فعل الانتقام والمطاردة ظلّ بسيطاً، بالمعنى الدرامي المباشر. تاجر مخدّرات يُدعى نيكي (دانيال ستيفنس) يتصل به. يريد منه العثور على قاتلي زوجته. هناك تجار مخدرات آخرون يتعرّضون لما حدث مع نيكي. 113 دقيقة مليئة بكلام لا فائدة درامية مباشرة له أحياناً، ومشبعة بملاحقة خفية مبسطة وعادية أحياناً أخرى. النهاية واضحة. على مات سكودر أن يكشف هوية القاتِلَين و«ينهي» وجودهما، للخروج من خرابه.

بالإضافة إلى هذا كلّه، ظلّ الفيلم، المقتبس عن قصّة بالعنوان نفسه للكاتب البوليسي الأميركي لورنس بلوك (76 عاماً)، عادياً جداً في مقاربته السينمائية للمسار الحياتي لرجل ينزلق في جحيم الأرض، كي يصل إلى نهاية النفق.

عن السفير