«ذاكرة نساء» … رواية الحدث السوري

 

 

 

 

 

 

 

 

تعرض الفنانة السورية بيسان الشريف في مشروعها «ذاكرة نساء» الذي تستضيفه غاليري «لافاسون» في مدينة ليون الفرنسية، مجموعة صور فنية لمقتنيات شخصية. وتروي الصور بكثير من الدقة ما عجزت نشرات الأخبار عن تقديمه في مأساة اللجوء السوري.

نصوص مكتوبة تستلهم منها الشريف رواية الحدث السوري، بشكل تفصيلي يخلو من المباشرة والوعظ الجاف، لتكون أقرب إلى الواقع، مستخدمةً كل التقنيات التي يمكن أن تخدم مشروعها، من عناصر توثيق بصري.

يعتبر عمل الشريف أول عمل سينوغرافيا لفنان سوري بهذه الشمولية، ففي بداية السيناريو، تحاول الفنانة أن تعيد ترتيب قصة اللجوء الخاصة بثلاث نساء سوريات، عبر نقل الصورة الواقعية إلى إيحاء مرئي، حين تحل الصورة وجوانبها بديلاً مميزاً من الواقع. وتأتي القصص موحيةً بالفعل والحركة بغية توضيح المعنى فنياً، مصحوبةً بلغة الإشارة الذاتية، والإيماء بالتخيل، ورؤية الوجوه، كل هذه العناصر تضافرت لتعتني بمشهد ديناميكي للحدث المروي عن اللجوء.

المتلقي للعرض بإمكانه ملاحظة أن قصص النسوة الثلاث، بالمعنى الجزئي والكلي منفصلةً عن بعضها، ولكن ما ربطها الإطار الفني الذي لم يسمح بفصل إحداها عن الأخرى.

سينوغرافيا المشهد لدى الشريف، يقوم في شكل أساسي على عامل تحديد النساء كجزئية أكثر وجدانيةً في التغريبة السورية، لا تلخص القصة المروية سينوغرافياً عبر واحدة فقط من النساء، التخليص لا مكانة له، لذلك راعت التنويع البيئي والمجتمعي والثقافي، الداخل في تكوين الشخصيات، سؤال النزوح في الداخل السوري، ثم اختيار اللجوء، ومن بعده الهجرة، أسئلة لا تحجم، عمدت الشريف إلى تضخيمها وجدانياً، كل واحدة من نسائها تروي الحدث.

توجّه الشريف هنا أسئلة تحفر عميقاً في الذات، بعيداً من التماثل والتناظر. الذاكرة تتشكل هندسياً وإنشائياً، وتصبح الذاكرة البطلة رغم قرب الحدث من التذكر، إلا أنه صعب التركيب، لأنه لا يجيد التشكيل العادي.

لدى مشاهدة التشكيل السينوغرافي، يصعب عزل ذات الفنانة عن ذات نسائها، العناصر والتفصيلات الصغيرة التي تركتها النساء خلفهن على عجل الرحيل، تأخذنا إلى مزار روحي مبهر التصوير، فكل مكونات المشروع متماسكة يجمعها رابط عام.

القاعدة الأساسية للمشروع الثورة السورية، وتحتل الأحداث مساحة المكان والصوت والوقت واليوميات، بإضفاء بعد عاطـــفي يمنـــح الكــــلمة تماسكها الفني، لتقريب الصورة من المتلقي الأوروبي، المخاطّب الافتراضي هنا.

ولمزيد من الشرح، يقدم المعرض الممثلة السورية ريم علي، لتروي بحس مرهف تجربة خوض المغامرة مع الذات، عبر السؤال الذي دفعها لترك سورية. استطاعت علي من خلال الإجابة عن الأسئلة أن تروي كل عناصر القصة. وتكمن أهمية المشروع في كونه أحد السجلات التوثيقية للتغريبة السورية، إن جاز التعبير، ويدل الإقبال الملحوظ على التجهيز الفني على نجاح المشروع في جذب المتلقي الفرنسي.

وتقول الشريف: «اخترت النساء في مشروعي، كون النساء اللواتي شاركن في الثورة منهن، واللواتي لم يشاركن، تأثرن بالأحداث في سورية، سواء بطريقة مباشرة أو غبر مباشرة». ورداً على سؤال يخص اختيار النساء لكونهن الأكثر هشاشةً في الحدث السوري، توضح: «المرأة أكثر تعلقاً من الرجل بقضية المنزل والاستقرار والمقتنيات الشخصية والتفصيلات الوجدانية… المرأة في سورية هي من تختار المنزل والأشياء الخاصة به، لذلك رحلة اللجوء أو التغريبة، تكون أقسى على المرأة منها على الرجل».

يُذكر أن المشروع أقيم بدعم من المركز الثقافي البريطاني، ومؤسسة أنديز الثقافية، وتعاون تقني مع وائل علي وسيمون بوشيه.

عن ليون فرنسا