لقمان ديركي / في أعالي البحار

الشاعر لقمان ديركي

 

 

 

 

 

 

 

خاص بالنسخة الورقيَّة / العدد الرابع /

 

 

عنوان

 

 

لا عنوان لكِ

لا أعرف كيف إليكِ أهتدي

 

أركض لاهثاً نحو شعاعك

ألمسه ويفلت

ونركض معاً

أنتِ بعيدة قريبة

تركضين بجانبي

أسمعُ أنفاسكِ

أشم عرقكِ

يحف بكفي طرفُ ثوبكِ

يدعس على رجلي حذاؤكِ

تؤلمينني فأتلذذ

أيتها الحرية

 

 

تغمرينني ببياضكِ

أتنعمُ بكِ

كم هو جميل ملمسكِ

وكم هو رائع جواركِ

تمتعتُ باللحظة التي استفردتُ فيها بكِ

رغم لهاث الجميعِ إليكِ

تزوجتكِ

وأفلتتكِ طليقةً

كما يليق باسمكِ

أيتها الحرية.

 

 

*****

 

أعماق

 

أعماق حزينة ترنو

تشبه موالاً عراقياً

ونشيجاً

وأنيناً

وحداءْ

 

ثم تغضب الأعماق

تبحث عن فوهة

تبحث عن ثقب أسود

تخرج منه إلى المجهول

إلى حظ كوني

إلى فجأة تقلب الكيان

إلى لقاح مع القرين

إلى مخلوق جديد غامض

بيدين طويلتين

يعانق السماء

 

حتى لو كنا في الأعالي

وحيدين

وفي فنائكَ حياتي

فلن أقتلَكْ

 

*****

 

في أعالي البحار

 

من سيقول لي أين تقع أعالي البحار، من؟!..

من سيقول لي ماذا بعد هذا القوس الأخير الأزرق

من سيقول لي ما لم تقله كتب الأسفار

هناك في أعالي البحار

 

هناك حيث تأخذني الأمواج كيفما تشاء

وسط العواصف

تحت الأمطار

على لوح من سلام

هناك في أعالي البحار

 

حيث لا تسمع عواء الذئاب

ولا تلمح فضة القمر

هناك

وسط البُعدِ والظلام

هناك في أعالي البحار

 

لا جبال

لا سهول

لا أنهار

لا وديان

فإلى أين يودي الصراخ

هناك في أعالي البحار

 

وتصرخُ

ولا صدى

لا أنحاء

لا شيء سوى العاصفة

وهي تحمل مع صفيرها الصراخ

هناك في أعالي البحار

 

وتصرخُ

لا للإستنجاد

لا للإستعباد

ولا للدعاء

تصرخُ كي تُفلِت الأحزان

لتطيرَ وتتوه

في الظلام

وسط العواصف

تحت الأمطار

هناك في أعالي البحار

 

حيث لا نسور

لا ضباع

لا غربان

لا ولا حتى قُرشان

لا ضوء

لا أنوار قرصان

في قلب الوحشة

في خلايا الوحدة

بين ثنايا اليأس

ويلفُّك الظلام

على ذروة اللا أمل

هناك في أعالي البحار.

 

*****

 

 

عندما أمروا بقطع ساقِه

 

 

 

 

.. وعندما أمروا بقطعِ ساقه تذكَّرها

وألقى نظرة على الساق التي ستبقى

وتذكَّر كيف كان يركض بهما

وتذكَّر كيف كان بينهما الإنسجام

عندما أمروا بقطع ساقه

 

 

تذكَّرَ

كيف كان يركل الكرة

وكيف كانت التسديدة الصاروخية

والباص الخفيف

وتذكَّر كيف كان يقص أظافره

وتذكَّر الإبهام وظفره المكسَّر المركَّب فوق بعضه البعض

وتذكَّر كم كان يتمتع بقصه وتجريفه

وتذكَّر الخنصر .. فلصغره ولرقة ظفره سيصاب بجرح بسيط

وتذكَّرَ مروره بلاعبي الوسط.. السبابة والوسطى والبنصر

مرور مريح طبيعي

عندما أمروا بقطع ساقه

 

 

وتذكَّر غسل القدمين دون الساق

حال العودة من اللعب إلى البيت

ولا بأس بتبلل الرسغ بقليل من الماء

والجلوس في ركن ما

وتذكَّر كيف كان الحفاة

وكيف هو ملمس البحص أسفل القدم

وتذكَّرَ كيف كانت الأشواك

وتذكَّرَ التوقف للعلاج

وسحب الشوكة

علها تركت شيئاً منها في العراء

علَّها تعطينا ممسكاً

وإلا فإلى الجرح الإضطراري ماضون

عندما أمروا بقطع ساقه

 

 

وتذكَّر حفاة الهند الشهيرين

وفريقهم الذي لم يقبل اللعب بالحذاء

وتذكَّر هيروشيما خارج السياق

وتذكَّر الإنفجار

وتذكَّر التعربش على الحيطان كالزعران

وتسلق الأشجار كالسعدان

وتخيَّل نفسه كحيوان.

وضحك ضحكة طبيعية

عندما أمروا بقطع ساقه

عندما أمروا بقطع ساقِه.