حافلة وحشيَّة /ميرآل كيلو /عامودا

ميرآل كيلو

 

 

 

 

 

 

خاص بالنسخة الورقيَّة / العدد الرابع/

 

في طريق العودة, لم يكفّ الصّف الجالِسُ أمامي في مدحِ تلكَ الأُغنيةالمُزعِجة التي ساعدتني جيداً في بناء جدارٍ من لبانٍ طينيّ داخِلَ أُذنيّ.
لم أستطع كأيّ راكبٍ عادي, حاول مِراراً أن يغُضَّ النَّظر عن الوشيش ليُحافِظَ على دفء تلك النقوّدِ في جيبه وتُحظى مثيلاتُها عند صديقه البرد في يد السائق.
لم أستطع مثلهم أن أتمتم بفمي ملئهُ كلماتَ الأغنية السابقة, فأنا كنت على موعدٍ مع سجناء يتمددون على جهتي الطريق.
كان جُلّ ناظري على طرفٍ يساريٍّ واحد, أعدُّ ما استطعتُ من قُرى غير آبهاً بعدد ساكنيها أو بعدد أحرف اسمها.
كان ذاك الطرف سجناً مليئاً بنظرات من مروا.
الطرف اليساري يحمل العائدين فاقدي أجزاء من أطرافهم مع من كانوا يبعثرون الأنامل على الأجساد, والطّرف الأيمن يكتظُّ برائحة أجسادهم, لا يعلمون أنّهم سيفقدون ذاك الجزء.
كان ذاك الجزء سجناً مليئاً بنظرات من مروا حالمين غائميّ الرؤوس في طوابير طويلة منتظرين وقع الأحرف بترتيبٍ يجعل الأول يخطو إلى الأمام ليلقى زائرهُ بعيداً عن رائحة الطعام المخبَّأ.
ذاك الترتيب كان مُتقَنَاً مما جعل لكلّ منهم كياناً..
ذاك الترتيب لم يعد لي كياني ..
الجالس بجانبي كان مستغرباً جداً, في حين من تبقّوا من ركَّاب هذا العرس المتحرك استمروا في إلقاء شفاههم مضيفين أنغاماً أشدّ شذوذاً من الأغنية ذاتها.وحاول أن يضرب بكفيه مرتين ليجعل من الصخب الأهوج شريكاً حتى نهايته .
وأنا أيضاّ حاولت جاهداً أن أتمدد على طرفٍ يساريّ…
فأسماء القُرى على يسار الطريق غيرُ آبهةٍ بمن ركب هذه الحافلة الوحشيَّة