إشكالية العلاقة بين المجتمع المدني والأحزاب السياسية /سالار صالح

 

 

 

 

 

 

خاص بالنسخة الورقيَّة / العدد الرابع/

 

 

ربما اختلط الأمر لدى البعض فاعتقدوا أن منظماتهم واتحاداتهم المدنية قد تستطيع الحلول محل الأحزاب السياسية وتشغل الفراغ الحاصل في السلطة الذي سينجم عن توقف مؤسسات الدولة عن ممارسة مهامها نتيجة لحالة الثورة, فتلك المهمة التي تناط بالأحزاب السياسية, من غير الممكن لمنظمات المجتمع المدني أن تقوم بممارستها.

إذ تشكل الأحزاب السياسية اللبنة الأولى للمجتمع الديمقراطي, وتؤدي وظيفةً تختلف عن وظيفة أي مؤسسة أخرى في النظام الديمقراطي, ففي مقال صادر عام 1998, على صفحات مجلة الديمقراطية, بعنوان ضرورة الأحزاب السياسية, كتب سايمور ليبست أنّه ” يمكن تعريف الديمقراطية في أيّ مجتمع مركب على أنها نظام سياسي يوفر الفرص الدستورية المنتظمة لتغيير المسئولين الحكوميّين, وآلية اجتماعية تسمح للقسم الأكبر من الشعب بالتأثير على القرارات المهمة عبر اختيار أحد المتنافسين على المنصب السياسي – وهذا يتم من خلال الأحزاب السياسية”. ينص دور الحزب السياسي على توحيد المصالح الاجتماعية وتمثيلها, مع توفير بنية للمشاركة السياسية, وفي حال حدوث اضطرابات في البلاد وتوقف مؤسسات الدولة عن العمل, تقوم الأحزاب السياسية بدور السلطة الفعلية (سلطة أمر الواقع), وتملأ الفراغ الحاصل ريثما تنتهي الأزمة لتعود الشرعية إلى الشعب مصدر السلطات.

من جهته, يشكل المجتمع المدني أيضاً عنصراً أساسياً من عناصر النظام الديمقراطي, فلا يمكن للديمقراطية أن تدوم إلا إن دعمتها ثقافة مدنية قوية وشعب ملتزم بمثاليات: كحكم القانون, والحرية الفردية وحرية المعتقد والجدال الحر والشفاف وحكم الأكثرية وحماية الأقليات, إذ يحتضن المجتمع المدني الحيوي عناصر كثيرة مهمة للديمقراطية, مثل: المشاركة, والمساءلة, والإصلاح السياسي الدائم, تقييم القوانين والتشريعات ونقدها, كما يمثل المجتمع المدني المنظم صدى صوت من هُضم حقه ويزيد من تأثيره على العملية السياسية.

انطلاقاً من هنا, تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً حاسماً في الدول النامية والمتطورة, فهي تساهم في تشكيل السياسة, والضغط على الحكومات والبرلمانات الأحزاب السياسية, كما أنّها تشجع مشاركة المواطنين و تروج للتربية المدنية, فضلاً عن ذلك, تقوم بالتدريب على القيادة وتقدم الفرص للمرأة والشباب والمهمشين, وتعمل كأداة تشجعهم على المشاركة في الحياة المدنية في حال لم يكن العمل من خلال الأحزاب السياسية الخيار الأفضل.

وبهدف الوصول إلى نظام سياسي ديمقراطي مستدام يتوجب ذلك تضافر الجهود بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني, وفي هذا المضمار تجدر الإشارة إلى أنّ المجتمع المدني لم يكن و لن يكون يوماً بديلاً عن الأحزاب السياسية أو القيادة السياسية المسئولة والمتقدمة.

من هنا, يجب ألا يتم تناول المجتمع المدني عوضاً عن الأحزاب السياسية أبداً, بل كجزء أساسي مكمل للأحزاب, لذا من الخطأ التفكير في الاختيار بين جماعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية, وإنما من الواجب اعتبارهما حليفين طبيعيين, فبمقدور الأحزاب السياسية أن تدمج المجتمع المدني في السياسة أكثر من أي قطاع آخر, لذا من المهم أن تقوم الأحزاب السياسية بتشجيع النشاطات المدنية, غير أنه لا يجدر بمنظمات المجتمع المدني أن تمسي أشبه بساعد لأي حزب سياسي معين, أو تتبنى أيديولوجيا سياسية معينة, لا سيما وأن هذا سيقلص من استقلاليتها ومصداقيتها, بل يجب عليها أن تنمي شراكة مع الحزب في القضايا التي تصب في المصلحة العامة, فحين تتعامل الأحزاب السياسية مع منظمات المجتمع المدني في إطار التعاون في القضايا ذات النفع العام, ستصبح مؤسسات الأحزاب أقوى وتكتسب تقدير المواطنين, لا أنكر أنّ هنالك توتراً ملحوظاً يخالط دوماً العلاقة بين القوتين, لكنه توتر مفيد ويجب أن يترافق باحترام متبادل للأدوار الأساسية التي يؤديها كل منهما.

عموماً يتطلب ازدهار المجتمع المدني قيام نظام سياسي ديمقراطي تعددي, إذ أنه من غير الممكن قيام مجتمع مدني قوي وناشط في ظل أنظمة الحكم القائمة على الحزب الواحد, حينئذ تتحول منظمات المجتمع المدني إلى مجرد أداة من أدوات الحزب التوتاليتاري لتوجيه وتعبئة الجماعة في خدمة الأيديولوجيا والزعيم, وتمسي مهمشة وعاجزة, دون أن تمتلك أدنى جرأة تمكنها من انتقاد سياسات سلطة الحزب الواحد (القائد للدولة والمجتمع).

وفي مطلق الأحوال, العالم الذي تتألق فيه الديمقراطية هو مكان أكثر إنسانيةً وسلاماً واستقراراً وازدهاراً.

سالار صالح

ناشط في مجال حقوق الانسان و المجتمع المدني