هل انتقل كيم فيليبي الى المعسكر السوفييتي بسبب تعاطفه مع العروبة والإسلام؟

 

 

 

 

 

 

 

 

مَنْ كان يعتقد أن الجاسوس البريطاني المزدوج في مطلع ومنتصف القرن الماضي كيم فيليبي ذهب ضحية امرأة صهيونية اسمها فلورا سولومون كانت صديقة له خلال دراستهما سويًا في ثلاثيــنيات القــرن العشرين في جامعة كيمبردج؟
ومَن كان سيصدق أن هذه المرأة قدمت وشاية، مرَ عليها الزمن، الى الإستخبارات البريطانية حول محاولة الجاسوس الشهير فيليبي استقطابها الى المعسكر الشيوعي خلال شبابهما في الجامعة انتقاما من كيم فيليبي ومقالاتهالمعارضة للصهيونيةفي صحيفة «الأوبزرفر» في الستينيات، وانها حملت وشايتها هذه وروَجتها لدى فيكتور روتشيلد (اللورد روتشيلد) الذي ترأس سابقًا قسم مكافحة الإرهاب في «وكالة الاستخبارات البريطانية «(M15) والذي نقلها بدوره (لصهيونيته أيضا) الى ديك وايت، مدير الإستخبارات البريطانية آنذاك، وبالتالي، أعيد فتح ملف فيليبي وبدأت ملاحقته من جديد في مركز عمله في بيروت (لبنان) وأُعيد وضعه في صفوف المشتبه فيهم، مما دفعه الى السفر خلسة الى موسكو وتمضية الأيام الباقية من حياته في المعسكر الشيوعي؟
هذا بعض ما ورد من وقائع تاريخية هامة في كتاب بعنوان»جاسوس في حضرة أصدقائه، كيم فيليبي والخيانة الكبرى» الصادر عن (دار بلومزبري) في لندن ونيويورك منذ فترة قصيرة في هذا العام لمؤلفه بن ماكنتير، الكاتب المتخصص في هذه المواضيع.
كيم فيليبي، شأنه شأن كثيرين مثله من طلاب جامعة كيمبردج في ثلاثينيات القرن الماضي، تأثر بالفكر الماركسي الشيوعي ورأى أن الماركسية توفر مقومات بناء الدولة العادلة،حيث تتساوى فيها فرص جميع الطبقات الإجتماعية. وفلورا سولومون شاركته هذه الأفكار، ولكن بالإضافة الى ذلك دفعتها جذورها اليهودية الى الإيمان بضرورة إنشاء دولة يهودية في إسرائيل. وعندما قرأت مقالاته في صحيفة «الأوبزرفر» التي كان يراسلها من بيروت في أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات انزعجت من تعاطف كيم فيليبي مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وخصوصا أن والدهالذي عمل في السعودية في تلك الفترة، اعتنق الإسلام وسمًى نفسه عبدلله فيليبي (بدلا من ايتش سان جون فيليبي) وصار مستشارًا لمؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز بن سعود.
واعتبرت فلورا سولومون، التي كانت صديقة لزوجة فيليبي الثانية (اليهودية أيضا) ان فيليبي كان يروج في مقالاته للدعاية السوفييتية التي كانت بدورها تنتقد سياسات اسرائيل وتضعف هذه الدولة الناشئة.
ويقول الكاتب ماكنتير ان موقف سولومون هذا لم يكن موضوعيا، إذ ان كيم فيليبي كان مؤيدًا للعرب ولكنه كان ذكيًا الى درجة تحول دون ظهوره كعميل سوفييتي.
ولكن سولومون استخدمت محاولة فيليبي استمالتها لدخول حلقة ملتزمة الشيوعية في جامعة كيمبردج عام 1935، لإطلاق الإتهامات بالجاسوسية ضده بعد ثلاثين عاما مع أن جهاز الاستخبارات البريطاني (M15) كان قد أعلن سابقا براءته من فضيحة اكتشاف عمالة الجاسوسين غاي بيرغس ودونالد ماكلين، في الخمسينيات.
ويؤكد المؤلف ان فلورا سولومون زارت اسرائيل في أب/اغسطس 1962، كما فعلت في مناسبات سابقة عديدة للمشاركة في مؤتمر نظمته مؤسسة (حاييم وايزمان) حيث التقت بفيكتور روتشيلد، أحد داعمي المؤسسة، وصديقها منذ الثلاثينيات، وبادرته بالقول: «كيف توظف جريدة محترمة كـ (الأوبزرفر) مراسلاً ككيم فيليبي؟ ألا يعرف القائمون عليها بأنه شيوعي؟». ثم بادرت الى ابلاغه ان فيليبي حاول استقطابها الى مجموعة مؤيدة للشيوعية في كيمبردج في الثلاثينيات. وفيما بعد قالت سولومون ان هدفها من فضح فيليبي كان «سياسيًا، بسبب كتابته مقالات معادية لإسرائيل، وتمنَت طرده من (الأوبزرفر)». ولكن اللورد روتشيلد لدى عودته الى لندن نقل حديثه مع سولومون الى قيادة (M15) مما أسعد المجموعة التي كانت ما زالت تعتقد بأن فيليبي جاسوس سوفييتي، وعلى رأسها مدير الاستخبارات البريطانية آنذاك ديك وايت. ومن هناك، بدأت عمليات الشكوك والإحاطات الاستخبارية بفيليبي، التي انزعج منها أصدقاؤه في الاستخبارات البريطانية والأمريكية وعلى رأسهم صديقه نيكولاس ايليوت (بريطانيا) ومايلز كوبلاند وجيمس انغلتون (أمريكا).
وكانت فلورا سولومون تخشى ان تذهب هي ضحية اغتيال من قبل المخابرات السوفييتية بسبب ما فعلته بفيليبي، ولعلها كانت أيضا تخشى ان تنفضح دوافعها المريبة والمنحازة.
والمؤسف في هذا المجال ان «مسرحية» فلورا سولومون هي التي حطمت فيليبي وعلاقاته مع بريطانيا، مع ان السبب الرئيسي، (حسب مصادر مطلعة جدًا على نفسية هذا الرجل) هي التيأدت الى ذهابه وركونه الى المعسكر السوفييتي، تعود الى المعاملة السيئة جدًا التي لقيها والده عبدالله فيليبي بعد وفاته المفاجئةثم مكث في بيروت عام 1960 علما بأن الوالد كان قد طُرد لفترة من السعودية لانه انتقد الملك سعود بن عبد العزيز، وعاش في بيروت. ولما توفي فجأة بعد سهرة في أحد ملاهي بيروت في عام 1960، رفضت السلطات البريطانية قبوله ودفنه رسميا لكونه مسيحي إعتنق الإسلام مع أنه عمل في مجال الاستخبارات لمصلحة بريطانيا في فترة من حياته كما فعل ابنه بعده.
وتمً دفنه من قبل أصدقاء كيم فيليبي في بيروت بحضور كيم نفسه في مقبرة الباشورة في مراسم إسلامية وتحت اسم عبدالله فيليبي. وهناك لبنانيون شاركوا في هذه الجنازة وأوردوا هذه الوقائع لآخرين أكدوا صحتها. ويقال أن كيم فيليبي انزعج الى درجة كبيرة من معاملة بريطانيا واستخباراتها لوالده المتوفي وله، وان هذا الأمر شكل أحد العوامل الرئيسية التي دفعته الى الإنتقال الى المعسكر السوفييتي، مع أن قلبه ظل في بريطانيا، وعلى الرغم من أن أصدقاءه في المخابرات البريطانية، وبينهم نيكولاس ايليوت، طالبوا بتكريمه بعد وفاته وبإزالة الصفحة السوداء عن انتقاله المفاجىء الى المعسكر السوفييتي، حيث قضى آخر أيام حياته (ربما رغما عنه).
في هذه المناسبة، الجدير بالذكر أن الأيام والأشهر والسنين الأخيرة لكيم فيليبي تحت المظلة السوفييتية لم تكن أياما سعيدة (حسب الكتاب).
هذا الإنسان المركب ربما دُفع الى القيام بعمل لم يرغب في القيام به، فقط بسبب تعاطفه وتعاطف والده مع العروبة والإسلام وفي كتاباتهما ومواقفهما المعادية للصهيونية ولإسرائيل.

عن القدس العربي