أيها البلد(قصيدة جديدة للشاعر الكبير سليم بركات)

 

 

 

 

 

 

لا تسألوني الضبطَ مُتْقَناً كالرَّبطِ مُتْقَناً بعد الآنَ. الأعالي مُخَبَّلَةٌ مزَّقْت صُدْرَتها، والأسافلُ مُخبَّلةٌ كالأنحاءِ الخَبَلِ لا تُرتجى بعد الآن.

ركبتايَ خارتا، والسماءُ خارتِ. الْسماءُ يُصلحِها الغزاةُ. الْسماءُ العطْلُ. الْسماءُ الوَزْرَةُ بالدمِ عليها من شَلْشَلهِ. اْلسماءُ شدوُ الجنونِ البلبلِ، ورقصُ البلبل فوق ذيل التِّنينِ. اْلسماءُ الركلُ من مُعْتَقَدٍ إلى مُعْتَقَدٍ. لا دليلَ على السماءِ بعدُ. لا دليلَ على سُلمٍ إليها، أو نزولٍ منها بسُلَّمٍ إلى الإنسانِ، أيها البلد.

فَتْقٌ في الروحِ، ورتْقٌ. ويلَ الرَّجمِ بعظامِ الأسلافِ الماءِ، والأسلافِ الطينِ. ويلَ الرَّجمِ بالمراقدِ جُوْفاً خُدِعَتْ، لم تَشْغَلها جثثٌ. ويلَ البلدِ أيها البلدُ الأكياسُ يجمعُ المخذولُ فيها ثيابَه، وعنادَه، وحناجرَ أولادهِ المُنتَزَعَةَ. مزادُ الشرعِ عليكَ. مزادُ اليقينِ فيكَ. مزادُ المزاراتِ السطوِ، والمدافنِ السطوِ، أيها البلدُ: مَسْحٌ في الأملاك:

بقايا قَصْرٍ،

وغزاااااااةٌ حَرَسٌ.

لا توضيحَ أكثرَ من اِيرادِ الرملِ أمثلةً في الأحكامِ. اْلمآخذُ هَيِّنةٌ مُذْ حِصَصاً نتسلَّم الهولَ؛ حصصاً نتسلمُها الأعمارَ بالمغارفِ الحديدِ. مآخذُ لا تُذْكَرُ على عنادِ الخرابِ في التدقيقِ. المآخذُ هيِّنةٌ لا تُذْكَرُ على اقتسامكَ رماداً. سَمِّهِ القتلَ بأسماءِ أيامك بعد الآن، أيها البلد.

عَدَمٌ في التلخيصِ. دولٌ ملخَّصاتٌ، والعبورُ ملخَّصاً من حصونِ الآلهةِ إلى المسالخِ. أصباغٌ لدِهانِ الجبلِ، ودِهانٌ للبحر مُذْ تقشَّرت أساطيرُهُ. بلاءٌ أثاثٌ في كلِّ ردهةٍ، والأقدارُ ضحلةٌ لا تبلغُ أرساغَ الأقدامِ. لا خلافَ. تعبٌ لا خلافَ عليهِ. لا خلافَ على الحقائب أخفَّ وزناً أو أثقلَ بعد القتلِ. إلهٌ لا خلافَ عليهِ، بل على معقولهِ، أيها البلدُ. اْلبضائعُ مكفولةٌ بضمانِ الشكِّ الشكَّ، واليقينِ اليقينَ، والإلهِ المعاركَ. ضمانٌ أن لا نفاذَ للماءِ من شقوقِ الأرواحِ مُذْ طُلِيَتْ قِيْراً. شكراً للقيرِ، أيها البلد.

هاكَ، إذاً، دِلاءَ الأرواحِ مرفوعةً بأشطانِ الحرائقِ من آبار الحرائق.

هاكَ الموتَ يُصْرَف بأسعار البارحةِ. فداكَ الشحوبُ الأبُ: خُذِ الحريةَ من زُقاءِ الديكِ على أطلالِ الهيكلِ، أيها البلدُ الوثَنُ الوثنيُّ. خداعٌ مشرفٌ من النافذةِ على أصيص النبتةِ الدمويةِ، أيها البلدُ الهَدْمُ الشاطرُ، والسخريةُ الضربُ بحذاءِ الأبدِ على الطاولةِ. اْلأناشيدُ فاسدةً تُحفَظُ في ملحِ العهدِ وخَلِّهِ. سهوٌ في الميثاقِ خائباً من حِبْرِهِ، أنتَ، أيها البلد.

لادِيْنَ للغدِ.

لادَيْنَ للغد على أحدٍ في تراجمِ العائدين من الهولِ بألسنةٍ طميٍ.

مآثرُ مجذِّفةٌ في الرمادِ بمجاذيفَ من أصواتِ المرتعديْنَ. اْلبضائعُ مكفولةٌ، أيها البلدُ. تُراحُ الأرضُ عاماً لتُزْرَعَ عاماً، لكنْ لا يُراحُ فيكَ الزرعُ بالأرواحِ البذارِ. أوقِفْني عن مطابَقاتِ الدمِ في الأغاني. أوقِفْ شَكَاتَكَ أنْ ما من آلهةٍ تغضبُ بعد الآن، يا اغترافَ الظلالِ بالأقداحِ شُرْباً.

تولَّيْتَ الحصادَ في أبَّانهِ صَمَماً من الحقائقِ، وخَرَساً من مذاهبها. اْلسماءُ لا تُحتَمَلُ بعد الآن. ادْحضِ السماءَ. ادحضِ الأخوَّةَ التي لا تُحتملُ بعد الآن. الأعمدةُ تلهو بالأعمدةِ، وحيادُ الخميرةِ لا يُنجي الأرغفةَ من مساءلات المعاركِ. دَفْعٌ. هاكَ. يُصْرَف الموتُ بأسعار البارحةِ، فلا أُسْألَنَّ الضبطَ مُتْقَناً كالربطِ مُتقناً، بعد الآن. اْلموتُ ضيِّقٌ بعد الآن.

لا عافيةَ تعيدني إلى ماكنتُه.

لا إخلاصُ الجبلِ،

لا الجبليُّ،

لا جدِّيَ الجبلُ،

لا جدَّتي الغابةُ،

لا إخوتي الطُّرقُ ضيِّقةً،

لا شقيقاتي الصخورُ الصقيلةُ في مجاري الأنهارِ،

لا فجرَ يعيدني إلى ماكنتُهُ.

لا خُسرانَ، أو نصرَ،

لا طريقَ تعيدني إلى ماكنتُه.

لا الآباءُ الجيِّدونَ،

لا العشاقُ الجيِّدونَ،

لا القتَلَةُ الجيدونَ،

لا الموتى الجيِّدونَ، أولاءِ الذين لا يتوقف الموتُ عن التبشير بهم أنبياءَ في ممالك الموتى، يعيدونني إلى ماكنتُه.

لا السماويُّ وحِرْصُ بناته على دفوفهنَّ،

لا ربابنةُ المهجورِ،

لا ملاَّحو الكثبانِ الكبرى، يعيدونني إلى ماكنتُه.

لا الحياةُ النومُ تحت شجرة الموتِ،

لا الألوفُ الأعوامُ استغرقتِ الإنسانَ كي يعرف أنَّ البرتقاليَّ لونٌ وليس برتقالةً،

وأنَّ الشكوكَ ذئبيَّةٌ مع الزوال الحائر في قَسَمهِ بالزوالِ،

ومع الكُفْر نبيلاً في إيمان الكُفرِ بالشجرة تلك، التي أنا ظلُّها، ستعيدني إلى ماكنتُهُ.

لا الموتُ معترِفاً للموتِ بأرَقِهِ كَبَشَرِ الباطنِ مولوديْنَ سِفاحاً من أساطير المنتظَريْنِ، يعيدني إلى ماكنتُه.

لا الموتُ بسيطاً في الأزمنة الكبرى،

أو مختلِطاً تعقيداً في الأزمنةِ الصغرى، يعيدني إلى ماكنتُه.

لا المعذِّبون يقينَ الجبلِ أنَّه الأعلى،

القساةُ الطيبون كالمَرَقِ الطَِّيِّبِ،

يعيدونني إلى ماكنتُه.

حين الأمَّهاتُ جميعُهنَّ أُمهاتُ الغَرَ قِ في الأديانِ الغَرَ قِ،

لا أمهاتٍ يُعدْنَني إلى ماكنتُه.

لا

أحدَ

يعيدني

إلى ماكنتُه.

هَرْجٌ، ومَرْجٌ: عُدَّ، أيها البلدُ، ما يُذْهِلُ ويَشْدَهُ؛ مالا يُسْتَجْمَعُ إلاَّ في انهيارٍ.

عُدَّ. مفرِّغٌ أنا جيوبَ الصِّفْر من كُسَارةِ الأرقام. الأعداءُ قساةٌ كالأساطير أيها البلدُ. لا أريد أرضاً بعد الآن. لا أريد سماءً فوقي بعد الآن. أوقفْ قلبي على قدميه. أوقفِ الطُّرُقَ المغمى عليها على أقدامها. أوقفِ النزوحَ من الوقتِ إلى ما لا يعرفه الوقتُ. أوقفْ خصومةَ التراب للترابِ،

وشِجارَ الحدائقِ،

وسقوطَ الدقائقِ مهشَّمةً بمطارقها،

أيها البلد.

في أحذيةٍ،

أو بأقدامٍ حافيةٍ، ينجزُ الذبحُ عبورَه من السهلِ إلى الجبل. لا. لا توقفْ قلبي على قدميهِ، أيها البلدُ.لا تمنحْهُ فرصةَ النظرةِ الأخيرةِ إلى مالن يعودَ. مرجَّحٌ أنني لن أتبيَّنَ الثقلَ بعد الآن، ولا الخفَّةَ بعد الآنَ. اْلأيدي هواءٌ، والقلوبُ هواءٌ. خَلْقٌ نزوحٌ بالكفرِ إلى عدْلِ الكفرِ.لا بحرَ هنا.

لا بحرَ هناك.

لا سهلَ هنا.

لا سهلَ هناك.

لا جبلَ هنا

لا جبلَ هناك:

بلادٌ تُطْبِقُ الكتابَ على سطورهِ الطويلةِ،

والقتلى لن ينهضوا إلى مهمَّة بعد الآنَ. إنَّهُ حصادُ المتاهاتِ، وتأثيثُ الرياحِ للإقامةِ. أقمارٌ رخيصةٌ في الأسواقِ. قتلى وبضائعهُم معروضةً على مساطب الشفق. آدابُ القتلى، وشرائعُ القتلى في تنظيم الموتِ كالدُّوَلِ الموتِ. اْلقبورُ المقايَضاتُ، وذهولُ الباذنجانةِ من بياضِ الأسنانِ في فم الخائفِ، أيها البلد.

عزلةُ الكونِ أخيراً، أيها البلد.

إسطبلاتٌ كثيرةٌ للجيادِ الحجارةِ. قُفْرانٌ كُثرٌ للنحل الحجريِّ. إيمانٌ بالحجر المعذَّبِ، أيها البلدُ. لن أُسلِّم السماءَ إلى أحدٍ إنْ سُئِلْتُ مُذْ سلَّمتُها البارحةَ، بيدَيْ يقيني، إلى الشحاذينَ. موتٌ خيريٌّ. موتى خيريونَ. خجلُ الماءِ من نفْسه هذا، أيها البلدُ. بكاءُ البحرِ، وندْبُ الغيومِ. كوفِئْتَ: الغضبُ مكافآتُ الآلهةِ على أعمالِ الموتِ. واُرِحْتَ مُذْ لا إصلاحَ في كسور السماءِ وأقفالِها. هَيْتَ لكَ. لا قلبَ في يديكَ؛ لا قُبَلَ في جيوبكَ. استَرِحْ عندما لا قلبَ في يديكَ؛ لا قُبَلَ في جيوبكَ. عندما

لا

بابَ؛

لا

نافذةَ؛

لا بيتَ؛

لا حدائقَ،

ولا أمكنةَ؛

عندما لا يعرفُك العارُ السَّيدُ،

والفجرُ السيِّدُ؛

عندما لا تعرفكَ الكراهيةُ كما ينبغي،

ولا تعرفها كما ينبغي؛

عندما الشرُّ مديحٌ لا غيرُ،

والإغراءُ جراحٌ؛

عندما الأجسادُ تُطوى كالأعلامِ تُطوى بعد المهرجانِ،

والهذيانُ وحده يستطلعُ الطريقَ السالكَ أميناً؛

عندما النهارُ النَّذْلُ ضرورةٌ لقبول النُّصحِ من الضياءِ النذلِ،

والتجاريبُ كلُّها فلكيةٌ،

والطبيعةُ سداسيَّةُ الشكِّ كالعفَّةِ في دِيْنِ الغضبِ؛

عندما لا غالبَ إلاَّ العويلُ،

والأمكنةُ الأراذِلُ، والجهاتُ الرذيلةُ؛

عندما النهايةُ تجري مجرى الليلِ،

والغبارُ يجري مجرى المعْجِبِ بالهباءِ العُجابِ؛

عندما أنْ مفطورون على الساعاتِ مُفرَّغَةً،

وعلى الأيامِ مفرَّغَةً،

وعلى السنينِ مفرَّغةً؛

مفطورونَ

على

الأوزانِ

مفرَّغةً،

وعلى المبتدّأِ الفارغِ

كالمنتهى الفارغ؛

عندما أنْ مفطورون على الحرائقِ،

وصناعاتِ الهمِّ المتَّزِنِ،

والغمِّ الوازنِ؛

عندما البابُ جريحٌ،

والأبهاءُ جريحةٌ،

والطُّرقُ صوتٌ لا يكمل أقاصيصَهُ؛

عندما الرحمةُ نزقةٌ بطباعٍ كالحراشفِ،

والمنشدونَ رَتَلاً على شَفراتِ الدِّيْنِ منشِداً في الملهاةِ،

والأخلاقُ للهربِ بأقدامها؛ لبلوغِ الحفافِ بأقدامها؛ للقفزِ بأقدامها

من

كُفْرٍ

إبنٍ

إلى

كُفرٍ

أبٍ؛

عندما وحشُ اللازورديِّ في الرسومِ الدولِ،

ونفورُ الجهاتِ من الجهاتِ،

والمدنِ من المدنِ،

والشواطئِ من الشواطئ؛

عندما تحاكي المياهُ الطيورَ، وما يجري مجرى ذلكَ؛

ما يجري مجرى الليلِ،

ومجرى الصاعقةِ الشعثاءِ،

ومجرى المديح منتحراً بممدوحِيْهِ؛

عندما المساخرُ الأضاحيكُ في الشرقِ الحُمَّى،

وخُرافةُ القُبَلِ،

وخُرافةُ الإنسانِ حالماً،

وخرافةُ العسلِ ـ هَيْتَ لكَ أيها البلدُ:

لا شيء يناسبُ شيئاً؛

لا مصافحَةَ تناسبُ مصافحةً، بعد الآن.

عاديٌّ أن ينهار البحرُ جاثياً بعد الآنَ. اْلمجازرُ تُحْمَدُ. يُحْمَدُ البقاءُ الشفرةُ.

يُحمَدُ الخرابُ التصديقُ؛

الْجوعُ التصديقُ؛

اْلكلماتُ التصديقُ أطبقتْ عليها يدُ المنتحرِ. الْخرابُ الأمراسُ مفتولةً، والخرابُ الهَللُ. رعاعُ الإيمانِ المحتجب في الوثنِ المحتجبِ، أيها البلدُ. ما التصديقُ؟ ممتَحَنٌ بالهولِ الصادقِ والكفرِ الصادقِ. ما التصديقُ النفوسُ؟ أينَها؟ اْلنفوسُ

التي

بلا نوافذَ،

أو أبوابٍ. اْلنُّفوسُ العشبُ مجتزًّا بمقصاتِ المدحِ، والنفوسُ الثقوبُ في كشتبانِ الخلائقِ. جَدَلٌ هذا. جَدَلُ الرمادِ العَلاَمةِ، وخَطابةُ الجراحِ الرَّعاعِ، أيها البلدُ. اْلعَجبُ الأفعوانُ. العُجابُ الكلبةُ في نباحها المعاني ملتزمةً هذيانَ الحكمة الهمجيةِ، أيها البلدُ. اْلغريبُ

شريكٌ

فيكَ،

والغزاةُ

أشراكٌ.

مُذْ أُنجزتَ بلداً بالنقصانِ الخالقِ لم تَثْبِتْ بلداً للحظوظِ إلاَّ نهباً،

أيها

البلدُ.

خُذِلتَ مُذْ كنتَ،

وخُذلتَ مُذْ لن تكون ماكنتَهُ بعد الآن.

خُذلتَ مُذْ لا تعرف ما ستكونُهُ بعد الآنَ. يا لكَ

إرثاً

من نِعَمِ المُشْكلِ.

يا لكَ

أكيداً

كأخيكَ الشكِّ،

أيها

البلد.

بطشٌ عسلٌ. نساءٌ منمَّشاتٌ كالأقدارِ. أرِني، أيها البلدُ، البطشَ العسلَ، والنساءَ منمَّشاتٍ كالأقدارِ. أمْ هذا ردْعُ العبثِ عن كسله لنتعافى في العبثِ؟ اْلمذابحُ رشيقةٌ، سكاكرُ. الْمذابحُ السكاكرُ في أيدي الأولادِ. الجلاجلُ في كواحل الموتى، والدفوفُ في أيدي المُحتَضَريْنَ. خُذْها زلَّةٌ من لساني، أيها البلدُ. اْلقتلُ

مرتعداً

من

صوتِ

أمِّه الضاحكةِ. خُذْها زلاَّتٍ من ألسنة المدنِ وأشباهها؛ الأممِ وأشباهها. سأحاكيك بنحيب الصخرةِ التي تلمسُ النهرَ؛

بالخوفِ عريقاً؛

بالخوفِ خالقاً،

وارِثاً،

وريثاً؛ بالخوووووفِ مائلاً كقلبٍ. مُرجَّحٌ سقوطُ القلوب في سقوطِ المدنِ. مرجَّحٌ

أنْ

لا يُستَرْجَعَ

خِيارٌ؛

ألاَّ

يُسْتَأْنَسَ

بأصلٍ أصلاً.

عروضُ المدنِ مُسْتَنْفَدةٌ،

أيها

البلدُ.

زلَّةٌ على لساني.

زلَّةٌ من لسانِ الماءِ. أمْ أسمعُ الصوابَ في انهيارِ الأمكنةِ على أسمائها؟ بلغَ الزبدُ ما بَلَغَه في رئتيَّ. خذْها الزلاَّتِ من ألسنة الحربِ مُكْتَنَفةً بكِلَلِ الشِّعر ذي الأوزانِ العويلِ. خذْها الحربَ الناعسةَ طولاً. خُذْ يدَ الشجاع المنكوبِ بظُلمِ سلاحهِ،

أيها

البلد.

خُذِ الشِّيعَ الهَمَجَ،

وانتصاراتِ المحنةِ زلاَّتٍ على ألسنةِ السبيِ فصيحاً.

خذْها مني: انحلالَ السماءِ. لا آلهةَ

إلاَّ

آلهةَ

الصرخة.

لا سوى الغريبِ الجسارةِ في النَّحْر؛

لا سوى الغريبِ وكيلاً في نقل المدنِ حطاماً إلى الآلهةِ الحطامِ. المآذنُ الدخيلةُ. القلوبُ الدخيلةُ. المستَعْمَراتُ المراقدُ جُوْفاً، والفتاوى المستَعْمَراتُ. السماءُ الدخيلةُ، أيها البلدُ. تلاسُنُ الدول فوق رؤوس القتلى المنتصبينَ، أيها البلدُ. اْلذهبُ المنحورُ. اْلغيومُ المنحورةُ، أيها البلدُ. محاكاةُ الطُّرقِ للمذابحِ. محاكاةُ القتلى للقتلى،

والموتى للموتِ،

والبساتينِ المهجورةِ للبساتين المهجورة.

محاكاةُ الدويِّ المذهلِ للشُّكْر انِ يرفعه العدمُ مضطرباً في التوضيحِ،

أيها البلد.

الجيوبُ ممزَّقةٌ.

ممزَّقٌ كلُّ أصلٍ أيضاً، فهلاَّ رَفَقْتَ بالمِيْتاتِ معدَّلةً بعدُ؟ خذْها الأمثالَ معدَّلةً تجري على ألسنة التماثيلِ، واسمعْ إكراهَ النار ألاَّ تتركَ رماداً، وإكراهَ الدخانِ على النومِ في حلم النارِ، أيها البلد. اْلمخلوقاتُ الرمالُ، والمخلوقاتُ القناديلُ الدمُ، والفنونُ الماءُ، والفنونُ المائيةُ. اْلأيامُ خبيثةُ المَطَالعِ، أيها البلدُ. رِفْقاً بالمِيْتاتِ. رِفقاً بيديِّ الموتِ الوديعتينِ. اْلأضاحي مقيَّدةٌ في ترجمةِ الغريبِ للسِّيْرَةِ الظلالِ ـ سِيْرتِك،

أيها

البلد.

جرائمُ الأمهاتِ أنْ يلدنَ بعد الآنَ،

والآباءِ أن يستولدوا. هي ذي تقوى المدية فوق النَّحرِ،

وتقوى المذبحةِ،

وهدْيُ الحريقِ. رِفقاً، أيها البلدُ، بأحذية القتلى على الأرصفةِ. الْأرواحُ دارسةٌ أطلالاً كالأجسادِ الأعمدةِ، والأجسادِ السقوفِ، والأجسادِ الجدرانِ. الملاهي تُلْمَسُ في فردوسِ الأنقاضِ. الغزااااةُ هنا، أيها البلدُ. اْلفاكهونَ الغزااااةُ في بستانكَ ـ بستانِ الأحشاءِ. ما غَرَّكَ أن تَصْرِفَ أو تُصْرَفَ؟ قَعِيْدٌ أنتَ مُذْ أُنشئْتَ سُكنىً موصدَ النافذةِ، وبابُكَ ضيِّقٌ.

إعراضٌ فافتتانٌ. لَبْثٌ في العَناءِ عن قصدٍ إلى المدحِ صُراخاً، أيها البلدُ. بذلتَ وَسْعكَ، مثلي، كي تُفْهَمَ غريقاً في ما لا يُفْهَمُ: اْلنجاةُ لا ليَ؛ اْلنجاةُ لا لَكَ. اْلعبثُ

صادقٌ

في وعدهِ. المُشْكلُ

صادقٌ

في وعدهِ. الخوفُ

صادقٌ في وعدهِ. الخرابُ

صادق في وعدهِ. الهتكُ والقتلُ

صادقان في وعدهما. اْلنهبُ

صادقٌ

في وعدهِ. الخسفُ

صادقٌ

في وعدهِ. العجرفةُ

صادقةٌ

في وعدها. اْلذبحُ

صادقٌ

في وعدهِ. اْلحُرقةُ قبل الذبحِ،

وبعد الذبحِ،

صادقةٌ

في وعدها. اْلخيبةُ

صادقةٌ

في وعدها. اْلحقدُ

صادقٌ

في وعدهِ. الخسارةُ والفَقْدُ

صادقانِ

في وعدهما. الدَّنَسُ

صادقٌ

في وعدهِ. الخُدعةُ

صادقةٌ

في وعدها. الكفرُ

صادقٌ

في وعدهِ. الرمادُ

صادقٌ

في وعدهِ. الغزاااااةُ صادقون كالكِذْبِ صادقاً في وعدهِ، أيها البلد.

خذوها مجالسَ الوقوف على طَلَلِ الكونِ.

خذوا التشبيبَ بالباسطين أيديهم بَيْعةً للجحيم.

خذوا الأشياءَ صُفْراً كأعلامِ النَّسْلِ الحَمأَة.

خذوا المراقد مقدَّسةً كالأصفانِ،

مدنَّسةً كشكوى العاهرةِ من نفاقِ فرْجها. وَيْكَ، أيها البلدُ: المُهَلُ الشَّابَّةُ، والمُهَلَ الرميمُ. الكذابون في المُهَلِ مقضومةً بأسنانِ أمهاتهمُ. اْلأعالي مُخبَّلةٌ مزَّقتْ صُدْرتَها – لا تُرتجى بعد الآنَ. اْلأسافلُ مُخبَّلةٌ كالأنحاءِ الخَبَلِ. نَدْبٌ

رائقٌ

من

حِذْقِ

الطَّربِ الرائق.

عتبُ النشأةِ عليك أَنْ كنتَ بلداً لم تكنْهُ، أيها

البلدُ

القيدُ؛

البلدُ القُفلُ؛

البلدُ البابُ مصطفِقاً على قَدَمِ السالكِ. أجناسُ الوحشِ هيَّجَها فَرْطُكَ في التقديرِ. أُخِذْتَ لا مُسْتَعَادٌ. أمْ تُستعادُ اختلاساً من غفران اللاجئِ منك إلى كُفْرِه؟ اْلبدُ

القيدُ.

البلدُ

القُفلُ.

البلدُ التوبةُ عما كانَهُ مرَّةً،

وعمَّا لن يكونَهُ بعد الآنَ.

الحمدُ الشاكي،

والذَّمُّ الشاكي، الغَبْرَتانِ على رفٍّ. والتاريخُ

الهَبَلُ؛

الأنسابُ الهَبَلُ؛

الأعراقُ الهَبَلُ؛

القيامةُ الهبلُ، أيها البلدُ. اْلأقدارُ أسفَّتْ حتى لَتَعَضَّنَّها الجراءُ. اْلقَتَلةُ الشَّرَّى في أسواق الكون مقتفيْنَ نساءَهم يتبضَّعنَ العِظامَ الذهبَ، والقلوبَ الذهبَ، والأحشاءَ الذهبَ من حوانيت الأنساب الذهبيةِ. اْلقتلةُ البراءُ من حقِّ الوقت على الحظوظِ. الْقتلةُ النجاةُ عبوراً من سطور الأمثال إلى الحدائق المحترقةِ؛ المترجمون الدمَ عن الدمِ ماءً، واللحمَ عن اللحمِ مِزَقاً من قواعد الأرقامِ. اْلقتلةُ

المتَّزنون

مشياً

على

الخيطِ

الحريرِ للقتلِ. الوارثون مدنَ الآباءِ سُرقتْ بالشعوب فيها،

والكلماتِ فيها،

والذبائحِ فيها ملوَّنةً كأعلامِ القاهرِ وثيابِ عاهراته، أيها

البلد.

همْ أولاءِ القتلةُ الطرقُ لا جوازَ لمرورٍ إلاَّ فيها؛ اْلبحَّاثةُ في الأصولِ الأولى للألمِ،

وطبائعِ النَّزْفِ،

ومناجمِ الخوفِ؛ الْعدَّاؤون

بالأسلابِ

من نَسْلٍ

إلى نسلٍ. الْجوَّالون بالدفوف على القتلى يذكِّرونهم بسَدادِ الدَّيْنِ؛ الْبُلغاءُ

في

التوثيق

لمناهجِ

الرفق بالقبورِ. القتلةُ القانونُ،

وأنينُ القانونِ،

وأعاصيرُهُ النُّورُ الهولُ. اْلقتلةُ

بأسماءٍ

أو

من دونها؛

برِقَّةٍ

أو

من دونها. اْلقتلةُ السباتُ في اللؤلؤةِ معلَّقةً إلى نَحْرِ الأغنية الخالدةِ. القتلةُ الضغائنُ من نهش التاريخ للتاريخِ. اْلقتلةُ السَّمْعُ مُسْتَرَقاً على همسِ الهواءِ في الرئاتِ؛ آكلو الأعمارِ صباحاً إفطاراً. الْقتلةُ

الفرحُ

بنجاةِ

أسمائهم

في انهيار الدولِ، أيها البلد.

( من كتاب سيصدر قريباً)