روبرت فورد
يتولى صديق لي مسؤولية إدارة منظمة وطنية للأميركيين المسلمين أعلنت رسمياً دعمها لجوزيف بايدن. وقد يكون هذا الأمر بالغ الأهمية. على سبيل المثال، كان للفوز الانتخابي الذي حققه دونالد ترمب في ولاية ميشيغان عام 2016 دور حيوي في نجاح حملته الانتخابية.
جدير بالذكر، أن الهامش الذي حققه في ميشيغان كان 11.000 صوت إضافي عن هيلاي كلينتون التي حصلت على إجمالي عدد أصوات داخل الولاية بلغ 4.800.000 صوت. إذن، ماذا يعني هذا الهامش الضئيل؟ في ميشيغان، هناك ما يزيد على 400.000 مواطن أميركي من أصول عربية، بينهم 120.000 تنتمي أصول عائلاتهم إلى بلاد الشام. ويمكن أن تلعب أصوات هؤلاء الأميركيين دوراً حيوياً في حسم النتيجة داخل ميشيغان، وبالتالي النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 في مجملها.
بالطبع، هناك الكثير من القضايا التي تهم هؤلاء المواطنين العرب – الأميركيين، منها جائحة فيروس كورونا والركود الاقتصادي. وفيما يخص الكثيرين للغاية منهم، فإن الدور المستقبلي للولايات المتحدة داخل سوريا يحمل أهمية كبيرة أيضاً. بوجه عام، يأمل المجتمع العربي – الأميركي في إرساء السلام في سوريا، لكنه منقسم حول السبيل نحو هذا السلام.
من ناحية أخرى، من الملاحظ أن المرشحين ووسائل الإعلام بوجه عام تجاهلوا القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية، مثل سوريا والعراق. ومع هذا، بمقدورنا ملاحظة وجود بعض الاختلافات بينهما إزاء ملف الأزمة السورية.
أولاً: من المهم ملاحظة أن ترمب وبايدن ومستشاريهما يتفقون فيما بينهم على الكثير من الأمور المتعلقة بسوريا. على سبيل المثال، لا يرغب كلا المرشحين في تدخل أميركي عسكري جديد ضخم في الشرق الأوسط. كما يدعمان جهود الأمم المتحدة الرامية لإيجاد حل سياسي من خلال المفاوضات الرامية لإقرار دستور، لكنهما لا يرغبان في قيادة عملية إعادة بناء سوريا أو إعادة بناء الدولة السورية القديمة.
إضافة إلى ذلك، يرغب كلاهما في الإبقاء على وجود بري أميركي صغير في شرق سوريا. ومع هذا، لا تتطابق وجهتا نظريهما حيال الوجود العسكري. بصورة أساسية، لا يرغب ترمب في هذا الوجود، لكنه يقبل به نتيجة حث وزارتي الدفاع والخارجية له على إبقاء القوات الأميركية هناك. ولا يشعر ترمب بولاء تجاه الأكراد داخل محافظة الحسكة. (ولا ينبغي للأكراد الشعور بالضيق من هذا الأمر؛ ذلك أنه لا يركز على الولاء تجاه أي شخص حتى داخل أميركا، فيما عدا أسرته.)
ونجح مستشارو ترمب داخل البنتاغون ووزارة الخارجية في إقناعه بقبول بقاء القوات الأميركية في سوريا فقط؛ لأنها تسيطر على بعض الحقول النفطية السورية الصغيرة. وحال عدم وجود خسائر بشرية أو مالية ضخمة، يوافق ترمب على الاستمرار في هذه العملية العسكرية. وقد خلص إلى نتيجة مفادها أن القوات الأميركية وحلفاءها من الأكراد قضوا على «داعش». ويشعر بتقدير تجاه الأكراد، لكنه لا يأبه بمستقبلهم.
في المقابل، لا يزال بايدن ومستشاروه يعتقدون أن تنظيم «داعش» يمكن أن يمثل مشكلة، ولا يرغبون في تكرار تجربة صعود «داعش» في العراق عام 2014. وعليه، فإن بايدن ومستشاريه يقولون جميعهم، إن الإبقاء على قوات أميركية على الأرض مهم.
وطالما أنه لا تسقط أعداد كبيرة من الضحايا الأميركيين، من المؤكد أن بايدن سيبقي على وجود عسكري أميركي صغير. أيضاً، يعتقد بايدن وفريقه أن الأميركيين يجب أن يوفروا الحماية للسوريين الأكراد.
حتى ترمب نفسه الذي لا يأبه لأمر «حزب الاتحاد الديمقراطي السوري» الكردي، يعكف على بناء دولة صغيرة داخل الحسكة تحت مظلة الوجود العسكري الأميركي، لكنه لا يرغب في توفير أموال لها واتخذ قراراً بوقف المساعدات الاقتصادية الأميركية.
إلا أنه حال فوز بايدن بالرئاسة، فإن إدارته ستحمي الدولة الصغيرة الناشئة، ومن المحتمل أن توفر لها برنامج مساعدات اقتصادية صغيراً. ويمكن أن نتوقع اضطلاع وزارة الخارجية حينذاك بدور أكثر نشاطاً في التعاون مع الإدارة المستقلة، خاصة من خلال الضغط على الأمم المتحدة لمنح «الاتحاد الديمقراطي السوري» وإدارتها دوراً في المفاوضات الجارية حول وضع دستور جديد لسوريا في جنيف.
والمتوقع أن تعارض كل من دمشق وأنقرة وطهران وموسكو جميعاً مثل هذه المبادرة الأميركية، لكن الفريق المعاون لبايدن لن يقدم أي حوافز لتغيير هذا الرفض.
في الواقع، لن يغير أي من ترمب أو بايدن سياسة العقوبات ضد دمشق. والواضح أن ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو تروق لهما العقوبات كأداة للضغط على طهران على نحو غير مباشر.
ومن جهته، لم يعرب بايدن عن تعاطفه مع حكومة الأسد قط، لكن سوريا لن تشكل ولو أولوية ضئيلة بالنسبة له. وفي اعتقاده أنه سيكون من الأسهل سياسياً داخل واشنطن الإبقاء على العقوبات.
بجانب ذلك، لن يقدم بايدن على رفع العقوبات المفروضة ضد حلفاء الأسد في طهران على الفور قبل خوض مفاوضات مكثفة حول برنامج إيران النووي.
وسرعان ما سيختلف مسار إدارة بايدن عن إدارة ترمب تجاه سوريا على صعيد واحد فقط: السياسات الإنسانية وتجاه اللاجئين. عام 2016، العام الأخير لإدارة أوباما، سمحت واشنطن لـ15.500 لاجئ سوري بدخول البلاد. كان ذلك عدداً ضئيلاً مقارنة بعدد اللاجئين السوريين البالغ خمسة ملايين نسمة، لكنه كان أكبر بكثير عن الـ630 لاجئاً سورياً الذين سمحت إدارة ترمب بدخولهم البلاد عام 2019.
ومن المعتقد أن إدارة بايدن ستسمح بدخول أعداد أكبر من اللاجئين إلى الولايات المتحدة من مختلف أرجاء العالم، وسيستفيد عدد أكبر من اللاجئين السوريين من سياسة بايدن.
إلا أنه حتى زيادة أعداد اللاجئين السوريين إلى ثلاثة أضعاف ما سمحت به إدارة أوباما لن يحل أزمة اللاجئين السوريين، خاصة مع اقتراب الشتاء، أسوأ أوقات العام للاجئين. وللأسف، ليس هناك في واشنطن أو موسكو من يملك إجابة شافية لكيفية تسوية أزمة اللاجئين أو الحرب السورية.
نقلا عن الشرق الأوسط