صراع النفوذ والحل السياسي في شمال وشرق سوريا

عبد الكريم صاروخان

بات واضحاً بأن منطقة شمال وشرق سوريا اجتازت الكثير من المراحل الصعبة والكثير من العوائق التي كانت السبب في تأخير ما كان يُخطط له من قبلنا، فحجم المؤامرات وكثرة العوائق حلت دون تحقيق كل الأهداف، والصراع ما يزال مستمراً، ولكن عبر وسائل أخرى، فبعد أن كانت الصراعات العسكرية هي السائدة في الجبهات، أصبحت اليوم صراعات على النفوذ.

وكل ما يجري في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط هو من أجل الصراع على النفوذ، بما فيه الصراع العربي الإسرائيلي، وما يرافقها من اتفاقيات بين الإمارات وإسرائيل من جهة وبين البحرين وإسرائيل من جهة أخرى، بالإضافة إلى الصراع الليبي والتدخل التركي في ذاك البلد، والتوتر الحاصل في الشرق المتوسط جراء الانتهاكات التركية المتكررة، كلها تندرج في إطار الصراع على النفوذ وبمختلف الوسائل بما فيها الوسائل غير القانونية.

مناطقنا أيضاً تتأثر بهذا الصراع، فالتهديدات التركية باجتياح شمال وشرق سوريا، والصراع الأمريكي الروسي لتوسيع مناطق النفوذ، والتدخلات الإيرانية المتزايدة، وتعنت النظام وإصراره على الحل العسكري، وحتى الهجوم التركي على إقليم كردستان، وشنكال، كلها تؤثر وتجري بشكل مترابط، وكل قوة أو دولة تحاول كسب المزيد على حساب الآخرين.

طبعا هذا الصراع يجعلنا أمام مهمات صعبة ولكنها مصيرية، فالتدخل التركي لم يعد مقصوراً على الشمال السوري،  بل امتد إلى العراق وليبيا والقوقاز، وهذا يعني مزيداً من المشاكل لأنقرة، ولكنها  تعني أيضاً أن آفاقاً للعمل الدبلوماسي تفتح أمام الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، أيضاً الصراع الروسي الأمريكي، وضعف النظام السوري والضغط المتزايد على القوات الإيرانية وفصائلها المسلحة، وتشتت المعارضة السورية، كل هذه الأمور تضع الإدارة أمام مهمة صعبة وهي أن توسع كافة نشاطاتها وفعالياتها لأنها تمثل البديل وتمثل التغيير الحقيقي والمنشود.

قوى الهيمنة والمرتبطين بها من الدول الإقليمية، تحاول جاهدة أن تعيد رسم الخرائط في المنطقة، وأمام هذا المخطط ولكي لا نكون الضحية كما في كل مرة، علينا التمسك بخطنا الثالث الذي انتهجناه منذ بداية هذه الثورة، والذي جعلنا ننتصر على الإرهاب، وتدمير دولة الإرهاب المزعومة التي أعلنت عنها في مدينة الرقة والتي كانت بعيدة كل البعد عن مفهوم العدالة والقيم الإنسانية والدينية.

واستطاعت قوات سوريا الديمقراطية ـــ المتشكلة من مكونات شمال وشرق سوريا كالعرب والكرد والسريان ــ التصدي للإرهاب، في الوقت الذي عجزت فيه دول كبيرة لوقف تمدد هذا الإرهاب الذي كان يهدد العالم، ورأينا كيف دخل داعش العراق، وبشكل خاص مدينة الموصل، التي فرت منها الآلاف من الجنود العراقيين من أمام إرهابيي داعش، وكذلك في مناطق شنكال، حيث ترك الآلاف من البيشمركة هذه المنطقة لوحشية تنظيم داعش الإرهابي، ليرتكب فيها أفظع الجرائم ضد الإيزيديين، من سبي آلاف النساء وقتل عشرات الآلاف دون رحمة.

قوات سوريا الديمقراطية التي دحرت أقوى تنظيم إرهابي عالمي، تمثل كل المكونات دون إقصاء أي مكون من كافة التشكيلات والمؤسسات العسكرية والأمنية، وهي لا تعادي طرف على حساب أطراف أخرى وتحاول قدر المستطاع تجنب الصراعات العرقية والمذهبية، وهي منذ بداية تأسيسها وعن طريق الإدارة الذاتية التي تمثلها سياسياً تتمسك بالحوار كخيار استراتيجي مع النظام وقوى المعارضة وحتى مع الدول الإقليمية بما فيها الدولة التركية، التي رفضت كل الحلول السلمية المقدمة من قبل قسد.

وبعد مرور عشر سنوات على الأزمة السورية ما تزال قسد والإدارة الذاتية على ثوابتها الوطنية الراسخة وهي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، يتضمن حل سياسي، ويحقق طموحات المكونات السورية كافة في الحرية والعدالة، وعبر نظام ديمقراطي لا مركزي، أما الإصرار على العودة إلى ما قبل 2011 فهي مجرد أحلام وخيالات عنصرية وشوفينية تعقد الأزمة أكثر.

وفي أحد الاجتماعات تحدثتُ وقلت أننا “نطالب النظام بإيجاد حل للأزمة السورية العالقة والاعتراف بالإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا أي نحن طلاب الحل، حلٌ يضمن حقوق شعبنا، وليست لدينا أية نية لمحاربة أيٍ كان، نحن طلاب الحوار والمحادثات والمفاوضات والحلول الجذرية، من أجل ذلك ذهب وفدنا إلى موسكو، وهي أكبر رسالة للمتربصين الذين كانوا يدَّعون بأننا انفصاليون، فنحن مع اللامركزية الديمقراطية ومع القرار رقم 2254

لكن النظام ما يزال على ذهنيته القديمة، ولم يتغير، ولا يبحث عن الحلول السياسية، ويحاول مجدداً عن طريق أجهزته الأمنية وبمخططات مشتركة مع الاحتلال التركي تنفيذ عمليات إرهابية عبر مجموعات مسلحة لضرب استقرار المنطقة، بما فيها عمليات اغتيال طالت وجهاء وأعيان المنطقة، وعبر نشر الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي يومياً، تستخدم فيها جيوش إلكترونية، ومرتزقة، وعصابات وقتلة وكل الوسائل المتاحة لهم.

والحملة التي نظمت في شمال وشرق سوريا والمنطقة عموماً،  تحت شعار ” لا للاحتلال لا للتجريد… نعم لحماية مكتسبات ثورة روجافا” تأتي ضمن، مساعي القوى الديمقراطية والوطنية لحماية هذه التجربة الديمقراطية والتي تستند على مفهوم الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، وكذلك لدحر مخططات دوائر الحرب الخاصة التي تشن هجماتها اليومية على هذه التجربة.

باختصار نحن أمام هجمة كبيرة ووسائلها عديدة ومتطورة، وليس أمامنا سوى تنظيم أنفسنا أكثر سياسياً وعسكرياً ومجتمعياً، وكل خطوة على الأرض، هي ضربة للمخططات التي تسعى لتدمير هذه التجربة الديمقراطية التي تسعى لتحقيق وحدة الشعوب والمكونات، والانضمام إلى حملة ” لا للاحتلال لا التجريد ..” هو واجب على كل وطني للزود عن المكتسبات التي أُنجزت بتضحيات الشهداء.