روبرت فورد
في غضون أيام، ستنجز القوات الأميركية عملية انسحاب 2.200 جندي أميركي من العراق، حسبما أعلن قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، جنرال ماكنزي، في التاسع من سبتمبر (أيلول). ومن شأن ذلك ترك قرابة 3.000 جندي أميركي داخل العراق.
وفي ذات الوقت الذي ترحل هذه القوات عن العراق، ترسل واشنطن تعزيزات إلى شمال شرقي سوريا. وبدلاً من الاهتمام بالقرارات العسكرية التي تتخذها حكومتهم في الشرق، ينصب اهتمام الغالبية العظمى من الأميركيين على متابعة الحملات الانتخابية فحسب.
ومع ذلك، يبقى من المستحيل فصل الانتخابات عن السياسة الخارجية التي تنتهجها واشنطن، فقبل ستة أسابيع من يوم الانتخابات، لا تبدو نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بالرئيس ترمب مبشرة. لذا، فإنَّه من الحيوي له الحفاظ على الدعم القوي من قاعدته السياسية.
وترفض هذه القاعدة، من جهتها، خوض حروب في الشرق الأوسط. ولذلك، شدَّد ترمب على الانسحاب الجديد من العراق، علاوة على تعهد وزير الدفاع مايكل إسبير بسحب نصف القوات الأميركية المتبقية في أفغانستان بحلول نوفمبر (تشرين الثاني).
أيضاً، يخبر الرئيس ترمب الرأي العام الأميركي أن الأميركيين «من الناحية العملية» يعتبرون خارج سوريا فيما عدا قوات لحماية آبار النفط هناك. وأشار إلى أن العملية العسكرية في سوريا لم يكن لها تكاليف. (في واقع الأمر، تقدر تكلفة العمليات الجارية داخل سوريا بعدة مليارات الدولارات سنوياً).
يحذر فريق الحملة الانتخابية المعاون لترمب من أن جو بايدن صوت لصالح الحرب في العراق عام 2002. وإذا فاز في الانتخابات فإنه سيدفع بالولايات المتحدة داخل حروب جديدة. وتمثل هذه الرسالة السياسية الجديدة وراء عمليات الانسحاب العسكري الأميركية في الفترة الأخيرة.
اللافت أن الكثير من المحللين يصرون على أن الأميركيين يحتم عليهم إبقاء قوات في العراق من أجل احتواء النفوذ الإيراني، لكن إدارة ترمب، من ناحيتها، لم تجعل إدارة ترمب انسحابها الجديد مشروطاً بأي إجراءات إضافية من جانب الحكومة العراقية ضد «الحشد الشعبي».
على ما يبدو، تشعر إدارة ترمب بارتياح في التعامل مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى كاظمي وأهدافه طويلة الأمد المتعلقة بالإصلاح الأمني. ومن المقرر استمرار بعض جهود التدريب العسكري الأميركي لقوات عراقية. كما قررت إدارة ترمب أن قوة الألفي جندي التي يجري سحبها الآن لم تحقق نجاحاً في احتواء النفوذ الإيراني.
بدلاً عن ذلك، تحول الجنود الأميركيون إلى هدف سياسي وعسكري للعراقيين الموالين لإيران. ومن خلال تمركزهم داخل قواعد قليلة داخل العراق، بمقدور القوات حماية نفسها على نحو أفضل من الميليشيات، وبإمكان كاظمي القول بأن الأميركيين ينسحبون على نحو تدريجي. وقبل كل ذلك، فإنه فيما يخص ترمب تحمل مسألة تحقيق مكسب سياسي في انتخابات نوفمبر أهمية أكبر حالياً من بذل جهود كبرى لكبح جماح النفوذ الإيراني داخل العراق.
ومع هذا، فإن الأميركيين لا ينسحبون من العراق بصورة كاملة، فهم يتولون تدريب القوات العراقية داخل قواعدهم، بجانب توفيرهم دعما لوجيستيا للعمليات الأميركية في شمال شرقي سوريا. وحذر تقرير وضعه عدد من الخبراء العسكريين لدى معهد «راند»، مايو (أيار) الماضي بأن الانسحاب العسكري الأميركي الكامل مع العراق سيزيد على نحو بالغ صعوبة تنفيذ العمليات العسكرية الأميركية في سوريا.
وأوصى الخبراء التابعون لمعهد «راند» بتنفيذ انسحاب محدود فقط من العراق من أجل تقليل المصاعب أمام المهمة العسكرية في سوريا بأكبر قدر ممكن. ورغم السياسات التي يتبعها ترمب في موسم الانتخابات، فإن هذا بالفعل ما تعكف وزارة الدفاع الأميركية على تنفيذه.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن القاعدة الموجودة في أربيل تتميز بأهمية خاصة، وليس من قبيل المصادفة أن السفير الأميركي زار أربيل الأسبوع الماضي، وأعلن عن مساعدات عسكرية جديدة إلى قوات البيشمركة بقيمة 250 مليون دولار أميركي في وقت تعاني أربيل من مشكلات مالية كبرى.
وعليه، يبقي الأميركيون قواعد في العراق لتدريب قوات عراقية وتوفير دعم لوجيستي واستخباراتي للعمليات الأميركية في سوريا. اليوم، لم تعد المهمة العسكرية الأميركية في سوريا مرتبطة بالفعل بتنظيم «داعش»، خاصة أن القوات الأميركية ليست بحاجة لمركبات جديدة مدرعة والمزيد من طائرات الدورية المقاتلة لمحاربة فلول «داعش». وإنما بدلاً عن ذلك تأمل واشنطن في أن تنجح القوات الجديدة في ردع القوات الروسية التي وقفت بمواجهة قوات أميركية في شمال شرقي سوريا.
من ناحيتهما، ترفض وزارتا الدفاع والخارجية الانسحاب من شمال شرقي سوريا بسبب الضغوط الروسية. (ترمب نفسه لا يأبه بالبقاء في سوريا طالما أنه لا يسقط قتلى وتظل التكاليف محدودة. ويأمل الفريق المعاون له في ألا يستجيب الروس والإيرانيون بتصعيد من ناحيتهم).
ولا تزال المهمة الأميركية في سوريا تهدف إلى إجبار الأسد على تقديم تنازلات سياسية كبرى في مفاوضات جنيف، بجانب إجبار إيران على الانسحاب من سوريا. واللافت أن المبعوث الأميركي إلى سوريا السفير جيمس جيفري حاول في من جديد مطلع هذا الأسبوع إبرام اتفاق بين الأحزاب السورية الكردية من أجل زيادة الضغوط السياسية على دمشق.
كما عملت وزارة الخارجية على تيسير عقد اتفاق تجاري جديد بين شركة أميركية جديدة والجنرال الكردي مظلوم عبدي، لمنع دمشق من شراء النفط من شمال شرقي سوريا. وثمة شعور غير معلن بالرضا داخل واشنطن تجاه أزمة نقص البنزين والخبز في المدن السورية الكبرى.
وتحاول واشنطن إقناع القيادات السورية الكردية أن قواتها ستبقى حتى يوم ما في المستقبل عندما ينهار نظام الأسد – رسالة مختلفة عن تلك المتعلقة بإنهاء حروب الشرق الأوسط التي تُبعث للأميركيين في الداخل.
نقلا عن الشرق الأوسط